الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
هل ستكون سوريّة مستنقعاً للروس؟
عمار ديوب

كرّر المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، في حوارٍ أخيرٍ معه، أنّه عمل طيلة خدمته من أجل أن تكون سورية مستنقعاً للروس، طالما لا يأخذون السياسة الأمريكية بعين الاعتبار.


 


إن كلمة مستنقع كبيرة بما يتعلّق بنتائج السياسية الروسية في سوريا، ولكن دون شك إنّ أمريكا لديها أساليب كثيرة لتشديد الحصار على الروس في سوريا، والأمر لا يقتصر على وجودهم العسكري في شمالي شرق سوريا، ولا على قانون قيصر، ولا يتعلّق بمشروع قرارٍ أمريكي، مؤخراً، قد يصبح قانوناً في الأشهر القادمة، وينصّ على شطب أيّة شرعية للنظام السوري، وبذلك تُغلِق أمريكا الستار على محاولات روسيا شرعنة النظام السوري مجدّداً، والتي بدأت منذ خيار أستانة وانتهاء بمؤتمر اللاجئين الفاشل في دمشق، والذي قاطعته دول العالم بسبب الرفض الأمريكي له.


 


أوصى جيفري خليفته في حواره مع جريدة الشرق الأوسط منذ عدّة أيام، بمتابعة السياسة الأمريكية ذاتها في سوريا. ونظراً لتعقيدات كثيرة تخصّ الوضع الأمريكي في العراق وتركيا، فإنّ تغييراً لصالح الروس في سورية لن يتحقق، وربما يحصل تشدّدٌ أمريكيٌ ضد السياسة الروسية في أكثر من مكان في العالم، وهذا يتعلّق بسياسة جو بايدن والديموقراطيين بعامة. سياسات الدول العظمى لا تتغير بسهولة، وبالتالي لم يغيّر ترامب بسياسات أوباما كثيراً، ولا سيما بما يخصّ سوريا، وكذلك لن يفعل بايدن، وهذا لا يُلغي أنّ معطيات كثيرة تغيّرت في العالم خلال الأربع سنوات الماضية، وكذلك خلال فترة حكم أوباما، وبالتالي هناك تغيير جزئي سيشمل سوريا في زمن بايدن، ولن يكون لصالح الروس، وربما يضعهم بخانة اليك.


 


بكل الأحوال، إنّ تطوّر الوضع السوري برمته، ووصوله إلى ترسيم النفوذ للدول المتدخلة، باستثناء بعض المناطق والتي يجري تقاسمها، وبصورة خاصة بين تركيا وأمريكا وروسيا، ربما يشي بأنّ تسوية معينة حان موعدها، وقطاف سوريا لا بد من جني محصوله.. الدول ليست جمعيات خيرية كما توهمت المعارضة من 2011، وحتى الوقت الراهن، والمتدخلة هذه، تريد الأموال والمصالح الجيوسياسية من سورية، وهذا ما وصلت إليه، فـ”لروسيا” أغلبية الاستثمارات في الاقتصاد السوري، ولإيران قطاعات كبيرة منه، ولتركيا سوق كامل في شمال سوريا، وكذلك للأمريكان، حيث خيرات الجزيرة السوريا.


 


قضيتان يتم التركيز عليهما مؤخراً، مؤتمر اللاجئين، والانتخابات الرئاسية السورية في الصيف القادم، هاتان القضيتان فجرتا نقاشاتٍ قويّة في صفوف المعارضة، وتحديداً بعد قرار الائتلاف الوطني للمعارضة والثورة بخصوص تشكيل مفوضية عليا للانتخابات، وهناك الفشل في اللجنة الدستورية وعدم شرعيتها من أصله كما يشير بعض القانونيين المعارضين.


 


أرادت روسيا إخبار العالم عبر ذلك المؤتمر، أنّها ستعيد انتخاب الرئيس الأسد، وأنّ نظامه شرعي، وأنّ عودة اللاجئين ممكنة أو أنّ اللاجئين مدعوون للمشاركة في أماكن لجوئهم. إنّ قرار الائتلاف المُسيطَر عليه من تركيا جاء بهذا السياق، وبغضّ النظر عن تعليقه لاحقاً، ولو أضفنا سيطرة روسيا على اللجنة الدستورية بكل وفودها، وليس فقط عبر وفد النظام، وكذلك عبر التسوية مع الأتراك، ومنذ 2018 بصفة خاصة، بل منذ سيطرة النظام على حلب، فإنّ روسيا تريد عبر الانتخابات والتجديد، شرعنة وجودها في سورية، وهذا ما لن تعترض عليه تركيا وكذلك إيران، ولا ترفضه أمريكا. نعم أمريكا لا ترفضه البتة، وتؤكد أنّ شروطها تتعلّق بإخراج القوات الإيرانية والعودة إلى 2254، ومحاربة الإرهاب، وإنّ أيّة خطوة من قبل النظام نحو ذلك ستقابلها أمريكا بخطوة، وهذه رسالة الأمريكان للروس.


