الوضع المظلم
الجمعة ٢٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • نحو الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية الوطنية العظمى

  • الجذور – الشرارات – الانفجار
نحو الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية الوطنية العظمى
وسيم أبازيد

الثورة بمفهومها وتعريفها، هي التغيير القسري المفاجئ والسريع لتحطيم استمرار الأحوال القائمة في المجتمع وذلك بإعادة هدم وبناء النظام بناءً جذرياً. وللثورة بالمفهوم التقليدي، شروط يجب تحققها، لتصبح ناجزة وقادرة على تحقيق مطالبها وأهدافها، أهمها:

- نضوج الظروف الموضوعية والذاتية لانطلاق الثورة. 

- تراكم الاحتجاجات والهبّات والانتفاضات، التي تحقق التدرّج في المطالب وصولاً لسقفها (الثوري).  

- تحديد الهدف القابل للتحقيق، والمشروع الواضح.

- وجود طليعة ثورية تقود الثورة.

- توافر عوامل حماية الثورة.

ولنجاح الثورة تماماً، لا بد من توافر كل الشروط، دون استثناء أي منها.

وبالنظر للثورة السورية، نرى تحقق بعض شروطها، وعدم وجود طليعة ثورية، وغياب عوامل حمايتها، وكذلك ضبابية الهدف، وتشظّي القوى الثورية المساهمة فيها. ونرى أن الظروف الذاتية والموضوعية كانت قد نضجت تماماً، وتمثّلت بحالة اليأس الشعبي العام من إمكانية إصلاح النظام، والتخلص من الفساد والاستبداد عن طريق التغيير السلمي الديمقراطي المتدرّج، وتمثّلت بدافعة تتالي الثورات التي نجحت في إسقاط أنظمة قريبة من طبيعة النظام السوري، كتونس ومصر وليبيا واليمن.

وبمناسبة الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية، نتحدّث عن الشرط الثاني، وهو تراكم الاحتجاجات والهبّات والانتفاضات، التي تحقق التدرّج في المطالب وصولاً لسقفها (الثوري)، والانفجار العظيم في درعا، يوم 18 آذار 2011.

الجذور

لا نبالغ إن قلنا إن جذور الثورة السورية الحاليّة تمتد من 8 آذار 1963، حيث استولى حزب البعث منفرداً على السلطة في سوريا، واستولى معها على كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية، وعانت سوريا في هذه المرحلة حتى من الصراعات داخل الحزب نفسه، والتي تجلّت بالصراع الأساسي بين العسكر، والقيادات الحزبية المدنية، والذي انتصر فيه العسكر في 23 شباط 1966، وما تلا ذلك من صراع على السلطة بين العسكر أنفسهم، تُوّج فيه حافظ الأسد في تشرين الأول 1970، والذي تخلّص بعدها حتى من حلفائه، مركّزاً السلطة أكثر في يده وحده.

في هذه المرحلة بالذات، قامت الحركات الاحتجاجية الأولى الرافضة للاستبداد البعثي المحمي بقوة الجيش، اذ جرت أحداث حماة الأولى عام 1964، واعتصام شباب حماة في جامع السلطان، الذي انتهى بقصف الجامع، وقتل واعتقال كل من فيه، وبعده جرى اعتصام عام 1965 في الجامع الأموي، أدّى الى اقتحام الجامع الأموي واعتقال المئات من الشباب الدمشقي المتنوّر، ومن ثم الاحتجاجات العفوية التي قامت في نيسان 1967، بسبب مقالة تطاولت على الذات الإلهية، وكان من الممكن أن تكون الثورة الأولى وقتها، لولا أنها قمعت بنفس الوحشية المعهودة من قبل النظام، ثم توالت الأحداث في سوريا، وبرز عداء البعث لأي حركة وطنية ناشئة أو عريقة، وخصوصاً ممن لم يقبلوا بالانضمام إلى الجبهة الوطنية التقدمية، التي انضوى فيها (قيادات أحزاب) تحت جناح البعث، وقبلوا أن يكونوا تُبَّعاً لحافظ الأسد مباشرة.

ثم جاء الاستفتاء على الدستور في عام 1973 وقامت ما يعرف بـ انتفاضة الدستور، وكان عمادها طلاب الجامعات من الشباب من كل التيارات، فما كان من نظام الأسد الوحشي إلا أن شنّ حملة واسعة على كل من يمت للمعارضة بصلة، بعد قمع الانتفاضة بوحشية واعتقال الآلاف.

