الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
هل تغير تركيا سياستها في ليبيا؟
داليا زيادة

استقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شخصيتين بارزتين من الطبقة السياسية الليبية، الأسبوع الماضي، هما: عبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب.

نظراً للوضع السياسي المشتعل حالياً في ليبيا نتيجة للصراع بين حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وحكومة باشاغا التي عينها البرلمان قبل أربعة أشهر، يثير اجتماع أنقرة تساؤلات حول مستقبل تدخلات تركيا السياسية والعسكرية في ليبيا.

بشكل خاص، إن استضافة صالح، وهو الرفيق المخلص للجنرال خليفة حفتر، قائد القوات العسكرية المسماة "الجيش الوطني الليبي" في بنغازي، يثير التساؤل عما إذا كانت تركيا قد قررت التوقف عن دعم حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، إذعاناً لرغبة الساسة الشرقيين، والقوى الأجنبية التي تقف وراءهم.

من زاوية أخرى، قد يشير هذا الاجتماع إلى بداية تغيير في موقف الكتلة الشرقية في ليبيا من مقاومة الوجود التركي، سيما العسكري، على الأراضي الليبية، كوسيلة للمساومة تسمح لهم بالاستحواذ الكامل على السلطة السياسية في ليبيا، وهو أحد الآمال الكبيرة لدى حفتر على وجه الخصوص. إلا أن الغرض الحقيقي من اجتماع أنقرة يبدو مختلفاً إلى حد ما عن كل ذلك.

يفترض بعض المراقبين أن تركيا قد تتوقف عن دعم المعسكر الغربي في ليبيا، لمواكبة جهود التقارب الدبلوماسي الأخيرة مع دول الخليج العربي التي تدعم المعسكر الشرقي هناك. ربما أحد المشاهد التي تعزز هذه الفرضية بقوة هو الزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، مؤخراً إلى أبو ظبي ولقائه مع رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد. تقف تركيا والإمارات مواقف متضادة ومتصارعة ضد بعضهما، منذ سنوات، في كل من ليبيا وسوريا على وجه التحديد. وصل التنافس بينهما إلى حد التهديد العلني لبعضهما بالانتقام العسكري. لكن تغيرت الأمور بشكل ملحوظ بعد اجتماع أكار وبن زايد، في شهر مايو، حيث بدأت الإمارات تغض الطرف عن عمليات تركيا العسكرية في شمال سوريا والعراق، وتوقفت عن التعليق الإعلامي عليها تماماً. على ما يبدو، ترد تركيا الموقف للإمارات في ليبيا من خلال إظهار قدر أكبر من التسامح تجاه المعسكر الشرقي هناك، وفتح قنوات جديدة للتحاور معه.

على الرغم من ذلك، سيكون من المبالغة، أو الخطأ، افتراض أن تواصل تركيا مع الكتلة الشرقية في ليبيا يعني بالضرورة تخليها عن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس. في الواقع، لا تستطيع تركيا أن تفعل ذلك لأسباب عديدة. على أقل تقدير، سيمثل هذا التصرف مجازفة بسمعة الجيش التركي كحليف موثوق به، وهذه السمعة هي الأساس الذي تقوم عليه جميع تحركات تركيا الدبلوماسية والعسكرية في مناطق أوراسيا والشرق الأوسط والبحر المتوسط. فضلاً على هذا، ما تزال القوات التركية، التي يبلغ قوامها ١٥٠٠ عسكري تركي وآلاف المرتزقة السوريين، تعمل على الأرض في طرابلس حتى يومنا هذا. في شهر يونيو، قدم الرئيس التركي طلب إلى برلمان بلاده للموافقة على تمديد مهمة القوات التركية في ليبيا لمدة ثمانية عشر شهراً أخرى.

دخلت القوات التركية إلى طرابلس، في ديسمبر ٢٠١٩، لحماية الحكومة السابقة في طرابلس من غزو قوات حفتر واستحواذه على السلطة. منذ ذلك الحين، يقدم الجيش التركي للقوات المسلحة الليبية الرسمية، المتمركزة في طرابلس، تدريبات واستشارات عسكرية، بناءً على اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين البلدين في نفس العام. في الوقت الحالي، يستكمل عدد من الطلاب المنتسبين إلى القوات المسلحة الليبية تعليمهم في الكليات العسكرية في تركيا. من هذا المنطلق، فإن التخلي عن الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها يجعل مصالح تركيا في ليبيا، وبالتبعية في منطقة البحر المتوسط، عرضة للخطر. هذا أمر لا تستطيع تركيا تحمله أو احتواء تبعاته في الوقت الراهن.

في الوقت نفسه، ما تزال الكتلة الشرقية الليبية تتلقى دعماً سياسياً وعسكرياً من روسيا. ما يزال المرتزقة والشركات العسكرية التابعة لروسيا تعمل إلى جانب مليشيات حفتر. وما يزال حفتر نفسه يشير إلى تركيا كعدو ويصف القوات التركية في طرابلس بالمحتلين. ما يزال البرلمان الليبي، برئاسة عقيلة صالح، الذي صافح أردوغان في أنقرة، الأسبوع الماضي، يقر ببطلان المذكرات البحرية والعسكرية الموقعة بين تركيا والحكومة السابقة.

بهذا المعنى، من الواضح أن تركيا لا ولن تغير سياستها في ليبيا. بعبارة أخرى، لن تتخلى تركيا -ولن تستطيع- التخلي عن حكومة الوحدة الوطنية، في هذا الوقت الحرج من الصراعات المحتدمة على السلطة بين المعسكرين الشرقي والغربي. لكن من وراء تواصلها مع القادة الشرقيين، تحاول تركيا خلق توازن يضمن حماية مصالحها، سيما في البحر المتوسط، في حالة تصدعت أو انهارت حكومة الوحدة الوطنية تحت الضغوط السياسية والعسكرية التي تفرضها الكتلة الشرقية عليها منذ أشهر. قبل بضعة أسابيع، حاولت الميليشيات التابعة لباشاغا غزو طرابلس بالقوة لتعيينه على رأس حكومة جديدة، مما جدد الخوف من خطر اندلاع حرب أهلية جديدة، في أي لحظة.

لقد تحدث الرئيس التركي بوضوح، في اجتماعه مع عقيلة صالح وعبد الله اللافي، عن رفض تركيا تشكيل حكومة جديدة في ليبيا وبالتالي إطالة المرحلة الانتقالية لأجل غير معلوم، وهو موقف يتفق عليه أغلب الأطراف الدوليين، بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. حتى الأطراف الليبية التي حضرت الاجتماع في أنقرة، هي أيضاً اتفقت مع أهمية المضي قدماً في مسار الحل السياسي وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت ممكن، لكون ذلك هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الليبية المتجددة. لكن ما يزال موضع شك كبير إذا كان صالح ومعسكره على استعداد لتفعيل كلماتهم هذه على أرض الواقع، وتنحية مصالحهم الشخصية الضيقة من أجل مستقبل أفضل للشعب الليبي، الذي ضج ألماً من الصراعات التي لا تنتهي بين أطراف الطبقة السياسية في شرق البلاد وغربها.

ليفانت - داليا زيادة 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!