الوضع المظلم
الجمعة ١٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ليبيا.. المسرح الجديد لموت السوريين
مزن مرشد

استبشر السوريون خيراً عندما فُرض الهدوء النسبي في الشمال السوري، فالمنطقة المهدّدة بالإبادة الجماعيّة، تنفّست الصعداء أخيراً، وارتاحت ولو قليلاً من كابوس موتٍ محقّق.  


بعد إعلان وقف التصعيد في محافظة إدلب، تقلّصت الضربات الجويّة الروسية والسورية على المنطقة، ما أراح الأبرياء بأنّ موتهم المجاني قد تأخر إلى حين، ليفكروا بطرق للنجاة، من النزوح أو الهجرة عبر عبور الحدود التركية، وإن يكن بطرق غير شرعية، المهم الخلاص من جحيم موت قادم، ما يزال يسيطر على هواجسهم اليومية، خاصة مع عدم استمرار الهدن السابقة وخرقها سريعاً.


لكن ما لم يكن في حسبان المقاتلين السوريين من جهتي المعارضة والموالاة، بأنّ استراحتهم، نوعاً ما، من المعارك لن تدوم طويلاً، إذ لم يتوقّف عرّابَي الموت، الترك والروس، من استجرار المقاتل السوري إلى معاركهم، ليتحوّل السوريون من ثوارٍ، أو جيش نظام، إلى مرتزقة مأجورة، تحرّكها أجندات مصالح المشغلين، لكن هذه المرة بشكل مختلف، فقد تغيرت جغرافيّة الصراع وأهدافه أيضاً. المسرح الجديد


أشارت تقارير الأمم المتّحدة، إلى أنّ مئات من المرتزقة السوريين، تم إرسالهم إلى الجبهة الليبية عبر خطوط جويّة، تربط دمشق ببنغازي، لكن تقريراً سريّاً، سُرّب مؤخراً قال بأنّ هذه الرحلات الجوية ساهمت بنقل مئات المقاتلين إلى الساحة الليبية. ورصد خبراء الأمم المتحدة، المكلفون بمراقبة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، 33 رحلة من دمشق إلى بنغازي منذ مطلع العام عبر شركة أجنحة الشام.  


في سوريا، تدعم تركيا بعض الفصائل المسلحة المعارضة، وفي ليبيا تدعم الحكومة المعترف بها من الأمم المتّحدة، أما روسيا، فتدافع في سوريا عن بشار الأسد، وتدعم ميليشات خليفة حفتر المناوئة للمجلس الرئاسي الليبي، وتقرّب الأسد من حفتر كتأثير مباشر لها على الطرفين.


دمشق، وكالعادة، تستخدم أسلوب التعتيم، وكأنّ العالم بلا عيون أو آذان، فلم يعلّق النظام على هذا التقرير ولم يعطه أيّ أهمية، لا من بعيد ولا من قريب، إنّما أكّد فقط على أنّ رحلات أجنحة الشام، بين دمشق وبنغازي، لم يكن على متنها إلا مدنيون سوريون يعيشون في ليبيا، لكن الرياح لم تأتِ على شهية سفينة الإعلان السوري، فقد أكّد فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، عندما سئل عن الأمر، إلى أنّهم لم يقتنعوا بصحة هذا الرد.


لا أدري كيف أصبح السوري مجرد بيدق بيد الآخرين، يُزجّ به في معارك الموت، سواء من قبل نظام لم يتوانَ لحظة عن تدمير بلاده ليضمن بقائه في كرسي الحكم، أو من قبل من دعمه في ثورته ضد نظام مستبدّ، سلب من مواطنيه أبسط الحقوق. المسرح الجديد


ربما كان على السوري أن يقاتل نظامه وحيداً، فالراعي الذي ظنوه سينقذهم من الذئب الحاكم، لم يكن هدفه سوى تقديمهم أضحية لمعابد مصالحه. 