وفي عام 1979، تأسس التجمع الوطني الديمقراطي، الذي ضم الأحزاب المعارضة المحظورة، والشخصيات الوطنية المنشقة عن الأحزاب التابعة للسلطة، ووضع برنامجاً سياسياً شاملاً، يهدف إلى ما تصبو إليه الثورة السورية الآن، ونصّ حرفياً على:

إرساء دولة الحق والقانون، تصون حرية الفرد، وحقوق الإنسان، وتكفل الحقوق المدنية والحريات الأساسية لجميع المواطنين على قدم المساواة، وتمهد السبيل إلى نظام ديمقراطي يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

دولة ذات بنية ديمقراطية تقوم على مبدأ سيادة الشعب ووحدة المجتمع، وتعمل على ترسيخ حرية البلاد وتحرير المحتل منها ووضعها على طريق التقدم والازدهار.

وطوال هذه الفترة منذ استلام البعث، تعددت أشكال معارضة الحكم الاستبدادي الأسدي، الذي استولى على حزب البعث نفسه، وتجلّت أغلبها في نشاط جماعة الإخوان، من الاغتيالات السياسية لرموز النظام والأحزاب المتحالفة معه، إلى الهجوم على مدرسة المدفعية في حلب في حزيران 1979، إلى محاولة اغتيال حافظ الأسد في حزيران 1980، التي رد عليها النظام بإعدام حوالي الـ1000 معتقل في سجن تدمر، وإصدار القانون 49 في العام نفسه، الذي رد عليه الإخوان بمزيد من الاغتيالات، وتفجيرات الأزبكية وباصات النقل الداخلي، وتقوية ذراعهم العسكرية سراً، ونشاط خلاياه في حماة، الأمر الذي دفع النظام المجرم، للهجوم على أوكارهم هناك، في 2 شباط عام 1982، إلا أن الهجوم فشل، وقتل أكثر من 20 من كتائب الأسد، وأعلن الإخوان حماة مدينة محررة، وبدؤوا بتصفية رموز السلطة في المدينة، مما دفع النظام إلى تجهيز حملة على حماة للقضاء على الثورة الوليدة، الأمر الذي راح ضحيته أكثر من 40 ألف شهيد من سكان حماة الباسلة. (ما أشبه اليوم بذاك الأمس).

بعد حماة، طالت الاعتقالات والتنكيل كل فئات الشعب السوري في كل أنحاء سوريا، وشملت كل من يُشك بولائه للنظام، وأُخمدت حتى وقت طويل كل الأصوات المنتقدة للنظام، واستترت كل معارضة محتملة لحكم الأسد.

وبالمقابل، ازداد تركيز السلطة في يد الأسد وأقربائه وشركائه وأعوانه، وتحولت سوريا فعلياً إلى مزرعة لآل الأسد. واستشرى الفساد والرشوة والمحسوبيات، وأصبح شبه ثقافة سائدة، عزّزها نظام الأسد، وازداد نفوذ الأذرع الأمنية في تفاصيل حياة المواطن، وانتقل نشاط المعارضة إلى الحالة السريّة المطلقة، ولم تستطع الوصول إلى حالة الحشد الشعبي للترويج لأفكارها وأهدافها مهما كانت قريبة من طموحات الشعب، الذي اتّجه للحلول الفردية لمشاكله الحياتية اليومية.

استمر هذا الوضع حتى عام 2000، بوفاة حافظ الأسد، واستلام ابنه بشار الحكم، بتعديل دستوري على مقاسه، سكت عنه الشعب، آملاً في مرحلة جديدة يقودها الرئيس الطبيب الشاب، القادم من أوروبا، والذي بشّر بمفاصل برنامج إصلاحي يؤدي إلى انفتاح سياسي واقتصادي، وتحولات جذرية في بنية النظام والمجتمع.

لكن ثقل النظام القديم الذي لم يمت بموت مؤسّسه، كان معطِّلاً، لكل المزاعم والمحاولات التي جرت في هذا الاتجاه، إلا أن التحول الحقيقي الذي جرى، ولم يكن باستطاعة النظام إيقافه، هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي اجتاحت العالم، ومن ضمنه سوريا، التي لم تعد مغلقة تماماً على العالم، واستطاع الشباب الاطلاع على كل الأفكار وتداولها، وفتح حوارات وندوات، وحتى تشكيل أحزاب إلكترونية.

