الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • لماذا لم يتم اتهام النظام وحزب الله مباشرة بقتل الحريري؟

لماذا لم يتم اتهام النظام وحزب الله مباشرة بقتل الحريري؟
مصطفى عباس

لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن يكون حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بهذا الهزالة، فبعد نحو خمسة عشر سنة على الجريمة السياسية الأبرز في الشرق الأوسط برأت المحكمة ثلاثة من المتهمين لعدم وجود أدلة كافية، لتؤكد إدانة واحد فقط وهو سليم عياش، ورفع اسم المتهم الخامس مصطفى بدر الدين من القضية كونه قتل في سوريا عام 2006، طبعاً وجميع المتهمين قياديون في ميليشيا حزب الله، المتضرر الأكبر حينها من وجود شخصية تحظى بإجماع لبناني وقبول دولي، وهي التي ساهمت في إعادة إعمار لبنان، بعد الحرب الأهلية اللبنانية.




هم أرادوا أن يسوقوا لحسن نصر الله كمقاوم لإسرائيل وسيد أول للبنان، وكل من يريد أن يكون له دور في هذا البلد الذي كان جميلاً، يجب أن يمر تحت " عباءة السيد"، ولكن الحريري كان أكبر من المذكور، بل كان بحجم لبنان، رغم أنه قال ذات مرة " ما حدا أكبر من بلده".




عقب مسرحية حرب تموز مع إسرائيل عام 2006، تم تلميع نصر الله كثيراً بعد أن خلا لبنان من الشخصيات الوازنة، كي يكون صاحب الكلمة والتأثير ليس فقط في لبنان بل في المنطقة، وبالفعل ارتفعت أسهمه كثيراً إلى أن سيطر حزب الله على لبنان بقوة السلاح عام 2008، فيما بات يعرف بأحداث أيار التي تم فيها إسقاط حكومة سعد الحريري، وانعقد على إثرها مؤتمر الدوحة الذي فرض فيه الثلث المعطل لحزب الله في أي حكومة يتم تشكيلها، وحينها كان اللبنانيون هم الوحيدين الذين اكتووا بنار هذه الميليشيا، بينما بقية العرب كانوا مازالوا تحت تأثير الصورة المنمقة التي تم رسمها لنصر الله عبر الإعلام العربي، وخصوصاً قناة الجزيرة. وبقيت الحال كذلك إلى أن اندلعت ثورات الربيع العربي، التي أيدها نصر الله وتمنى في أحد خطاباته أن يكون مع الثوار في ميدان التحرير بمصر، ولكن عندما انتقلت رياح الربيع إلى سوريا أصبحت مؤامرة! وبدأت الخطابات والشعارات الطائفية الثأرية تخرج للعلن " لن تسبى زينب مرتين"، حينها أدرك الكثيرون أن هذه الشخصية التي خطط لها لتكون واجهة إيران الجميلة إلى العالم العربي ماهي إلا شخصية طائفية، تتلطى بالمقاومة حيناً وبالتقية أحياناً، وهي معول هدم في كل البلدان التي لإيران تدخل فيها.




العراق أغنى دول العالم نفطياً بات اليوم يستدين من السعودية كي يغطي النفقات الحكومية، واليمن الذي تسيطر عليه ميليشيا الحوثيين الإيرانية الدعم والهوى أصبح حاله أصبح يبكي العدو قبل الصديق، والكل يعرف ما جرى ويجري في سوريا، فلولا إيران لهرب بشار الأسد منذ عام 2012 ولكن الخامنئي أرسل له الهالك قاسم سليماني كي يجبره على البقاء، ووضع له الخطط والميزانيات لذلك. وصولاً إلى لبنان الذي بات يعجز حتى عن إزالة القمامة من الشوارع، بعد ان كان إلى فترة قريبة يسمى سويسرا الشرق.




المحكمة التي كلفت ما يقارب المليار دولار رفضت في قرارها توجيه الاتهام بشكل مباشر للنظام السوري ولميليشيا حزب الله، وإن أكدت أن دوافع الجريمة سياسية، وكأنها تقول ابحثوا عن المستفيد السياسي من هذه الجريمة تعرفون الفاعل، لكن لماذا لم تشر له مباشرة بأصابع الاتهام؟ يقول رجل الأعمال فراس طلاس الذي كان مقرباً من النظام، في تغريدة له على الفيسبوك إنه " بعد اغتيال الحريري من قبل الثنائي ( أسد / حزب الله ) اتخذ العقل الامني السوري قراراً بزيادة وتيرة جلب المجاهدين للعراق وتسريع وتيرة استهداف الاميركيين من قبل الفصائل السنية المتطرفة ( زرقاوي وأشباهه ) ودفع الاميركيون الاف القتلى من جنودهم مما دفعهم لارسال وفد متعدد الاجهزة الاستخباراتية لدمشق وتمت الصفقة : يتم سحب اسم سوريا بالكامل من ملف اغتيال الحريري ونعطيكم أسماء وأماكن الاف الجهاديين ، وتمت الصفقة ، وللعلم بالنسبة لاميركا حياة جنودها اهم ألف مرة من معرفة من قتل الحريري . محكمة اليوم هي استكمال معلومات أعرفها منذ ال ٢٠٠٦".




يبدو هذا التفسير مقبولاً في هذا المجتمع الدولي الذي يتكلم كثيراً عن حقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية، التي يتم تطبيقها في الغرب، أما في الشرق الأوسط فهي شعارات تريد أمريكا من خلالها إبقاء هذه المنطقة ضعيفة وتابعة لها، خصوصاً إذا علمنا أنه خلال لقاء جمع مدير المخابرات السورية العامة حينها علي مملوك مع مسؤولين أمريكيين عرض عليهم هذه الخدمات، حسبما ذكرت وثيقة سربها موقع ويكيليكس عام 2010 من مراسلات السفارة الأمريكية في دمشق.




بكل الأحوال.. مع هذا المحور الذي تقوده إيران ستبقى هذه المنطقة تغرق في بحور من الدماء والثأر والنكوص، والفقر والتخلف، ويبدو أن هذا هو المخطط المرسوم للمنطقة، لذلك لا يريدون إنهاء هذا المحور لأن له أدواراً وظيفيه يقوم بها حق القيام. رغم ترنحه واقترابه من السقوط مرات عديدة، ولكن في كل مرة يأتيه دعم ما من حيث لا نحتسب، ولا أعتقد أن هذا يأتي إلا ضمن مبدأ الفوضى الخلاقة الذي تبنته وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس.


مصطفى عباس 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!