الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
هل حان وقت الصدام بين الروس والغرب؟
حسام فاروق

أعلنت فنلندا عن تقديم طلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي دون إبطاء، ومن المتوقع أن تحذو السويد حذوها، الحلف من جانبه استقبل طلب فنلندا ومساعي السويد بالترحاب، وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، إن الفنلنديين سيكونون "موضع ترحيب شديد" ووعد بعملية انضمام سلسة وسريعة، ولم يعر الناتو اهتماماً للتهديدات الروسية باتخاذ إجراءات "عسكرية تقنية" لم تحددها، حال حدث ضم الدولتين الإسكندنافيتين إلى الناتو بالفعل، لما تعتبره موسكو -بحسب التصريح الرسمي للكريملين- تهديداً مباشراً لروسيا، ونقل عن مسؤولين روس تحدّثوا في السابق عن أن خطوة كهذه من شأنها ترجيح احتمالية نشر صواريخ نووية روسية في بحر البلطيق.

في زاوية مقاربة من المشهد، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنه يدعم تماماً اختيار فنلندا الانضمام للناتو، واقترح إنشاء "منظمة سياسية أوروبية جديدة "تنضم لها أوكرانيا، بالتوازي مع آلية ضمها إلى الاتحاد الأوروبي، وقال ماكرون: "إن المنظمة الجديدة ستكون بمثابة حلف يسمح للأمم الأوروبية الديمقراطية التي تؤمن بقيمنا الأساسية بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي والأمني"، ما يعني أنه توسيع للتحالف العسكري الغربي في مواجهة روسيا بعد غزو الأخيرة لأوكرانيا، وهو ما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى للحيلولة دون حدوثه.  

ليس خافياً أن بوتين تراوده فكرة الاستحواذ على بحر البلطيق مثلما تشغله الآن فكرة الاستحواذ على البحر الأسود والذي من أجله تدخلت روسيا في أوكرانيا، وإذا ما استطاع بوتين تحقيق انتصار في أوكرانيا، ستحرم أوكرانيا من شاطئها وتسيطر روسيا على كامل المنطقة لناحية الشرق، ومن هنا تخشى كل من فنلندا والسويد أن يتفرغ لهما بوتين بعد ذلك، بهاجس السيطرة على بحر البلطيق، حيث إن لدى الروس أسطولاً بحرياً كبيراً في المنطقة، وهذا يفسر لنا لماذا يدعم الناتو الجبهة الشرقية المقابلة لموسكو ولماذا أنشئت مجموعات قتالية زودت بسلاح وعناصر أمريكيين للدفاع ليس فقط من خلال البحر الأسود، ولكن أيضاً بحر البلطيق الذي يعد جزءاً من منطقة دفاع الناتو أمام أي هجمات روسية، حيث لن يسمح الناتو بأن يكون البلطيق حديقة خلفية لروسيا.

ضم فنلندا والسويد إلى الناتو ينطوي على مخاطر كبيرة على موسكو وحصار سياسي وعسكري للقوات الروسية، إذ سيكتمل الطوق الغربي باتجاه روسيا، وبالتالي سيعاد تنشيط الدرع الصاروخي الذي أقر منذ 1990 ويشمل كل دول أوروبا الشرقية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي السابق وأصبحت جزءاً من الناتو، لذلك فإن التمدد إلى فنلندا والسويد سيحقق للناتو حماية قريبة لدول أوروبا الشرقية التي تخشى دائماً أن يعاود الروس غزوها واحتلالها، وإذا ما وضعت صواريخ أو أسلحة متطورة للناتو في السويد وفنلندا فإن الحلف بات متواجداً في الجبهات والحدود الغربية الروسية ما يعني تكبيل أيدي بوتين وخطر السلاح الروسي.

قرار الدولتين الإسكندنافيتين الانضمام للناتو يشير إلى نيتهما التخلي عن وضع الحياد الذي حافظتا عليه طوال الحرب الباردة وهذا سيشكل أحد أكبر تحولات الأمن الأوروبي منذ عقود، ووصول صواريخ متطورة لحلف الناتو إلى البلدين يعني اختصار الدورة الزمنية لقدرة الدفاع الجوي الروسي على الرد، حيث كلما اقتربت الصواريخ من موسكو كلما قل زمن طيران الصواريخ، وبالتالي الزمن المتاح للتصدي لها أقل، ما يعني زيادة الخطورة على موسكو، لذلك ينزعج بوتين ويشعر بالضيق عند كل محاولة لضم أجزاء من أوروبا الشرقية إلى الناتو.

