الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
مسيرة أردوغان في سورية .. القسم الأول
غسان المفلح

بشار الأسد ورجب طيب أردوغان في حلب يوم 3 نيسان عام 2007 لافتتاح استاد حلب الدولي. أردوغان في سورية


هذا الخبر كان عنواناً من عناوين وسائل الإعلام في ذلك اليوم لسببين، الأوّل: إنّ أردوغان كان يخرق الفضاء الدولي الذي تشكّل ضدّ الأسد، على إثر اغتياله لرفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني في 14 فبراير 2005. بعدها خروج القوات الأسديّة من لبنان، وتشكيل المحكمة الدوليّة الخاصة بالحريري.


السبب الثاني: البحث عن نفوذ تركي على هامش السطوة الغربيّة على المنطقة، بسبب تراجع الاتحاد السوفييتي بعد سقوطه، وحلّت مكانه روسيا وهي في أضعف حالاتها. البوابة الثانية لهذا الدخول الأردوغاني هي محادثات غير مباشرة بدأت بين إسرائيل وسوريا برعاية تركيا في أيار (مايو) 2008 غير أنها توقّفت إثر الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة بين أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2008. أردوغان في سورية


وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي 2008، أعلن ساركوزي في مقابلة مع صحيفة الوطن السورية قبيل زيارة قام بها الرئيس السوري لفرنسا - حيث زار الأسد وعقيلته على رأس وفد رسمي العاصمة باريس (12-15 تموز الجاري) - "يمكننا مع الاتحاد الأوروبي وبالتنسيق مع تركيا أن ندفع نحو استئناف المحادثات بصيغة أو بأخرى.


هذا تكثيف للخطوة الأولى من المسيرة الأردوغانية بالعلاقة مع الأسد ونظرته لسورية والمنطقة ووضع تركيا فيها. أردوغان في سورية


اختيار أردوغان للبوابة الإسرائيلية من أجل إعادة الأسد للحظيرة الدوليّة مع ساركوزي وأمير قطر آنذاك - الذي رفعت صوره لاحقا مع الأعلام التركيّة في ضاحية حزب الله في بيروت- من خلال هذه البوابة طرح أردوغان نفسه كوسيط بين الأسد وإسرائيل، لمعرفته للحظوة التي يتمتّع بها نظام الأسد عند الإسرائيليين.


بقيت هذه العلاقة جيدة على كافة المستويات وخاصة الاقتصاديّة، حتى بعد اندلاع الثّورة السوريّة في آذار 2011 بأقل من عام، حيث بقيت المحادثات خلال العام الأوّل من عمر الثورة، بين الطرفين من أجل التوصّل لاتفاق مع الأسد بخصوص الوضع المستجدّ.


إن لم تخنّي الذاكرة كان آخر تاريخ تسريب عن مفاوضات أردوغانيّة أسديّة شباط 2012. حتى إنّه كانت آخر زيارة معلنة للسيد داؤود أوغلو وزير خارجيّة تركيا آنذاك إلى دمشق (9 آب/ أغسطس 2011). حيث صرّح أردوغان حينها "ما يجري في سوريا -يقصد انطلاق الثورة- ليس موضوعاً خارجيّاً بل هو شأن تركي داخلي. وإنّ الحدود المشتركة تمتدّ إلى أكثر من 850 كيلو متراً بين البلدين الجارين". هنا مربط الفرس الذي بنيت عليه السياسة الأردوغانية تجاه الملف السوري، عدا عن أنّ سورية معبر مهم للاقتصاد التركي إلى دول المنطقة، إضافة إلى أنّ الأسديّة رفضت أي تقاسم للسلطة مع أي طرف كان، ورفضت وقف العنف ضد الشعب السوري كما صرّح أردوغان بذلك!.


خلال هذا العام خاصة بعد فشل التفاوض الأردوغاني الأسدي، كانت تعمل السلطات التركية على القبض على ملف المعارضة، مع بقية الدول المعنية أميريكا وأوروبا والسعودية وقطر وروسيا، ورغم خلافات هذه الدول في هذا الملف، إلّا أنّ ما كان يجمعها هو العمل من أجل قيام أطر معارضة مسيطر عليها تماما، من خلال الإخوان وبعض التيارات الإسلاميّة الأخرى.


أردوغان ليس استثناء، حيث من المعروف آنذاك، أنّه يجب السيطرة على ما عرف باسم ظاهرة الجيش الحرّ التي حرّرت أكثر من نصف سورية من قوات الأسد الوحشيّة، كان يتم هذا من خلال عنوانين: الأول شرذمة هذه الظاهرة وعدم قيام مجلس عسكري وسياسي يمثلها فعلا، الثاني اختراقها بالتنظيمات الجهادية القاعدية. هنا تواطأت كل الدول، لأن القرار كان أوباميّا فأتى الجهاديون من كلّ حدب وصوب من أوروبا وغيرها عبر تركيا والعراق. بات التمويل خاصة في الشمال يركّز على إنتاج تنظيمات ذات صبغة قاعديّة وإسلامويّة. منذ اللحظة التي رفعت فيها الراية السوداء على معبر باب الهوى بعد أن حرّره الجيش الحرّ واستولت عليه القاعدةفي منتصف تموز 2012.


هنا أردوغان لم يكن هو صاحب القرار في ذلك بل هو ساهم في إنتاجه كما أرادت أميركا. هنا يحتاج الأمر لبحث كامل لوحده، لكن دخول داعش والنصرة وخروج زهران علوش ومن معه من المعتقل بعد ثلاثة أشهر من انطلاق الثورة السورية، تقول المعطيات: إنّ الأسد أطلق 1500 معتقل من الجماعات السلفيّة والجهاديّة، وتبنّي التمويل الخليجي لهذه المجموعات وتبنُى أردوغان تسويقهم. كان هذا يتم منذ منتصف تموز 2012 أول ظهور للراية السوداء. وتأسيس ما عرف بغرفة "الموم" المدعومة أمريكيا في تركيا، والتي من المفترض أنُها تدعم ظاهرة الجيش الحر!!، سمحت هذه الغرفة بدخول كل هذه الجهاديات إلى سورية من تركيا والعراق.


أردوغان ساهم مع البقية في نمو هذه الظاهرة وحاول استغلالها مثله مثل بقية الدول. سواء بشكل مباشر أم غير مباشر. لهذا تحميل أردوغان لوحده مسؤولية النصرة وداعش هذا كلام يتنافى مع الحقيقة والواقع.


قبل أن أختم هذا القسم الأول أسأل لو كان موقف أردوغان من الثّورة والشعب السوري كموقف الحكومة العراقية التي أرسلت داعش بتفويض أوبامي إلى سورية وأرسلت الحشد الشعبي بنفس التفويض الأمريكي، أو مثل إيران أو روسيا، هل كان سيتعرّض أردوغان لمثل هذا الهجوم من قبل الغرب وقسم مهم من ناشطي سورية؟ سأترك الجواب للقسم الثاني.


ليفانت - غسان المفلح 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!