الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
نور الدين الطبوبي وقيس سعيد.. من يذهب للآخر أولاً؟
 رامي شفيق

جاءت انتخابات الاتحاد العام التونسي للشغل في دورته الخامسة والعشرين وسط أزمة سياسية متصاعدة وغير مسبوقة تشهدها تونس، حيث استمرار ذلك الصراع المحتدم بين الرئيس قيس سعيد وحركة النهضة، على خلفية قرارات الأول، في 25 يوليو/ تموز العام الماضي، وتجميد عمل البرلمان ثم حل الحكومة، وتطوراتها مؤخراً متمثلة في جملة القرارات التي لحقت بالمجلس الأعلى للقضاء لتصفية نفوذ الإخوان واستعادة استقلاليته دون محاولات تسييس العدالة.

بدا للجميع أن إعادة انتخاب الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، ورفاقه، من قائمة الاستقلالية والوحدة، تبعث بسؤال عميق وملح بخصوص مسار تجاوز التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خاصة أن البلاد تشهد أزمة مركبة في وضعيتها الاقتصادية والمالية، ما يفرض تحديات بنيوية على كافة الأطراف بنفس القدر والأهمية، لارتباط تلك التحديات بمركزية واجباتهم ودورهم الرئيس في ذهنية الشعب.

تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في تونس فرض نفسه خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في ظلّ التحديات التي فرضتها جائحة كورونا، الأمر الذي جعلها حالة قائمة على طاولة صندوق النقد الدولي، بما يمليه من شروط وإملاءات، تتعلق بالدعم وأسعار الطاقة والمواد الغذائية وكتلة الموظفين في دولاب الدولة وتخفيض الأجور وحجم القطاع الخاص.

تبدو رؤية صندوق النقد الدولي التي يسعى نحو فرضها على العديد من الدول، خاصة بعد فتراتها الانتقالية، معقدة في الحالة التونسية لدرجة كبيرة، إذ يبدو الأمر نفقاً مظلماً ويكشف عن مسار انسدادي لا طاقة أمل فيه؛ فالرئيس بما يملكه من شعبية بين المواطنين بعد إجراءاته الدستورية، صيف العام الماضي، يعرض نفسه لغضب المواطن جرّاء تلك القرارات الاقتصادية التي ستضغط على حياته وقدرته على الوفاء بمتطلباته اليومية.

ومن جهة ثانية، يصعب على الاتحاد العام التونسي للشغل أن يمرر موافقة ودعم الرئيس على تلك القرارات إذا ما فرضت الظروف الحالية على قيس سعيد أن يتخذ بعضاً من القرارات الصعبة لارتباط الاتحاد بطاقة بشرية من العمال والنقابيين في مختلف الجهات تبلغ نحو مليون مواطن تونسي، هم يمثلون القيمة الحقيقية للاتحاد ويعكسون ثقله في الفضاء العام للبلاد، لا سيما أن الحضور السياسي للاتحاد يعتمد في الأساس على قدرته نحو تحريك الشارع عبر أنحاء البلاد، ومن خلال عديد القطاعات المهنية، الأمر الذي يضع علاقة الاتحاد بمكوناته أمام سؤال صعب حول الهوية التي تجمع الاتحاد بممثليه.

فضلاً عن ذلك، ثمة خلاف في مسار العلاقة التي تجمع الرئيس بالاتحاد بعدما وافق الأخير ودعم قرارت الأول، في الخامس والعشرين من يوليو الفائت. بيد أن الاتحاد لا يدعم الرئيس في توجهاته الفردية نحو استكمال المسار السياسي، بينما يرى أن هناك ضرورة حتمية للحوار وأنه لا يمكن استبدال ذلك بالاستشارة الإلكترونية التي أطلقها سعيد.

ينبغي النظر إلى تلك الإشكالية في علاقة الاتحاد بالرئيس، خاصة مع إعادة إنتاج ذات الأمين العام (نور الدين الطبوبي) من خلال زاويتين أساسيتين ترتبطان ببعضهما ارتباطاً لا فكاك منه في وجهة نظر المؤسستين؛ الأولى، سياسية تتعلق بوضعية مسار البلاد سياسياً، وشكل وصياغة ملامح الدستور، الذي ينوي الرئيس أن يصيغه ويدخل به الانتخابات الرئاسية القادمة، والثانية، اقتصادية تتعلق بطرق معالجة التدهور الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم، وقبول شروط إتاحة قرض ثالث من صندوق النقد الدولي.

