الوضع المظلم
الأربعاء ١٨ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ماذا وراء تصاعد عمليات الإعدام في إيران؟
سامي خاطر

تتصاعد وتيرة الإعدامات؛ والصواب قوله هنا تصاعد وتيرة عمليات (القتل الحكومي) بشكل مرعب في إيران في ظل سلطة حكم الملالي الذين يطبعون مع أعدائهم العرب للخروج من أزماتهم، والحقيقة هي أن سلطات نظام الملالي تواصل استخدام عقوبة الإعدام باعتبارها أداة للقمع السياسي والهروب من مصير السقوط والاندثار الذي ينتظرها.

إن تصعيد السلطات الإيرانية الدراماتيكي لعمليات الإعدام في الأسابيع الأخيرة يمثل انتهاكاً خطيراً للحق في الحياة وينبغي أن يُسفِر عن إدانة دولية، إذ قامت السلطات الإيرانية منذ أواخر أبريل بإعدام 60 شخصاً على الأقل بسجون مختلفة في أنحاء البلاد مستهدفة الأقليات العرقية في إيران بشكل خاص في هذه الإعدامات الأخيرة بتهم مزعومة تتعلق بالإرهاب بموجب محاكمات جائرة كنوع من استعراض القوة ضد شعبها الذي يطالب بتغيير جذري، أو توجيه تهم من قبيل جرائم المخدرات والردة وسب النبي وقذف والدة الرسول والاستخفاف بالقرآن، وتهمة "محاربة الله" وهي التهمة الغامضة التي يستخدمها الأمن الإيراني دائماً؛ انتهاكاً للقانون الدولي، ويزعم القضاء الإيراني أن المتهمين الذين تم إعدامهم اتصلوا بمحام من اختيارهم، وتجدر الإشارة إلى أن عمليات الإعدام في إيران ارتفعت بنسبة 75 في المئة في عام 2022، وأعدمت السلطات ما لا يقل عن 582 شخصاً سعياً منها إلى ترويع المحتجين، لذا يتعيّن على المجتمع الدولي أن يدين بشكل قاطع هذا التوجه المرعب، وأن يضغط على المسؤولين الإيرانيين لوقف عمليات الإعدام.

 إن تصعيد السلطات الإيرانية الدراماتيكي لعمليات الإعدام في الأسابيع الأخيرة يمثل انتهاكاً خطيراً للحق في الحياة وينبغي أن يُسفِر ذلك عن إدانة دولية.

الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتجهان نحو إحكام طوق العزلة على الملالي 

يتجه الاتحاد الأوروبي نحو فرض عقوبات اقتصادية جديدة قاسية على إيران يتعلق جزء كبير منها ببرنامجها النووي المثير للجدل على خلفية قمع الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، ونددت منظمات حقوق الإنسان بالقمع العنيف ضد الطلاب، وعلى المستوى السياسي ألقت الاضطرابات في إيران بظلالها على الجهود الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والدول الكبرى، وقد فرضت كندا عقوبات جديدة على مسؤولين إيرانيين؛ فيما استدعى وزير الخارجية البريطاني –الاثنين- كبير الدبلوماسيين الإيرانيين في لندن، كما قررت بريطانيا فرض عقوبات إضافية على قوات حرس نظام الملالي شملت مسؤولين عن "القمع العنيف" للتحركات الاحتجاجية،  وفرضت أطراف غربية عدة تتقدمها واشنطن ولندن وبروكسل سلسلة من العقوبات على طهران رداً على "قمع" السلطات الإيرانية لتحركات احتجاجية تأججت عقب مقتل مهسا أميني في سبتمبر بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران على خلفية عدم التزامها بالقواعد الصارمة للحجاب الإجباري التي يفرضها النظام الإيراني، ونتيجة لعدم نجاح الملالي في كسر طوق العزلة دفنوا رؤوسهم في الرمال محاولين عدم رؤية الأمور على حقيقتها، وإدراك أنهم لم يعد لديهم القاعدة الشعبية المؤيدة لهم، وحتى تلك المحسوبة عليهم، كما أن الأمور قد وصلت إلى مستويات من الشك والريبة والتصدع في منظومة الملالي القروسطية.

على غرار كل الاحتجاجات السابقة التي اندلعت في إيران كان الملالي يتوقعون إخماد تحركات الشارع على وجه السرعة، وأنهم يمتلكون أدوات إخمادها بالطريقة الوحيدة التي توفرها لهم أدبياتهم السلطوية الحاكمة وهي القبضة الأمنية، بيد أن الاحتجاجات توسعت وانتشرت إلى مدن إيرانية كثيرة، وارتفع سقف مطالبها ليصل إلى الإصرار على الإطاحة بنظام الملالي برمته، وأما الجديد في هذه الاحتجاجات الإيرانية التي تشارك فيها مختلف فئات المجتمع أنها جاءت في سياق دقيق يمر به نظام الملالي الواقع في قلب أزمة تتجلى فيها الملامح الاقتصادية الداخلية مع جبل من المشاكل الإقليمية والدولية تورط فيها هذا النظام الفاشي، وجدير بالذكر أن أجهزة النظام الأمنية والمخابراتية أصيبت بارتباك واضح بعد أن صُوِبت الثورة المستمرة منذ 16 سبتمبر الماضي نحو النواة الأيديولوجية والرمزية للنظام بدءاً باستهداف رموز ولاية الفقيه من خميني إلى علي خامنئي، ومروراً بكل الشخصيات الرمزية والعقائدية التي يتكئ عليها النظام في تسويق نهجه وتصدير تطرفه، ومن الواضح أن الحراك الشعبي الإيراني الحالي يختلف جذرياً عن كل الاحتجاجات السابقة، أولاً لأنه يستهدف جذور النظام ورموزه الأيديولوجية، وثانياً لأنه توسّع وامتد إلى عدد كبير من المدن والمحافظات الإيرانية، وثالثاً لأنه وعد بأن يستمر ويجذر شعاراته السياسية.

