الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
بوتين على خطى الأسد.. غازات سامة في مُواجهة المعارضين
الأسد

خاص ليفانت


استخدمت روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، حق النقض المعروف بالفيتو، العديد من المرات في سبيل حماية النظام السوري من المساءلة، حتى عندما تعلق الأمر باستخدامه أسلحة غير تقليدية، كالكيماوي والغازات السامة، ضد معارضيه، والتي طالت مناطق وأحياء كاملة في محافظات سورية عدة، أبرزها ريف دمشق وإدلب.


ولعل المتابعين للشأن السوريين، سيكونون عقب ذلك، الأكثر تقبلاً للخبر المتداول مؤخراً حول تسميم معارض روسي بارز، عبر استخدام غاز سام، إذ سيستحضر هؤلاء غالباً تلميذه “الأسد” الذي ربما لقّن أستاذه الروسي بعض الدروس من قبيل “تبادل الخبرات”، في تصفية الخصوم.


غيبوبة ونقل إلى برلين


قالت موسكو إنّ صحة المعارض الروسي، أليكسي نافالني، تراجعت في 20 أغسطس الماضي، لينقل إلى مستشفى محلي في حالة غيبوبة، وفي 22 أغسطس، سمح الأطباء الروس بنقل نافالني إلى ألمانيا لمواصلة العلاج، وبعد يومين أعلن الأطباء في مستشفى “شاريتيه” الألماني عن العثور على أدلة تثبت أنّ المعارض تعرض للتسميم.


وهو ما ذهبت إليه برلين، في الثاني من سبتمبر، عندما قالت إنّ المعارض الروسي سُمم باستعمال مادة “نوفيتشوك”، التي سبق أن تصدّر اسمها عناوين وسائل الإعلام في العام 2018، عندما اتهمت السلطات البريطانية الاستخبارات الروسية باستخدامها لتسميم الجاسوس السابق، سيرغي سكريبال، وابنته يوليا، في مدينة سولزبوري، فيما تعني “نوفيتشوك” “الوافد الجديد” باللغة الروسية، وتنطبق على مجموعة من غازات الأعصاب المتقدمة التي تم تطويرها في الاتحاد السوفيتي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.


فأكدت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، الاتهام، وقالت إنّ نافالني وقع ضحية لمحاولة اغتياله بغاز الأعصاب “نوفيتشوك”، وأضافت أنّه يتعين على روسيا الرد “على الأسئلة الصعبة” المتعلقة بالاعتداء عليه، وتابعت: “هذه معلومات مقلقة، جريمة قتل مدبّرة لتسميم شخصية معارضة روسية بارزة”.


ليردّ المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بالقول إنّ الأطباء الروس أجروا لـ”نافالني” كافة التحاليل الطبية اللازمة قبل نقله إلى ألمانيا، وأنّه لم يتم الكشف عن أي سموم في جسمه، فيما حاولت الخارجية الروسية اللعب على القضية، من خلال إشارتها إلى عدم استبعاد أن تكون التصريحات الألمانية عن نافالني هادفةً إلى “تبرير إجراءات معدّة مسبقاً ضد روسيا”.


مواقف أوروبية متواكبة ومنددة


لكن الاتهام الألماني كان كافياً لتتوالى الإدانات من الأطراف الغربية، بشكل متتابع، فوجّه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أصابع الاتهام إلى موسكو، مؤكداً أنّ بلاده ستعمل مع شركائها الدوليين من أجل تحقيق العدالة، مغرداً على حسابه في “تويتر”، بالقول: “من المشين استخدام سلاح كيميائي ضد أليكسي نافالني، لقد رأينا بعيوننا العواقب المميتة لنوفيتشوك في المملكة المتحدة”، وأضاف: “والآن، على الحكومة الروسية شرح ما حدث للسيد نافالني، سنعمل مع الشركاء الدوليين لضمان تحقيق العدالة”.


أما وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، فقد أدان محاولة اغتيال المعارض الروسي، وقال: “لقد فزعت من الأخبار التي نشرتها السلطات الألمانية والتي تؤكد استخدام غاز أعصاب في روسيا ينتمي لفصيلة “نوفيتشوك” لتسميم السيد أليكسي نافالني”، وتابع: “أريد أن أدين بأشدّ العبارات الاستخدام الصادم وغير المسؤول لمثل هذا الغاز”.