السوري الذي وثق بتركيا، وبايعها الولاء، ظنّاً منه أنّها قشة الخلاص، استقوت به، لتحقيق مطامع طالما حلمت بها، داخل سوريا وخارجها، فهي اليوم تدفع بالمقاتل الذي أضنته الحرب، وحاصره جوع الأهل والأبناء، ليذهب طائعاً تحت إدارتها إلى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، مكتفياً ببضعة دراهم يسدّ بها احتياجات أسرته، بعيداً عن الهدف الأوحد الذي حمل السلاح من أجله، إسقاط النظام. 


وفي المقلب الآخر، سوريٌ بسيط أوقعه حظّه العاثر، وجوده في مناطق موالية، في شبكة الخدمة الإلزامية فبات بين نارين، إما أن يقتل إخوته، أو يقتل.


في هذا الطرف، وثق السوري بغريب آخر، غريب استقدمه نظامه نفسه، ليدافع عن استمراره في حكم بلاد لم تعد تطق المزيد من القمع.. غريب أتى حاملاً أحلامه بمياه دافئة، على ظهر طائرات السوخوي، فدمر وقتل بغير حساب، وظلّ السوري المجنّد صامتاً منتظراً لحظة الخلاص، لحظة التسريح من الخدمة التي باتت حلماً للشباب السوريين في جيش الأسد، فإن كان من حمل السلاح في صفوف المعارضة، حمله عن قناعة ولأجل قضية، فليس كل من حمل السلاح في صفوف جيش الأسد أراد ذلك.


اليوم يشتبك السوريون على أرض ليبيا، أحدهم يقتل من أجل حفتر الذي لم يسمع باسمه من قبل، والآخر يقتل من أجل تركيا ومصالحها بالنفط الليبي، عبر دعمها للمجلس الرئاسي، وتدافع عن ممرها البحري الذي شقّت به البحر المتوسط عبر اتّفاق، لسنا في صدده الآن.


تسعة آلاف مقاتل من الجيش الوطني الذي شكلته تركيا في الشمال السوري، بهدف الدفاع عن إدلب بوجه الأسد وروسيا، ترسله اليوم إلى ليبيا، بينهم 150 قاصراً تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً، سلب منهم مستقبلهم وأحلامهم، وأملهم بأن يكونوا شيئاً آخر غير أن يكونوا قتلى، بمقابل مبلغ مالي ووعد بالجنسية التركية، بعد أن جعل الأسد جنسيتنا السورية محض هباء. وينتظر ذات المصير 3300 مقاتل، يتدرّبون اليوم في معسكرات تركية قبل إرسالهم إلى القتال جنوب العاصمة الليبية. 


أما النظام فقد أرسل أكثر من 1500 مجنّد سوري، عبر وكالة فاغنر للمرتزقة الروسيّة، والتي تكفلت بدفع مرتّباتهم، والتي تبلغ في قتالهم في ليبيا أربعين ضعفاً لمرتباتهم في جيش الأسد، ليُمسك السوري من وجعه، مع أنّه هنا ليس قادراً على الاختيار أو الرفض، ففي صفوف النظام، إما تنفيذ الأمر، أو التصفية الجسدية. 


وهناك أيضاً 200 مجنّد سوري، وظّفتهم شركة أمنية روسية، يتواجدون في قاعدة في محافظة اللاذقية، بهدف إرسالهم قريباً إلى ليبيا للقتال بجانب قوات حفتر، يواجهون إخوتهم السوريين الآخرين المقاتلين، إلى جانب حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، ليكون الضحية سوري دائماً والقاتل سوري، وإن اختلفت الجبهات. المسرح الجديد


سوريون لا يسعون إلا للهروب من الفقر والبطالة والحرمان في سوريا، سوريون كانوا أبرياء حتى وقت قريب، باتوا الآن مرتزقة حرب، مأجورين، يقتلون ويُقتلون لمن يدفع أكثر.  


 مزن مرشد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!