قراءة ما يجري على وقع الأحداث وتطورها، ينبغي أن يميل نحو أن ثمة إدارة للأزمة من كلا الطرفين بما يملكه من أدوات تجاه الآخر، إذ يدرك الرئيس أن له متطلبات في صياغته للدستور تمنحه صلاحيات واسعة في إدارة البلاد، وفرض رؤيته على مجمل الأحداث دون مشاركة للمكونات السياسية في البلاد، الأمر الذي يرفضه الاتحاد، ومثّل نقطة خلاف مركزية مع الرئيس بعد 25 يوليو الفائت، الأمر الذي أعلن عنه الاتحاد صراحة في ختام مؤتمره الانتخابي حين دعا الأخير الرئيس إلى حوار، بغية تنفيذ الإصلاحات السياسية بما فيها تعديل الدستور، وعدّ الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها الرئيس بأن لا يمكن بأي حال أن تعوض الحوار المشترك.

إلى ذلك، قد يبدو أن تحقق الحوار بين الرئاسة والاتحاد يمثل ممراً آمناً للطرفين نحو تحقق أهدافهما في تمرير القرارات السياسية والاقتصادية، إذ ينبغي على سعيد أن يشارك الاتحاد في قراراته ورؤيته لصياغة الدستور، وعلى الاتحاد أن يساهم ويساعد في تمرير قرارت صندوق النقد الدولي، ويدعم الرئيس في تداعيات تلك القرارات سياسياً واجتماعياً.

طرف ثالث هو حركة النهضة والتي تترقب العلاقة بين الاتحاد والرئيس ومؤشراتها، إذ تدرك أنها خارج المعادلة السياسية ولا تتمثل في أي أفق قادم يتأسس على مرتكزات المسار السياسي. كما تعرف النهضة يقيناً أن كلا المؤسستين ترفضان أي تمثيل لحضورها ويربطون ما آلت إليه الأمور بما اقترفته خلال العشرية السوداء والدموية الأخيرة، غير أنها "أي النهضة" تتربص طريق التناقضات ومساراتها لتصنع مخرجاً، أي مخرج، يتيح لها مساحة حركة في المستقبل القريب وترتيباته.

رغم أن سيناريو عدم الوفاق بين الاتحاد والرئيس مطروح نظرياً وعملياً لارتباك الأهداف وتشدد كل طرف بمتطلباته، غير أن الاتحاد الذي أنجز استحقاقه الانتخابي وأتمه، صباح التاسع عشر من شهر شباط / فبراير الجاري، يرى أنه الأكثر خفة في ميزان المعادلة التفاوضية مع الرئيس التونسي الذي يمثل، كونه الرئيس المسؤول الأول عن البلاد، ثقلاً على كاهله، وبالتالي، تبدو حركة النهضة في حالة تأهب لذلك السيناريو حتى تستفيد من أجوائه وما يفرضه هذا السيناريو من بعث لحركتها في الشارع وبين المواطنين، إلا أن ذلك السيناريو تواجهه عقبات كثيرة، من أبرزها أن الاتحاد والرئيس يتفقان على نقطة واحدة هو الخلاف استراتيجياً مع حركة النهضة، وأن الأخير يمثّل في نظر الطرفين المتهم الرئيس والنهائي على ما آلت إلى وضعية البلاد سياسياً وما ترتب عليها اقتصادياً واجتماعياً.

ويتعين تمعن الوضع بالمحصلة في تونس على تخوم الانسداد السياسي والانهيار المالي، فلا سبيل لتجاوز ذلك سوى بإيجاد مقاربة آمنة بين الاتحاد ومؤسسة الرئاسة، بين نور الدين الطبوبي، الأمين العام المنتخب حديثاً في دورة جديدة، والرئيس قيس سعيد، الذي يقترب من دخوله الاستحقاق الانتخابي على فترة رئاسية جديدة. وبالتالي فالسيناريو المرجح والمنطقي هو أن يستفيد الرئيس من شرعية الاتحاد التونسي للشغل وذخيرته الانتخابية وقدرته على التأثير بين المواطنين ورصيده الحي في ذهنية التونسيين.

 

ليفانت - رامي شفيق

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!