الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
مشروع الشام الجديد.. الجغرافيا الاقتصادية
خالد الزعتر
يمر النظام الدولي بحالة من المتغيرات باتجاه التعددية القطبية بعد أن أصبحت الجغرافيا الاقتصادية هي المحرّك الرئيس في أدوات النظام الدولي والعلاقات الدولية، وهو ما يعني أن دولاً، مثل الصين واليابان والهند، القوى الاقتصادية الصاعدة، سيكون لها دور مهم ومركزي في القيادة العالمية، وهو ما يعني تراجع القوة الأمريكية، التي اعتمدت في تعزيز هيمنتها ما بعد انتهاء الحرب الباردة على أدوات الجغرافيا العسكرية، وبما أنّ النظام الإقليمي يؤثر ويتأثر بالتطورات الدولية، فإنّ هذه المتغيرات التي يشهدها شكل النظام الدولي، والأدوات المؤثر فيه والمحركة له، والتي ساهمت في تغيير شكل الدول القائدة فيه، لا شك أنه سوف يمتد تأثيره على المنطقة العربية.

 

فهذه التغييرات التي يشهدها النظام الدولي وأدواته، أبرزت بلا شك أهمية أدوات الجغرافيا الاقتصادية في إعادة ترتيب الخارطة العربية والعلاقات داخل النظام العربي، ومن هنا تأتي أهمية القوة الاقتصادية في إعادة رسم خارطة الطريق الإقليمية بعد أن ظلّت لعدة عقود تعيش داخل تأثيرات الهاجس الأمني الذي كان القاعدة الرئيسة لرسم السياسات العربية والمحرك الرئيس للعلاقات العربية – العربية، ومن هنا تبرز أهمية التحركات المصرية، في الآونة الأخيرة، تجاه الأردن والعراق، والتي كان عنوانها الرئيس هو "العلاقات الاقتصادية"، وهو ما يؤكد أن مصر تسعى إلى إعادة بناء علاقاتها على أساس أدوات الجغرافيا الاقتصادية، ما يعزّز أهمية "مشروع الشام الجديد" الذي تقوده مصر، وتلعب العراق والأردن الدور المركزي فيه.

مشروع الشام الجديد يحمل معه الكثير من التأثيرات على مستقبل المنطقة، ولذلك فهو يرقى لأن يكون خارطة طريق جديدة للعلاقات العربية – العربية، القائمة على المصالح الاقتصادية المشتركة، حيث سيساهم هذا المشروع في الربط البري بين الدول الثلاث (العراق ومصر والأردن)، وبالتالي حلحلة الكثير من الأزمات الاقتصادية، وبخاصة التي يعاني منها العراق، والتي قادت إلى تردّي جودة الخدمات الأساسية، وبخاصة في مجال الكهرباء، حيث سيسعى العراق إلى الاستفادة من فائض الكهرباء المصري، وأيضاً سوف يلعب النفط العراقي دوراً مهماً في تعزيز موقع مصر كمحطة لتكرير البترول وتصديره نحو الدول الأوروبية والاستفادة من الأيدي العاملة المصرية، ولاشك أنّ الأردن الذي يتمتع بموقع استراتيجي، كحلقة وصل بين العراق ومصر، سيكون لذلك المشروع دور مهم في معالجة أزماته الاقتصادية، وأيضاً هذا المشروع سوف يعطي للشركات المصرية والأردنية مكانة مهمة في المشاريع التي تستهدف إعادة إعمار العراق.

ولذلك فإنّ مشروع "الشام الجديد" يعيد بناء العلاقات العربية – العربية على أساس الأدوات الاقتصادية، وخطوة كهذه لاشك أنها سوف تدفع العراق إلى استعادة موقعه في المنظومة العربية، خاصة وأنّ العراق يمتلك ثروات اقتصادية، ولكن العقلية السياسية التي كانت تقود العراق أعطت أهمية للسياسات الطائفية على حساب الاستفادة من موقع العراق الجغرافي والاستفادة من قوته الاقتصادية.

يعد "مشروع الشام الجديد" خطوة مهمة في طريق تحقيق التكامل الاقتصادي، وبالتالي فإن نجاح هذا المشروع سوف يساهم في إنعاش الآمال العربية باتجاه ولادة نواة حقيقية لمشاريع التكامل العربي التي ظلّت حبيسة الأدراج ومجرد جملة في الخطاب السياسي العربي لم تجد طريقها نحو التنفيذ على الأرض، ولذلك فإنّ القدرة السياسية والاقتصادية لمصر على تحقيق هذا المشروع وإذابة المعوقات سوف تساهم في استعادة مكانة القاهرة دوروها التاريخي كقائد للمشروع العربي.

خالد الزعتر

ليفانت - خالد الزعتر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!