وعلى الأرض، بدأت الكثير من الشخصيات الوطنية، والمثقفين السوريين، الاجتماع علناً، وتشكيل المنتديات السياسية، والاقتصادية، والنوادي الثقافية، وحتى الأحزاب السياسية الجديدة، وكان النظام عاجزاً تماماً عن إيقاف مدّ الفكر التحرري الجديد الذي يجتاح المجتمع السوري، وبدا أن الشعب السوري بدأ بالنهوض، وأن أحداً لا يمكنه كبحه أو منعه من التقدّم نحو حمل الهم الوطني مجدداً.

تُوّجت حركة النشاط السياسي والفكري في سوريا خلال هذه المرحلة بتشكيل إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، والذي ضم شخصيات بارزة من المجتمع المدني والإسلاميين والليبراليين السوريين، وتدعو إلى إنهاء 35 عاماً من حكم أسرة الأسد لسوريا واستبدالها بنظام ديمقراطي، وتتضمن وثيقته الرئيسة على بنود أساسية ترسم خطوطاً عريضة لعملية التغيير الديمقراطي في سوريا، وكيفية إنهاء النظام الأمني الشمولي الذي سيطر على الشعب السوري وقدراته أكثر من أربعين عاماً.

وفي منحى آخر، نشطت منظمات إحياء المجتمع المدني، ونشط المدوّنون على شبكات التواصل الاجتماعي المتوفّرة، وكذلك المثقفون الوطنيون المستقلّون، والمنسحبون من الأحزاب التابعة للسلطة.

الشرارات :

بالعودة إلى الشرارات الأولى للثورة السورية، نشاهد الإشارات الأولية للانفجار الكبير، التي كانت كدخان بركان عظيم قبل انفجاره.

تجلّت هذه الإشارات، من خلال الحوارات المجتمعية التي بدأت بين المواطنين، والتي تعلقت بالثورات التي بدأت في الجوار العربي، بدءاً من تونس إلى مصر وليبيا واليمن، وتأييدها، والترويج لقيمها الأساسية المتمثلة بشعارات إسقاط النظام، ومحاكمة رموزه، والظفر بالحرية، واسترداد الكرامة، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن العدالة الاجتماعية وترسيخ المواطنة.

وكذلك توالت الدعوات على فيسبوك للخروج وتنظيم المظاهرات المطالبة بالإصلاح وتوسيع الهامش الديمقراطي، والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، وبالمقابل ازدادت وتيرة الاعتقالات للناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لتفادي وصول لهيب ثورات الربيع العربي إلى عرين الأسد. مما زاد بالتالي من حدة الاحتقان، ووفر البيئة الملائمة لاستجابة الشباب لدعوات التظاهر.

أولى الشرارات كانت، إقدام الشاب حسن علي العقلة من الحسكة على إحراق نفسه، اقتداء بالبوعزيزي، واحتجاجاً على البطالة والأوضاع المعيشية الخانقة التي كان يعانيها. وكان ذلك يوم 26\01\2011 .

في 03\02\2011، نُظَّم اعتصامان بالشموع للتضامن مع ثورة مصر، حيث نظم الاعتصام الأول بالشموع أمام مقر السفارة المصرية، بينما نظم الثاني في باب توما في دمشق القديمة، وتعرض النشطاء الذين شاركوا في هذا الاعتصام للضرب والاعتقال.

أولى الحملات المنظمة على فيسبوك، دعت الى التظاهر في 5 شباط، وسمّي "يوم الغضب"، لتكون أول دعوة علنية للثورة على النظام منذ عقود، ولم تجرِ يومها تحركات تذكر، إلا أن هذه الدعوة أحدثت توتراً كبيراً لدى الأمن والشارع، حيث أشعرت النظام أن وصول الثورة إلى سوريا ما هو إلا مسألة وقت.

الشرارة التالية كانت مظاهرة الحريقة في 17\02\2011، التي جرت بشكل تلقائي بعد اعتداء شرطي بالضرب على أحد أبناء أصحاب المحلات هناك، ويدعى عماد نسب، وانفضّت المظاهرة بحضور وزير الداخلية آنذاك.

بتاريخ 22\02\2011، نُظّم اعتصام بالشموع ، أمام السفارة الليبية، تضامناً مع ثورة الشعب الليبي ضد نظام القذافي.

