الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
“معلّقون” على حدود الوطن
النظام السوري

حامل أي جواز سفر غير سوري يدخل الحدود السورية بدون أي رسوم أو فيزا أو موافقة أمنية، بينما حامل جواز السفر السوري يحتاج (100) دولار حتى يستطيع الدخول إلى وطنه، هذه المائة دولار تسببت بوفاة الفتاة “زينب الإبراهيم، 17عاماً” أثناء محاولتها الدخول إلى بلدها متسللة عبر أحد الطرق الجبلية، حيث سقطت من سفح الجبل، وسجلت المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني التالي: “نقل عناصر من الدفاع المدني في تمام الساعة 17.45من تاريخ اليوم الواقع في5/9/2020، جثة فتاة في العقد الثاني من العمر من التابعية السورية إلى مستشفى الرئيس الهراوي الحكومي في زحلة بعد أن قضت في جبل عند نقطة المصنع الحدودية- البقاع”. حدود الوطن


وهكذا يتضح أنّ حاجة النظام السوري وحكومته العتيدة إلى (100) دولار, أكثر من حاجته إلى مواطنيه الذين يتعامل معهم كرعايا، وليس كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات كما جاء في الدستور السوري، إذ أصدرت الحكومة السورية القرار رقم (46 بتاريخ 8/7/2020 يلزم العائدين السوريين ومن في حكمهم صرف (100) دولار أمريكي بالعملة السورية حسب سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي قبل دخول الأراضي السورية. وهذا ما يتعارض مع المادة (38) من الدستور حيث تقول: “لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه، ولكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها”، كما تتعارض مع المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي لا يجيز احتجاز الإنسان أو نفيه خارج وطنه، وتنص المادة (13) من الإعلان أنّ “حق كل فرد التنقل بحريّة، وحق كل فرد في أن يغادر إلى أي بلد بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليه”، والمادة 12 (4) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.


وحسب المعلومات التي تداولتها صفحات التواصل الاجتماعي أنّ معظم الممنوعين من العودة عند نقطتي الحدود (العريضة) و(المصنع السوري، جديدة يابوس)، هم لاجئون سوريون ساءت أوضاعهم بعد تفجير الميناء بيروت إذ ضعفت فرص عملهم وإمكانية استمرار معيشتهم، بسبب الأزمة التي حلّت في لبنان، واستمرار الخطاب اللبناني العنصري والتمييزي ضد اللاجئين السوريين, والمطالبة بترحيلهم من الأراضي اللبنانية، وهؤلاء أغلبهم من العمال المياوميين الذين تقطعت بهم سبل تحصيل قوتهم اليومي مع توقف أشغالهم، وانضموا إلى (82%) من السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر كما أشار تقرير برنامج الغذاء العالمي، وتقرير للأمم المتحدة. حدود الوطن


إنّ القرار يوضح مدى استخفاف الحكومة السورية بمواطنيها ورغبتها في اقتناص أي مبلغ منه مهما كانت قيمته في العملة الصعبة “الدولار”، ورغم منعه من الدخول لأسواقها في التعامل إذ إنّ هناك مراسيم وقوانين حرمت التعاطي به وجرّمته جنائياً.


ولكي يزيد الطين بلة، عندما ظهر مدير إدارة الهجرة والجوازات في وزارة الداخلية، اللواء ناجي النمير، وتحدّث بكل وضوح أنّه لا عودة لمن لا يصرف المائة دولار، وأنّهم سوف يبقون عالقين حتى يأتي أحد ويصرف له المائة دولار بسعر البنك المركزي.


إنّ العنف الخطابي في إيصال فائض القوة يظهر عندما يؤكد المدير أنّ المواطن العالق يعيش على الحدود، “مكرماً ويمارس حياته الطبيعية من أكل وشرب والذهاب إلى الحمام في الخلاء الطبيعي”, فالتكريم الحاصل لا مثيل له في حياة السوريين وعلاقتهم مع الأجهزة في بلدهم. حدود الوطن


هذه الطريقة في الخطاب السلطوي تعوّد عليها الإنسان السوري منذ نعومة أظفاره في المؤسسات التعليمية السورية, التي ساعدته على تنفيذ كل قرارات الدولة احتراماً لهيبتها الموقرة، خصيصاً إذا كان القرار يعتدي على حقوق المواطن التي سنّها وحفظها له الدستور, ولكن في سوريا الآن من ينفذ الدستور؟


إنّ الدستور السوري على الرف لا يتذكره السوريون إلا في انتخابات مجلس الشعب (المعروفة نتائجه)، وفي استفتاء رئاسة الجمهورية، وهيهات يا دستور، ودستور من خاطرك يا دستور.


