الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • شرق المتوسط إذ يكشف تناقضات الصراع الإقليمي والدولي

شرق المتوسط إذ يكشف تناقضات الصراع الإقليمي والدولي
رامي شفيق

مثل شرق المتوسط وما يضمره من ثروات طبيعية هائلة، ساحة تنافس وصراع بين قوى إقليمية ودولية عديدة ومتباينة، حول حيازة النصيب الأكبر من تلك الثروات أو المشاركة في استخراجها ونقلها، وما يعكسه ذلك من عوائد اقتصادية وسياسية على المستويين الإقليمي والدولي.


ثمة مقاربة، طيلة الشهور الماضية، لكافة التحركات السياسية لدول أوروبا والشرق الأوسط، من ناحية، وواشنطن وموسكو، من ناحية أخرى، في ما يتصل بالقبض على مكامن الطاقة، والتأثير على مساراتها، وفرض أوراق الضغط على كافة الأطراف المعنية، فضلاً عن مظاهر الأعمال العسكرية لعدد من الأطراف الفاعلة.


إذ تبدو أجواء المناوشات بين القاهرة وأنقرة، من جهة، وبين الأخيرة واليونان، من جهة أخرى، أحد تجليات الصراع على ثروات المستقبل، والتي اتخذت نمط الاتفاقيات الرسمية والقانونية، حيث تمكنت كل من القاهرة وأثينا تجاوز نقاط الاختلاف فيما بينهما، ومن ثم، صياغة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، والأمر ذاته، حدث بين اليونان وإيطاليا، مؤخراً، لتواجه بتكتيك السياسة ومفاعيل القانون الدولي الأطماع التركية خارج حدودها البحرية، وذلك بالافتئات على الجغرافيا والسياسة الدولية، حينما عقدت اتفاقاً، غير شرعي، مع حكومة السراج في الغرب الليبي، ومذكرة تفاهم اقتصادية وعسكرية بعيدة عما تم إقراره باتفاق الصخيرات.


بددت التحركات السياسية والميدانية للقاهرة، خلال الفترة الماضية، ما سعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن يثبته على أرض الاحلام، كون من أراد التنقيب عن الطاقة في شرق المتوسط، عليه أن يتحصل على الإذن وتأشيرة المرور من الجانب التركي، وأنه لا يمكن تصور كيان شرق المتوسط دون أن تكون انقره جداره السميك. هذا السياق هو ما صنع التوتر خلال الفترة الأخيرة الماضية، مرة فيما بين القاهرة وأنقرة، وأخرى بين الأخيرة واليونان. والملاحظ أنه في كلتا الحالتين ارتفعت مؤشرات الصراع الخشن، وبدت أصوات البارود قريبة، بيد أن اللاعبين الدوليين تستقر رؤاهم بعيداً عن انفجار الصراع، وضرورة إدارته بصيغة غير مباشرة نحو تحقيق أقصى درجات المصلحة لكل الاطراف المتصارعة بشكل مباشر وغير مباشر.


من المؤكد أن يكون مخاض الصراع في شرق المتوسط على مستواه الإقليمي والدولي، هو المسار الذي سينتج القوى الفاعلة داخل نظام الأمن الاقليميـ ويبلور بالضرورة مساحات الحركة والتأثير للقوى الدولية، كما يترك رصيدها يتضخم على حساب القوى المتنافسة والمتصارعة.


تستطيع تدبر ذلك الأمر، من انضبط حركة الرئيس التركي التي تنزلق وتنخرط ميدانياً، في شرق ليبيا، وتحديداً على خط سرت والجفرة، رغم كافة المظاهر التي تعكس تدفق البشر والسلاح على مسرح الأحداث، غير أن ورقة السياسة بدا أثرها حين كيفها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على قدر الاوزان والمصالح الدولية، وقد أطلق إنذاره بتحديد "الخط الاحمر" في ما يتصل بسرت والجفرة، فاستدعى انتباه واشنطن التي أطلقت عصا موسى للحد من تمدد الثعبان التركي، وكبح حركته نحو الشرق الليبي، لجهة ضبط مقدار المصالح داخل الإقليم.


واللافت أن ثمة اتجاه لدى واشنطن بهدف خلق بيئة تتصارع وواقع الاحتكار الروسي، الذي يقوم تزويد القارة الاوربية بالطاقة، لما يعكس ذلك الوضع من تأثيرات سياسية واقتصادية على الصراع التقليدي بين واشنطن وموسكو .


التباينات والتناقضات في المصالح الامريكية الروسية مع دول شرق المتوسط وسياق الصراع فيما بينهم هو ما يفسر انقباض عضلات وجه كل منهما وانبساطها بين الحين والآخر حين تتعقد الأمور وتتشابك، وتبدو على حافة الانزلاق، لا سيما حين يصادف ذلك مصالحهم المباشرة. موسكو التي تدرك تماما أن عليها حصد أقصى ما يمكنها من مناطق نفوذ  شرق المتوسط  يجعلها جداراً سميكاً أمام مساعي واشنطن لمنح حلفائها حق الامتياز في المتوسط، وهو ما يصب نهاية الامر في حسابها الاستراتيجي، من خلال تموضع إسرائيل الحليف الامريكي شريكاً استراتيجياً في مشروعات شرق المتوسط، حيث لا تترك فرصة إلا وتتحرك نحوها لبسط نفوذها وإرداتها السياسية والميدانية، بحيث تضحى شريكاً مباشراً أو غير مباشر في تلك الثروات بكل ما يترتب عليها من نتائج سياسية .


في إطار ذلك، تشكل الخط المعروف "ايست ميد" من قبالة سواحل إسرائيل وقبرص واليونان ليصل نحو جنوب إيطاليا، بهدف تزويد أوروبا بالطاقة، وهو الأمر الذي وافقت عليه الحكومة الاسرائيلية، حيث تطمح تل ابيب أن تدفع المصالح الاقتصادية في شرق المتوسط أزمتها التاريخية في الشرق الاوسط بعيداً.


من الصعوبة إدراك مشهد التنافس على ثروات المتوسط ، وما فرضه من مظاهر التحرش الخشن بين أطراف متعددة، خاصة بين دول أعضاء حلف الناتو (تركيا، اليونان، فرنسا )، دون الالتفات نحو رغبات واشنطن التي تتلخص في أهداف رئيسية تسعى فيها نحو ترويض الاتحاد الاوربي داخل المخيال الامريكي، وضبط حركة الشرق الأوسط من خلال التحكم في المشروع التركي، وضبط حركة أدائه بقدر توازنات المصالح الامريكية مع دول الشرق الاوسط، خاصة، ما يتصل بالصراع على مسرح أحداث ليبيا، وما يرتبط برؤية القاهرة ومتطلبات حماية أمنها.


رغم ابتعاد إيران عن مشهد الصراع حول أحداث شرق المتوسط، إلا أنها بشكل غير مباشر ترتبط بما يحدث، وذلك من خلال سيطرة حزب الله على الجنوب اللبناني وإثارة أجواء الحرب مع اسرائيل، التي تشترك في نقاط  تماس مع لبنان في عمق البحر المتوسط. وعلى وقع ذلك، تحتاج تل ابيب، وبالتبعية، واشنطن العمل نحو مواصلة الضغط على إيران، ووكيلها المحلي حزب الله، التي تسمح بتحقيق جملة أهدافها وأدوارها الوظيفية في المنطقة


رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!