فيما يخصّ المقترح الفرنسي بإنشاء منظمة سياسية أوربية، تنضم لها أوكرانيا، فالخطوة ليس لها تفسير سوى أنها محاولة لتوسيع التحالف العسكري الغربي في مواجهة بوتين الذي وضع كامل الدول الأوروبية على صفيح ساخن وأعاد سيناريو الحرب العالمية الثانية إلى الوجود، فهناك بلا شك مخاطر كبيرة على الوجود الغربي في ظل التهديدات الروسية، حيث للمرة الثالثة في زمن الحرب الأوكرانية سمعنا تهديداً باستخدام الأسلحة النووية من قبل بوتين ولافروف، وبوتين نفسه سبق وأن استنفر الحقيبة النووية لتكون جاهزة وموجهة ضد الغرب بعد كل تصعيد ضده أو ضد روسيا، فمع كل إعلان عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة، يرد بوتين باستخدام أسلحة مثل الكينجال والكاليبر من صواريخ الكروز من غواصات البحر الأسود أو حتى صواريخ إسكندر وإسكندر-إم التي استخدمت في أوكرانيا.

المقترح الفرنسي بتشكيل حلف أوربي جديد وإن بدا في ظاهره على أنه خطوة نحو ضمان الاستقرار؛ إلا أنه قد يحتمل أيضاً توقعات غير محمود عقباها من الجانب الروسي، فالمقترح يدعم قدرات جديدة للحفاظ على الأمن الحيوي الأوربي، لم تكن موجودة قبل أزمة أوكرانيا حتى إن الناتو كان يلقى صعوبات في تعبئة القوات لإرسالها في مهمات إلى الخارج، مثل أفغانستان والتحالف الدولي في العراق، وضم أوكرانيا إلى هذه المنظمة الجديدة يعد بمثابة إعلان حماية لها وتصعيب أي عمل مستقبلي عسكري لروسيا ضد الدول الأوروبية، وهذا يعني صداماً لا محالة مع روسيا، لأن الأوكرانيين منذ 2014 يتدربون مع الناتو في ألمانيا وشاركوا في عشر مناورات باستخدام أسلحة أمريكية وغربية وناصبوا العداء للروس منذ احتلال القرم، لذلك هذا الموضوع لن يؤدي إلى حل الأزمة، حيث يعتبر بوتين ووزير خارجيته لافروف أي مساعدة غربية لأوكرانيا بمثابة إعلان حرب، وأن كل الدعم الغربي المقدم في مجال الدفاع للرئيس زيلينسكي هو نوع من الاستفزازات لروسيا.

أطماع بوتين بدت واضحة، فهو يسعى اليوم إلى أوكرانيا وغداً إلى بولندا وبلدان أخرى مثل مولدافيا، وبالتالي هناك أخطار كبيرة يحملها المشروع البوتيني وحانت -من وجة النظر الغربية- لحظة الضرورة لإفشال هذا المشروع وتكبيل الآلة العسكرية الروسية من خلال تجمعات وتكتلات سياسية، وبات هناك شبه إجماع أوروبي - أمريكي على منع أي انتصار لبوتين الذي ينظر له في الغرب على أنه نسخة محدثة من هتلر.

في الأخير لن يقبل الروس بضم فنلندا والسويد للناتو، أو ضم أوكرانيا لهذه المنظمة الأوربية الجديدة ولن يقبلوا بمحاصرة روسيا بالصواريخ ضمن منظومة الدفاع الصاروخي ونشرها على مقربة من موسكو والشمال الروسي، وأتوقع أن تزداد نبرة التصعيد الروسي على لسان بوتين ووزيري خارجيته ودفاعه لافروف وشويغو، لكن اتخاذ قرار روسي بشنّ هجوم على الغرب أعتقد سيكون في إطار ضوابط، ربما تؤخر هذا القرار أو تعتبره الخيار الأخير، فالطبقة السياسية والاقتصادية المحيطة ببوتين بدأت تشعر بأنه أصبح يشكل عائقاً لها، ولن تسمح لبوتين بهذا التطور أو ببناء إمبراطوريته التي ستشكل دماراً للعالم كله، وبالتالي قد نسمع بعض التهديدات إنما لا أتوقع أن تذهب الأمور إلى صدام عسكري، ستستمر الأوضاع هكذا، حرب ميدانية غير محسومة لطرف دون آخر، وتداعيات اقتصادية يدفع ثمنها العالم وتهدد بمجاعات وأزمة غذاء وطاقة وارتفاع في الأسعار ينكوي بها فقراء العالم، ومع التصعيد والتصريحات المتجددة لكل طرف، فأغلب الظن أن الحلول الحقيقية لهذه الأزمة ما تزال غائبة أو يتم تغييبها عن قصد، وسنمضي شهوراً في هذه الأزمة.

 

ليفانت - حسام فاروق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!