 


التطورات على الأرض تسمح بتقارب أمريكيّ روسي، سيما أنّ العصا الإسرائيلية لا تتوقف عن سوط الوجود الإيراني في سورية، ورغم محاولتنا توضيح اختلاف بايدن عن بوتين في سوريا، فإنّ سياسة بايدن الأساسية حول الوجود الأمريكي في سوريا، لن تتضمن تصعيداً مع الروس، وهنا يلتقي بايدن وترامب، حيث الخلاف الحقيقي لبايدن سيكون مع الصين بالتحديد، فهي من يُهدّد أمريكا عالمياً، وليس روسيا التي يمكن تركها في “الثلاجة” وحصارها هنا وهناك.


 


ما لا يمكن السكوت عنه هي الصين، وهذا ليس بجديد، بل ومنذ أوباما، واستمر الأمر بعده، ولكن ترامب شكل كارثةً للسياسات الأمريكية عالمياً، حيث عزلَ بلده عن العالم، ما شكل فراغاً ملأته الصين، بعد أن كانت أمريكا وعبر العولمة والسياسات الليبرالية تهيمن على العالم، وجعله أكثر تبعية لأمريكا ولأوروبا، ولا سيما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وتراجع دور روسيا العالمي، منذ أواخر ثمانينات القرن المنصرم.


 


الصراع بين الدول العظمى، لا يمكن تصويره على منوال الصراع بين سلطات الدول المتخلفة، لا، إنّ أمريكا، وهي تضع شروطاً على الروس، تقول بأنّها ستترك سوريا لروسيا شريطة تقيدها بالشروط الأمريكية، وفي حال عدم مراعاتها ذلك، فهناك التشدّد، والدخول التدريجي في المستنقع، حيث لا إعادة إعمار، ولا تعويم للنظام وشرعنته، ولا بإمكان روسيا جني المحاصيل، وحرمانها بشكل أكبر من ثروات الجزيرة السورية، والتشدّد في عقوبات قانون قيصر وعقوبات أخرى، وعبر أمريكا والاتحاد الأوربي، والآن هناك مؤشرات تؤكد أنّ عقوبات إضافية سيواجهها النظام، وقد تشمل العقوبات الوجود الروسي في سورية بأكمله.


 


لا يكتمل غوص روسيا في المستنقع دون ظهور حركة تحرّرٍ وطني سورية، وأمام هذا عقبات أكبر من كبيرة؛ إنّ أيّة مراقبة لوضع المعارضة وكتلها والبارزين فيها، توضح أنّ هذا ليس ممكناً من أصله، وما يحدث من انتقادات للائتلاف من رافضيه، والذين تكاثروا بعد قراره غير الصائب، لا يقدّم لنا معطىً جديداً، لوعي السياسة العالمية والإقليمية في سوريا، ولا وعي ضرورة ظهور معارضة قوية وفاعلة ومؤثرة، وبهدف تغيير نظرة العالم للوضع السوري بعامة وليس فقط لوضع المعارضة الهزيل.


 


إنّ روسيا تعاني من السياسات الأمريكية، بل إنّ عدم تصعيدها ضدّ إيران واعتمادها عليها وعلى تركيا من أجل سحق مناطق “خفض التصعيد”، أي المناطق الخارجة عن النظام، يمكن قراءته من جرّاء تأجيل روسيا لتسويةٍ مع الأمريكان، وكذلك عدم استعجال أمريكا نحو ذلك. رغم ذلك، إنّ قانون قيصر وقوانين جديدة تطبخ على مهلٍ، وحصار أمريكيّ أكبر، هو بداية الدخول إلى المستنقع، ولكن ذلك لا يعني أنّ هزيمة روسية تلوح في الأفق، وليس من اهتمام أمريكي أكبر من أصله بسوريا، وبالتالي هل تعي روسيا السياسات العالمية، والتي لم تتغير كثيراً منذ 2011 في سوريا؟ وهل تعي المعارضة أنّ دوراً جديداً، يجب أن يعود بها إلى الشعب السوري أولاً وإلى القرارات الدولية، جنيف 1، والقرارات 2118، و2254، التي تتضمن هيئة كاملة الصلاحيات وتقود مرحلة انتقالية في سوريا؟


ليفانت - عمار ديوب

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!