لكن عند الدول التي لا تحترم كيانها كدولة ولا تحترم دستورها تخرقه من أجل فرق التصريف وتكديس العملة الصعبة في يدها بعدما نضبت مصادر الدولار لديها, نجد فرض رسم دخول على الإنسان السوري عند دخوله لبلده، والذي لا يملك هذا الرسم يبقى على الحدود ممنوع الدخول.


إنّ النظام وحكومته يضعون العراقيل التعسفية التي تنتهك حق هؤلاء المواطنين في العودة إلى بلدهم، والقوانين الصادرة عن النظام السوري هي إجراءات قهرية تستند إلى التسلط وفائض القوة لديه معتمداً عليها لعرقلة عودة اللاجئين عبر فرض رسوم تعسفية، ويترافق ذلك مع عمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري للمطلوبين لديه. وتدخل هذه الموارد التي يحصل عليها بالقهر والاغتصاب لخدمة عملياته العسكرية والأمنية.


ويتضح من هذه المقدمات، أنّ اللاجئين السوريين في لبنان وكل أنحاء العالم، والنازحين داخل سوريا خارج مناطق سيطرة النظام مطالبون بعدم العودة إلى مناطق سيطرة النظام، لأنّ هذا النظام يريد اقتناص كل ما يستطيع اقتناصه من المواطنين السوريين العائدين، وهو يعمق التمييز في المواطنة بين السوريين، فهو يعتبر المواطن السوري هو من يستطيع أن يصرف (100) دولار بسعر البنك المركزي السوري، بينما الإنسان السوري الممنوع من الدخول إلى بلده لعدم امتلاكه (100) دولار، لا يتمتع بصفة المواطنة حسبما يؤشر مدير إدارة الهجرة والجوازات، وقرار الحكومة ووزير المالية السوري.


وهذا التميز المالي يتموضع مواطنياً وطبقياً، فالنظام المالك الشرعي لسوريا هو الذي يحدّد المواطنية السورية، وليس بطاقة الهوية ولا مكان الولادة ولا تاريخية المواطن السوري.


فالمواطن النجيب لدى النظام الآن هو من يصرف (100) دولار، والسوري غير النجيب الذي يبيت على الحدود ولا يستطيع الدخول، ولا يستطيع أهله أو أصدقاؤه مساعدته في تأمين (100) دولار.


إنّ الانتهاك الجديد الذي يقوم به النظام يضاف إليه قائمة الانتهاكات الطويلة ذات الفاعلية الممنهجة في العنف وفائض القوة، وكل ذلك يستدعي من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين شرح مخاطر العودة في ظل عدم توفر المبلغ المطلوب من كل لاجئ, وعمليات الاعتقال التي يمكن أن يتعرّض لها كل لاجئ عائد نتيجة معرفة صحيفته الأمنية لدى الأجهزة. حدود الوطن


ويضاف إلى ذلك رصد وتدوين الانتهاكات التي يتعرّض لها اللاجئون العائدون، وفضح أساليب الحكومة والنظام القائم في عمليات النهب المنظمة التي يجريها ويعطيها الشرعية عبر القوانين والمراسيم التي يصدرها من بوابة شرعية العنف والجريمة المنظمة.


إنّ الوضعية القائمة على الحدود تستدعي تدخل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وهيئة الخبراء المستقلين التي ترصد تنفيذ دولها الأطراف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومؤسسات حماية حقوق الإنسان مثل مجلس حقوق الإنسان ومجلس أوروبا، واللجنة الأوروبية للحقوق الاجتماعية، واللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب من أجل دفع مجلس الأمن والأمم المتحدة لبذل جهود حقيقية لتطبيق القرار 2254 ضمن جدول زمني محدد، (لا يتجاوز18شهراً)، الذي يمنح عودة آمنة طوعية وكريمة للمواطنين السوريين. فالحالة الراهنة على الحدود السورية- اللبنانية توضح مدى الحاجة إلى تشكيل لجنة دولية تشرف على عودة اللاجئين والنازحين إلى بلدهم، وتحدّ وتمنع حملات التضييق والعنصرية التي يتعرّض لها اللاجئون السوريون، التي تدفعهم للعودة وتعرّضهم لخطر الاعتقال والاختفاء القسري أو التعذيب حتى الموت.


ليفانت–  بسام سفر  


النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!