الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
هل الهجوم على دهوك من مخرجات قمة طهران؟
عبد الناصر الحسين

حدثت في المنطقة مؤخراً قمَّتان: قمة جدة وقمة طهران. وفقاً للمراقبين فإن القمة الأولى نجحت نجاحاً باهراً بكل المعايير، السياسية والإعلامية والتقنية والإدارية، فقد أسست لمرحلة جديدة تختلف عن العهد الغابر، فاليوم صارت الأمور أكثر جدية ولا مكان فيها للخطأ أو القرارات غير المحسوبة، ولا مجال فيها للمجاملات المكلفة، وربما تحدث البعض عن سياسة عربية جديدة «هات ما ينفعنا قبل أن تأخذ ما ينفعك».

قمة جدة كرست حقيقة أن على أمريكا أن تحتوي الخطر الإيراني بالضغط والإجبار، قبل أن تطلب أمريكا من العرب أن يهندسوا علاقاتهم الدولية وفقاً للمزاج الأمريكي. وقبل أن تطالب أمريكا دول الخليج بضخ مزيد من البترول لإنقاذ سوق الطاقة الغربي.

ثم جاءت قمة طهران الكيدية، حيث شعر حجاج القمة «روسيا وتركيا وإيران» بالعزلة الدولية وخطر التفكك والانهيار، فبادروا يلملمون أجزاءهم المبعثرة، ليشكلوا تحالفاً أكثر صلابة من ذي قبل.

روسيا تحضر القمة ولا همَّ لديها سوى الحرب في أوكرانيا، فالقضية الأوكرانية قضية وجودية بالنسبة للروس، بينما تُعتبر سوريا قضية استراتيجية بالنسبة لطهران وأنقرة، فكل منهما له مطامع في سوريا وقد عملا لسنوات من أجل تحقيقها.

روسيا طلبت دعماً تركياً وإيرانياً من الدولتين، فهي تحتاج للمسيَّرات الإيرانية، ودعم بالجنود إذا لزم الأمر، وتحتاج من تركيا لمواقف مهمة فيما يتعلق بانضمام دول بعينها إلى حلف الناتو، وتسهيل عبور السفن الروسية عبر الممرات المائية التابعة لتركيا.

إيران غير قادرة على تقديم الدعم للحليف الروسي، فالإيرانيون بصدد طرح أي ورقة استرضاء لا إغضاب لأمريكا وإسرائيل، وهم يخوضون غمار محادثات مصيرية حول الملف النووي، ولم تعد الأمور تحتمل انغلاقاً جديداً في المحادثات لأن اليد الإسرائيلية على الزناد، لتستهدف البرنامج النووي برمته.

وكذلك تركيا غير مستعدة لأي احتكاك مع دول الناتو من أجل روسيا، فهي عضو مهم في حلف شمال الأطلسي، من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا نشبت بسبب عزم أوكرانيا الدخول في الناتو.

باعتبار بوتين لم يفلح في إقناع أردوغان بدعم سياسات موسكو في شرق أوربا، فلن يقدِّم بوتين لتركيا دعماً في معركتها في شمال سوريا لإنجاز مشروع «المنطقة الآمنة»، أو «المنطقة الحلم» بالنسبة للأتراك، والأمر ذاته ينسحب على الموقف من طهران الساعية لإنجاز مشروع «التغيير الديمغرافي».

هذا يعني أن القمة فشلت فشلاً ذريعاً في الوصول إلى تفاهمات جديدة تساعد «مثلث أستانا» على مواجهة تحديات المرحلة القادمة، ولأن القمة كيديَّة في أصلها، فأصحابها حريصون على درء الشماتة بهم، فأصدروا بياناً ختامياً نسخوه نسخاً من إحدى ملتقيات أستانا السابقة.

في اليوم التالي للقمة الفاشلة يحدث هجوم صاروخي استهدف منتجعات سياحية بمحافظة دهوك العراقية، أدى إلى مقتل 9 أشخاص وإصابة 23 آخرين، فهل يمكن اعتبار ذلك الهجوم هو إحدى نتائج «قمة الخيبة» في طهران؟ ومن هو الطرف الذي خرج خائباً أكثر من غيره مما جعله ينفذ الهجوم الإرهابي؟

كل المؤشرات ترجح إقدام تركيا على هذا العمل الإرهابي، تركيا التي ملأت الفضاء ضجيجاً بالعملية العسكرية شمال سوريا لم تحتمل مزيداً من العقبات في وجه طموحات أردوغان «المتنكرز».

هي تركيا إذاً.. فحين وجدت الأبواب كلها مغلقة في استهداف أكراد سوريا توجهت لضرب أكراد العراق، والمهم في الأمر هو ضرب الأكراد.

بعد إدانة العراق الرسمي والشعبي لتركيا، وإدانة أمريكا لها، وتوجيه الإدانات من مصادر دولية كثيرة، هل تنجح أنقرة -التي تنفي ضلوعها في هذه الورطة- في إسقاط مسؤوليتها عن الهجوم الآثم أم إن الأمور ستزداد تعقيداً في السياسات التركية الطائشة التي سرعان ما تنعكس على «الليرة التركية» التي تشكو إلى الله أمرها من سياسات أردوغان؟
 

ليفانت - عبد الناصر الحسين
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!