الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • لقمع النساء أجور ومكافآت مُجزية في إيران

  • المواجهة بين النظام والنساء مواجهة ثأر ووجود
لقمع النساء أجور ومكافآت مُجزية في إيران
محمد الموسوي  

كان إيقاف العمل بدورية الإرشاد القمعية وما تم تسميته بالعفو في إيران ذراً للرماد في العيون، وربما كان وفق نصائح وتوجيهات دولية حتى يُتاح للنظام المناورة والتحايل على القوانين والأعراف، وبدت مجاراة النظام العالمي لملالي طهران أشد وضوحاً في جلسة المجلس العالمي لحقوق الإنسان الذي حضره وزير خارجية الملالي وتتوالى بعدها الكوارث والفضائح حيث لم يكن العفو عفواً ولم يتم إيقاف العمل بدورية الإرشاد.. وها هو قمع النساء اليوم قد بات بالأجور والمكافآت المجزية، وها هم الملالي يروضون بالنظام العالمي.

بينما يبطش الفقر بالمجتمع الإيراني وتعيش غالبية تحت خط الفقر ونسبة من الغالبية هذه تعيش العدم، والمُعلم مربي المجتمع ومهذبه يعيش الفقر وأصعب ظروف الحياة وغير آمن في سربه ولحظته ويومه على قوته وكرامته يدفع نظام الملالي أجوراً ومُكافآتٍ مُجزية لأولئك اللواتي يعملن على قمع وكسر المرأة الإيرانية غير مكترثين بأن ذلك قد يؤدي إلى كسر المجتمع برمته، وببساطة كيف يكترث لأمر المجتمع من لا ينتمي إليه، وكيف يكترث وهو نفسه الذي يريد تطبيق ما أسماه بقانون العفاف غير مكترثاً بستر من يعتقلهن من النساء والفتيات الصغيرات إذ تعرت أجسادهن أثناء حملات الاعتقال الهمجية.. بمعنى أن تلك الفرق القمعية البربرية لا تُقيم للحياة ولا للأعراض وزناً وكثيرة هي الأدلة الشاهدة على ذلك.

تكاد لا تمر أيام حتى تسمع فيها عن كارثة جديدة بحق النساء في إيران، وعلى ما يبدو إن الأمر بات كمعركة حامية الوطيس بين طرفين ندين لبعضهما البعض.. المجتمع الإيراني من جهة، ومراكز قوى الجماعات الحاكمة في إيران، تمسحاً بالدين واستتاراً تحت غطائه، وعلى الرغم من أن مراكز قوى الحكم هذه لم تدخر وسعاً في قمعها للشعب الإيراني، خاصة النساء من قتل واغتيالات واختطاف واغتصاب وتنكيل وتعذيب في أماكن الاعتقال وفي سيارات الأجهزة القمعية وفي السجون وإصدار أحكام ثقيلة بالسجن وأحكام أخرى مهينة تتعلق بموضوع الحجاب بالإكراه، إلا أن المرأة الإيرانية ما زالت تواجه غير آبهةً بما يفعله نظام الملالي الذي يبدو أن النساء قد رأين فيما فعله آخر ما في وسعه، وأنه لم يعد هناك شيء لم يفعله النظام ضد النساء وأن كل شيءٍ تساوى في ظل حكم هذا النظام الحياة كلها والوجود والعدم واحد بل قد يكون العدم أفضل، خاصة عندما تكون الكرامة عُرضةً للمساس في كل لحظة ويكون القوت والمصير مرهونين بالكرامة هنا لا بد أن يكون للموت أولوية على الحياة، وهذه هي طبيعة المواجهات بين النساء ومنظومة حكم الملالي.. تلك المنظومة التي أوصلت الناس رفض كل شيء يتأتى من خلال الملالي حتى لو كان يتعلق بالعقيدة أياً كانت، دينية أو سياسية، فالمجتمع عقائديٌ محافظ وملتزمٌ بقيمه وتراثه وتاريخه قبل أن يحكمه الملالي؛ الملالي الذين قدموا السلطة والسلطان على الدين واتخذوا من الدين والمذهب الجعفري وسيلة للخداع لبلوغ غاياتهم وتنفيذ المهام الموكلين بها من قِبل من أوصلوهم للسلطة وجعلوهم خلفاء للشاهنشاهية مكملين لمسيرتها بخطاب جديد اتسع ليجعل لملالي نفوذاً يتخطى حدودهم وصحيح أنه أوسع من قدراتهم لكن دعم النظام العالمي لهم سيؤهلهم لمخططهم الإقليمي وسيُخضع لهم كل ما حولهم وكل الأُطر التي يتأطرون بها أو يشاركون فيها كضيوف مشاركين، كالمؤتمر الإسلامي العالمي وجامعة الدول العربية، فقد كان ذيول الملالي في العراق قبل التطبيع العربي مع الملالي يمثلون الناطق الرسمي لنظام الملالي داخل الجامعة العربية؛ وقد لا يخلو المؤتمر الإسلامي العالمي من هكذا وضع أو من يطالب فيه بالتهدئة مع نظام لا يعترف بهم جميعا ولا يقيم لهم وزناً.

