الوضع المظلم
الخميس ٠٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • هجرة القلوب إلى المنافي                               

هجرة القلوب إلى المنافي                               
أسامة هنيدي

رصد العمل الدرامي السوري "هجرة القلوب إلى القلوب" إنتاج عام 1990 من كتابة عبد النبي حجازي وإخراج هيثم حقي، واقعاً اجتماعياً عاشته قرية سورية في النصف الأول من القرن العشرين، وأشار مواربة إلى فئة اجتماعية مثلتها مجموعة أشخاص تشبعوا بثقافة المستعمر الفرنسي حتى بعد خروجه من سوريا وأظهر شكلاً من أشكال تلاحم المجتمع السوري في مجابهة الاستبداد رغم وجود صراع حضري بدوي في حبكة العمل.

ولعلّ ما يلفت في هذا العنوان وذكاء اختياره هو أنه يذكّر من جهة بالواقع المأساوي الذي يعيشه السوري اليوم، ومن جهة ثانية تلك التعقيدات التي شابت الصراع بين السوريين وعلى أسس جديدة اليوم بعد آذار 2011.

ذلك أن السوري الذي وقع تحت فترات احتلال خارجي ولو طالت مدته، كالاحتلال العثماني، كان سباقاً في اجتراح استقلاله حين هاجرت القلوب إلى القلوب والسواعد على رفع العلم الوطني في دمشق عام 1916 عشية الثورة العربية الكبرى.

وحين دخل الخارج على هيئة فرنسي هاجرت القلوب إلى القلوب منذ اللحظات الأولى التي سقط فيها وزير حربية البلاد الشامخ يوسف العظمة على هضاب ميسلون، وعلى الرغم من ارتزاق فئة من السوريين للخارج الفرنسي خلال فترة انتدابه لسوريا، إلا أنّ نفس القلوب عادت لتأتلف تحت قيادة الزعيم الوطني سلطان الأطرش تحت عنوان وحيد، وهو تحرير البلاد من المستعمر.

نفس القلوب، ولكن هذه المرة عادت لتخرج من نطاق سوريتها لتدافع عن فلسطين بما عرف بحرب الإنقاذ عام 1948 والتي وإن فشلت في تحقيق هدفها لأسباب عديدة إلا أنها سجلت موقف الضمائر الحية لأولئك الشجعان الذين التحقوا بجيش الإنقاذ والذين سقط منهم، حسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، 333 من سوريا وحدها، ومن مختلف الأديان والطوائف.

وعلى الرغم من الظروف التي أعقبت كل تلك الأحداث والصعود الدموي للديكتاتوريات العسكرية في الوطن العربي إلا أن القلوب عادت وشدت من عزيمة انكسارها بعد نكسة حزيران، وأبلى المغربي والعراقي والسوري والمصري والسعودي بلاء حسناً رغم النتائج العسكرية الكارثية لحرب أكتوبر 1973.

وكي لا يكون الكلام عاطفياً ويحمل شحنة أيديولوجية قومية ولا نوستالجيا ثورية لا طائل من استرجاع حيثياتها، لا بد فقط أن يسأل العرب، ومنهم السوريون على وجه الخصوص، أنفسهم، جملة من الأسئلة رغم قساوة ما مر عليهم في السنوات العشر الأخيرة، وبالإجابة على تلك الأسئلة بوقفة جريئة مع الذات ربما تكون العبر ومن ثم الشعور بالمشكلة، على طريق إيجاد حلول ما لها.

وعلى طريقة العقل الفلسفي الذي يشرّع أسئلته بوجه الوقائع ويبحث في صلب الممكنات، ربما نسأل تلك الأسئلة التي تخرج عن كونها ترفاً وتنظيراً، سيما وأن موس الجوع قد وصل إلى رقاب العباد وخنجر الطائفية المسموم متأهب للطعن عند استلاله غب الطلب وكارثة طوابير الشباب المهاجر أمام مكاتب الجوازات التي تدمي القلوب، أقول بعد كل ذلك سائلاً كل المعنيين بالشأن العام السوري، وفي مختلف مناطقهم، ماذا أنتم فاعلون لاستعادة الوحدة الاجتماعية تجاه كل تلك الأخطار القاتلة؟ وهنا بالطبع لا أعني أطراف السلطة، لأنهم ببساطة أشخاص تنفيذيون لسياسات مرسومة مسبقاً ولا يعول على فاعليتهم في مسألة اجتماعية بحتة.

هل سننتظر ما سيفرزه الخارج؟ ربما بعد مدة طويلة، عقب الخراب الكلي للداخل، حينها لن يكون هنالك من متسع للعمل لأن حجم الكارثة ستكون أعقد من أن تحل، ألم يحن، وخاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الخانقة، أن تبدأ القوى الاجتماعية، القيام بأدوارها بشكل مختلف وآليات مختلفة عن تلك التي سادت في السنوات الماضية، والتي على الرغم من تحقيقها بعض التهدئة في بعض الملفات إلا أنّها ظلّت عاجزة عن التأسيس لحالة جامعة وبذرائع ومبررات مغرقة في تقليديتها في كثير من الهياكل، وخاصة منها تلك الذي ينوس خطابها بين التقية السياسية والعمل المجتمعي، فلا أفلحت في الأول ولا طورت من آلياتها في الثاني؟

هل سنشهد من كل الجهود المخلصة والوفية لقيم المواطنة في مجتمعاتنا رؤية مختلفة للوقائع بعيداً عن الاستقطابات السياسية التي لا تقدم ولا تؤخر بل تزيد الطين بلة في الحالة السورية، جهوداً مكثفة ومتدرجة يقوم عليها قادة مجتمعيون جدد برؤى جديدة وذهنية مختلفة في العمل المجتمعي تعيد التلاحم المجتمعي أقله بنظام الدوائر الصغرى حتى تهاجر القلوب مرة أخرى إلى القلوب وليس إلى المنافي؟            

 

                              

ليفانت - أسامة هنيدي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!