الشرارة الكبرى حدثت بعد أن قام شباب من درعا بتاريخ 24\02\2011 بالكتابة على جدران بعض المدارس عبارات “الشعب يريد إسقاط النظام” و”إجاك الدور يا دكتور” و”ارحل”، قام على إثرها العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا، باعتقال مجموعة من الأطفال والشباب في يوم 27\02\2011، بتهمة كتابة شعارات معادية للدولة، مما فجّر غضباً شعبياً عارماً، تفاقم مع فشل كل محاولات الأهالي لإطلاق سراحهم.

شرارة أخرى في 12 آذار، لبى المئات من الأكراد والعرب في القامشلي الدعوة إلى إحياء يوم الشهيد الكردي، وألقيت فيه خطابات لاذعة للنظام لأول مرة، ولأول مرة أيضاً ألقيت كلمات باللغة الكردية، التي كانت محظورة، ولأول مرة لم تتدخل جحافل المخابرات والأمن لفضّ المهرجان.

استمرت الدعوات على فيسبوك للتظاهر ضد النظام، وأخذت تلقى تجاوباً من فئات أوسع، مع تزايد عربدة النظام، وتجاوزاته على كرامة الناس.

فكانت دعوة أخرى للتظاهر بيوم 15 آذار 2011، فتجمع الشباب في كل من دمشق ودرعا وحمص واللاذقية وأحياء الأكراد في حلب، إلا أن قلة العدد وكثافة الانتشار الأمني المذعور، منع المظاهرات من الخروج، إلا في دمشق، حيث تجمع العشرات في سوق الحميدية، وهتفوا بشعارات الحرية، لبعض الوقت، قبل أن تفض قوات الأمن المظاهرة بقسوة، وتعتقل العشرات من المتظاهرين.

في 16 آذار 2011، تجمع عشرات من أهالي المعتقلين السياسيين في سجون الأسد، أمام وزارة الداخلية في دمشق، يؤازرهم عدد من المثقفين الوطنيين، كطيب تيزيني، للمطالبة بالإفراج عن أقاربهم، فجوبهوا بالقمع، واعتقل أكثر من 32 شخصاً منهم.

الانفجار الكبير

من جديد دعت صفحات الثورة السورية على الإنترنت، إلى الخروج في مظاهرات ضد النظام، يوم الجمعة في 18 آذار 2011، تحت اسم "جمعة الكرامة"، لبى الدعوة الشباب الوطني المتحفّز في كل من دمشق وحمص وبانياس والرقة ودرعا، وكانت المظاهرات كيوم 15 آذار، عدد قليل، حشد النظام لقمعه مئات من عناصر الأمن في كل المدن السورية، ماعدا درعا، التي تميز فيها هذا اليوم بخروج الآلاف من المواطنين، الذين احتشدوا في ساحة الجامع العمري في درعا البلد، وهتفوا لأول مرة بشعارات "الله، سوريا، حرية وبس"، "بعد اليوم مافي خوف"، "حرية، حرية"، و"الشعب يريد إصلاح النظام".

وبعد عدة محاولات يائسة من محافظ درعا، فيصل كلثوم، لثني الشباب عن التظاهر، ووعوده الكاذبة بحل مشكلة الأطفال المعتقلين، وبعد أن صرخوا بوجهه "كذّابين، كذّابين" باللهجة الحورانية الصارمة، وبعد أن أفهموه أن الأمر تجاوز مشكلة بضع أطفال معتقلين، وصار قضية وطن مختطف ومسلوب، وكرامة مهدورة، وحرية مغتصبة، فرّ من أمامهم على دراجة نارية عابرة، ووصلت الرسالة جليّة لأسياده، الذين أمروا رجال الأمن بفتح النار على المتظاهرين، فسقط منهم أول شهداء الثورة السورية: ((حسام عياش ومحمود الجوابرة))، وجُرح العشرات.

ومن هنا تحديداً، من الساحة الأولى، ومن الدم الأول، انطلقت ثورة الكرامة السورية، التي تمتد جذورها إلى الصوت الرافض الأول لطغيان الاستبداد، واشتعلت جذوتها من الشرارات الأولى المتعاقبة، وشبّت نارها مع الانفجار العظيم.

 

وسيم أبازيد

ليفانت - وسيم أبازيد

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!