أظهر الغرب تفاعلاً صورياً بعد جريمة القتل الشنيعة للفتاة الكردية الإيرانية جينا أميني (مهسا أميني)، يكاد أن يكون في حينها موقفاً محترفاً متماشياً مع الهبة العالمية مع تلك الجريمة؛ لكنه -أي الغرب- سرعان ما سكن بل وتراجع أيضاً، حيث عمدت بعض الأطراف في دعم ابن الشاه المخلوع الذي نزع أباه ونظامه اسمها منها، وكذلك هو الحال مع قومها وباقي الأقليات الأخرى قبل أن ينتزع الملالي روحها منها، ثم رفض الاتحاد الأوروبي وضع حرس الملالي على قائمة الإرهاب على الرغم من تصويت أغلبية البرلمان الأوروبي على وضع اسم الحرس في القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي، وهنا لم تتطابق الإجراءات العملية للاتحاد الأوروبي والغرب مع شعاراتهم كما أنهم لم يحترموا برلمانهم وتشريعهم ولم يراعوا مأساة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة المتضررة من إرهاب وتدخلات ومخدرات نظام الملالي، وتتوالى الأحداث التي تثبت مدى دعم النظام العالمي لنظام الملالي. ومن هذه الأحداث منع فرنسا إقامة تظاهرة للمقاومة الإيرانية مباشرة بعد مكالمة لمدة ساعة ونصف بين إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية الملالي والرئيس الفرنسي ماكرون، وقد كان لهذه المكالمة وهذا التعاون مع الملالي مقدمات وتنسيقات جرت في العراق وإيران وعلى هامش مؤتمر بغداد الذي حضره أيضاً منسق السياسة الأوروبية، ومن هذه الأحداث أيضاً احتفال الملالي بمقتل لاجئ سياسي إيراني وإصابة أكثر مائة آخرين بعد تغرير نظام الملالي بالسلطات الألبانية ودفعها نحو 1200 شخص من قوات النخبة الأمنية لاقتحام مخيم أشرف3 في ألبانيا ما تسبب في أضرار بشرية ومادية جسيمة. وعلى الجانب الآخر لم تنجُ فرنسا ولا ألبانيا من الخسارة فقد لحقت بسمعتهما خسائر فادحة إذ تمكنت المقاومة الإيرانية من كسر قرار الحكومة الفرنسية قضائياً وأقامت فعاليتها، وفضح الملالي الغرب إعلامياً في عُرسٍ لم مهرج من مهرجي الملالي إلا وطبل وغنى فيه ملء الفم، ولم يحدد الملالي من المقصود بأغانيهم وردحهم فقد شملوا الجميع بجملة (أخضعنا القوى الاستكبارية لإرادة الجمهورية الإسلامية.. بما معناه إنهم يطلبون رضانا) أغنية لم يبقَ مغنٍ من المغنين في صلاة الجمعة الاستعراضية وغيرها إلا وغنى بها على الملأ وسمعها الغرب ولم يعلق وسمعوها في ألبانيا وسمعوا ما هو أكثر من ذلك ولم يعلقوا.

أجور ومكافآت مُجزية في إيران لقمع النساء

بعد أن غرر الملالي بالغرب وبمؤسسات النظام العالمي وكذب وزير خارجيتهم في مجلس حقوق الإنسان في جنيف حول العفو عاد النظام إلى طبيعته فلا عفواً كان ولا دورية إرشاد توقفت بل عادت أسوأ مما كانت وبتغطيات ومسميات احتيالية مختلفة كان آخرها نية النظام توظيف قوة قمعية تحت مسمى (حُراس الحِجاب) براتب شهري قدره 12 مليون تومان في حين أن رواتب العمال أقل من خمسة ملايين تومان، ولا بد أن تكون لهذه الوحوش التي يستخدمها النظام في قمع مكافآت إضافية تشجعهم على البطش بالنساء وإذلالهن، 12 مليون تومان تُدفع لأجل القمع ولا تُدفع من أجل إعاشة الفقراء والاهتمام بحالهم.

يحاول نظام الملالي اليوم أخذ تدابير قمعية واسعة في جميع أنحاء خوفاً من تجدد تصاعد الانتفاضة الوطنية في ظل مخاوف داخلية من احتدام مواجهات النظام مع النساء، وهذه المرة هي القاضية التي لا قيام للنظام وجنوده منها، ويدرك النظام مدى حجم ردود الأفعال المتوقعة من قبل الشعب، خاصة النساء بعد حجم القمع والدماء التي أُريقت على أرضية الشوارع بجميع أنحاء إيران، ولذلك يتحرك الملالي بشكل واسع اليوم في اتجاهين، الأول تعزيز قدراتهم القمعية في الداخل والعمل على خلق الأسباب التي يمكنهم من خلالها قمع قوى المعارضة، والمقاومة الإيرانية في الخارج، وتلك هي أحد مؤشرات تهالك النظام وبلوغه المراحل النهائية من عمره.

من جهتها، لم يعد لدى المرأة الإيرانية ما تخسره وستخوض معركتها المصيرية الأخيرة ضد الملالي بشجاعة واستبسال وأخالها معركة ثأر وتحرير مع النظام.

ليفانت - د.محمد الموسوي 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!