بينما أعلن المجلس الأمريكي للأمن القومي، أنّ البيت الأبيض يعتبر تسميم المعارض الروسي، أليكسي نافالني، “مداناً تماماً”، وفي تغريدة نشرها على صفحته في “تويتر”، ذكر المجلس أنّ موسكو “قد لجأت في السابق إلى مادة “نوفيتشوك”، مضيفاً أنّ الولايات المتحدة “سوف تتعاون مع حلفائها ومع المجتمع الدولي كي يتحمل الذين ارتكبوا هذه الجريمة في روسيا مسؤولياتهم، بصرف النظر عن المستوى الذي ستقود الأدلة إليه، ومن أجل وضع حدّ لأنشطتهم الشريرة”.


بوتين قد يكون ضالعاً


وفي إشارة ضمنية إلى رأس الهرم الروسي، قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في العاشر من سبتمبر الجاري، إنّ هناك إمكانية قوية لأن يكون “تسميم” المعارض الروسي، أليكسي نافالني، قد أتى بأمر من كبار المسؤولين في روسيا، وذكر بومبيو: “أعتقد أنّ الناس في جميع أنحاء العالم يرون هذا النوع من الأنشطة على حقيقتها، وعندما يرون محاولة تسميم أحد المعارضين، ويدركون أنّ هناك احتمالاً كبيراً لأن يكون ذلك في الواقع قد جاء من كبار المسؤولين الروس، أعتقد أنّ ذلك ليس جيداً للشعب الروسي”.


فيما ذكرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية، في الحادي عشر من سبتمبر، نقلاً عن مصادر استخباراتية، أنّ المعارض الروسي نافالني تعرض للتسميم بمادة أشد خطورة من “نوفيتشوك”، لافتةً إلى تحميل الاستخبارات الألمانية، مسؤولية التسميم لـ”الاستخبارات الروسية”، وقالت المجلة إنّ رئيس وكالة المخابرات الفدرالية الألمانية، برونو كال، قال خلال اجتماع مغلق الأسبوع الماضي، إنّ النوع من “نوفيتشوك” الذي سمم به نافالني أشدّ خطورة من الأنواع المعروفة حتى الآن من مادة الأعصاب هذه.


وهي اتهامات دفعت رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، للدعوة إلى تبني آلية عقوبات أوروبية تحمل اسم الناشط الروسي، أليكسي نافالني، على غرار “قانون ماغنيتسكي” في الولايات المتحدة، وذلك خلال كلمة ألقاها أمام نواب البرلمان الأوروبي، ليؤيد الأخير، في السابع عشر من سبتمبر، ذلك النداء، حين طالب البرلمان الأوروبي بإعادة النظر في علاقات الدول الأوربية مع موسكو، و”مواصلة عزلها” على خلفية ما حدث لـ”نافالني”.


ورغم أنّها قضية إنسانية في بعدها الأول، ومتعلقة بحرية التعبير ووجود معارضة في أي دولة، بيد أنّه من غير الممكن في طبيعة الحال إنكار بعدها السياسي على المنقلب الآخر، فالتعاطي الغربي الصاخب مع قضية نافالني، قابله فتور أمام مجازر طالت عشرات الأرواح البريئة في مواقع أخرى من العالم.


والأكيد أنّ الجانب الأمريكي لن يوفر جهداً في سبيل استغلال القضية، بغية إفشال أو تعطيل مشروع السيل الشمالي 2، الرامي لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وهو ما دعا إليه ترامب، في السابع من سبتمبر، بغية إلغاء تنفيذه، كما أنّ الجانب الأوروبي ذاته، قد لا يتوانى عن تفعيل عقوبات أكبر على موسكو، للاستحواذ على تنازلات في قضايا أخرى كـ”أوكرانيا أو بيلاروسيا” أو غيرهما، فـ”نافالني” فرصة ذهبية لن تهدرها أي من بروكسل أو واشنطن لكسب أكبر قدر من النقاط على حساب موسكو، “ما استطاعت”.


 

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!