وبُناءً عليه فقد فشل الملالي في كسر طوق العزلة عليهم من خلال البطش بأبناء الشعب الإيراني وقمع الانتفاضة.

الفرق بين الإعدام والقتل الحكومي الذي ينتهجه نظام الملالي

هناك تناقض سائد فى الموقف من مسألة القتل، والإعدام، إذ يدين الناس القتل ويرفضون عقوبة الإعدام. فالقتل جريمة يرتكبها الأفراد ويعاقبون عليها، أما الإعدام "قتل" تقوم به الدولة تنفيذاً لحكمٍ قضائيٍ يكون قتلاً إن لم الحكم عادلاً، والاغتيال قتل إرهابي تقوم به الدولة دون حكم قضائي وبلا أدنى اعتبارات لأي قيم قانونية أو أخلاقية، وبالنتيجة يفقد حياته الإنسان، فالإعدام عقوبة تعنى الحكم على شخص بالعدم أى الحرمان من الحياة بناءً على حكم قضائي جراء ارتكابه جرائم خطيرة ينص عليها القانون ويحدد عقوبتها وطريقة تنفيذها فى إطار محدد، بيد أن نظام الملالي يتبنى القتل بموجب إصدار أحكام أخرى بالإعدام خارج إطار الشرع والقانون بتوجيه اتهامات واهية لا أساس لها من الصحة وتتنافى مع الإسلام الصحيح والقيم القانونية الوضعية العادلة.

مصير نظام الملالي في ضوء حكمه الدكتاتوري

يتعرّض نظام الملالي، اعتباراً من 16 سبتمبر الماضي، إلى تسونامي من الاحتجاجات، بما في ذلك انتفاضات مناهضة للنظام في جميع أنحاء البلاد وآلاف الاحتجاجات الاجتماعية، ويُظهر ذلك مدى الاستياء المتنامي والواسع النطاق من النظام، وعجز الدولة المتواصل عن تلبية احتياجات الشعب الأساسية ما أسفر عن حالة من عدم استقرار دائمة بسبب الاحتجاجات الشعبية المتواصلة وحملات القمع العنيفة لها. إذاً لم يتعرّض استقرار النظام للخطر وحسب بل تزعزت أيضاً قدرته على الصمود، وأدركت المنظومة السياسية والأمنية بأن التهديد الرئيس يتأتى من داخل البلاد وليس من خارجها، ويتمثّل الدافع الرئيس وراء اندلاع هذه الاحتجاجات في احتكار الأوليغارشية الحاكمة في إيران السلطة السياسية والاقتصادية على السواء، فيما تكاد تنعدم قدرة البلاد على تجاوز أزماتها المتعددة من دون حدوث تغيير سياسي، ونشهد اليوم تمثيل أوسع تركيبة اجتماعية في أي انتفاضة حتى الآن، إذ تتصدّر النساء والشباب صفوفها الأولى مُبدين شجاعةً وعزيمةً كبيرَين، ذلك لأن مقتل مهسا أميني قد ضرب على وترٍ حسّاسٍ في أوساط الطبقتَين الوسطى والدنيا على السواء، وترافق مع تضامن ملحوظ بين مختلف الإثنيات ومشاركة قوية لطلاب الجامعات فضلاً عن انضمام العمّال والمشاهير إليهم، وأصبحت هذه الاحتجاجات بحق ثورة وطنية تطرح تهديداً جدّياً للنظام ما يفسّر عن وحشية ردود أفعاله، ولذلك لا تستقيم الأمور لنظام الملالي في سلطان حكمه الدكتاتوري بقتل أبناء الشعب الإيراني.

عواقب تطبيع الملالي مع العرب وفقدانهم عروشهم الاستبدادية

رداً على تطبيع الملالي مع العرب قد يطرأ هناك تحالف عسكري عربي إقليمي تدعمه الولايات المتحدة ضد الملالي، وسيكون مثل هذا التحالف أكثر تهديداً لطهران في أعقاب المحادثات النووية الفاشلة مع إدارة بايدن إضافة إلى تأثير الاحتجاجات المحلية، وكذلك تبعات تزويد طهران لروسيا بطائرات مسيرة تستخدمها في حربها في أوكرانيا، ومن هذا المنطلق فإن تحرّك ديناميّات التطبيع والحرب سيفتح احتمالات جديدة لا يمكن التغاضي عن تأثيراتها الإقليمية والعالمية، ولا حصاد للملالي من وراء التطبيع مع العرب، ولا بقاء لهم على عروشهم الاستبدادية.

ليفانت - د. سامي خاطر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!