الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
لا تتستروا على قتل المرأة واستعبادها في إيران
عائشة الحسنات

قضية الإنسان في كل مكان قضية واحدة لا يجوز التجزأة ووضع أي استثناءات فيها، وقيمته عليا في كل مكان، وفي مقدمة الحقوق الإنسانية تأتي حقوق المرأة والطفل، وعلى الجميع أن يفهم بأنها -أي حقوق المرأة والطفل- حقوق مجتمع برمته وكرامة للإنسانية جمعاء.

وإن كنا على صواب فيجب أن نقر جميعاً بأن ما يقع بحق المرأة من اضطهاد وقتل وترويع وسجن وتعذيب وتشريد هو عار أصاب البشرية ولا نريد لهذا العار أن يتلبس البشرية، وسنبقى على طريق النضال من أجل المرأة والمجتمع وسنرتقي بها في مجتمعاتنا وندافع عنها في كل مكان، ومهما بلغ حجم ومستوى نهضة المرأة اليوم فيبقى دون مستوى الطموح والآمال.

يقتلون النساء والأطفال ويروعونهم في بلدانهم حتى بالأسلحة الكيميائية التكتيكية ويستحلون الحرمات، فكيف لهم إن احتلوا أو تمكنوا من بلدان أخرى بعد نشوة تسليح متقدمة، وتمكين القاصرين من السلاح يلهون به هنا وهناك؟ ثم إنهم إن كانوا قد نكلوا بشعوبهم فماذا سيفعلون بشعوب أخرى؟ الصور بشعة والحقائق مرة مريرة.

إنه لأمر يدعو إلى الشك والريبة والرعب مما نراه يحدث، وما يتهادى إلى مسامعنا حول ما تتعرض له المرأة في العالم وفي سوريا والعراق واليمن ولبنان، أما ما تتعرض له المرأة الإيرانية على وجه الخصوص وما تتعرض له بناتها الشابات والفتيات اليوم من ظلم وجور فقد وصل حداً مشيناً مخجلاً.. فبعد المساس بالكرامة يصل اليوم إلى الهجوم بالسلاح الكيميائي تحديداً وبشكل موجه على مدارس الفتيات، وقد تعرض لهذا الهجوم ما لا يقل عن 505 مدرسة في 109 مدينة بجميع أنحاء إيران، منذ 30 نوفمبر تشرين الثاني 2022، والحال في تصاعد والعالم يتستر على ما يجري ومواقفه مُتراخية مُشجعة للجناة على التمادي، وقد تتشدد الدول في قوانينها حرصاً على سلامة المجتمع، أما أن تضرب مدارس الفتيات القاصرات بالسلاح الكيميائي تكتيكياً كان أو محدوداً فهذا أمر لا تصدقه العقول ولا تقبله الضمائر ولا يحدث حتى في الحروب الطاحنة بين الأعداء.

تقول العرب في أمثالها وحكمها (العذر أقبح من الذنب) وهنا تبرير الجرم أقبح من الجرم نفسه، وقد كان تبرير تلك الهجمات أمراً صادماً فعلاً وما زال الهجوم الكيميائي على حاله والتبرير على أحواله، أما ما أصابنا بالذهول هو ما ورد في تقارير رسمية أممية تصف تلك الهجمات الكيميائية على المئات من مدارس البنات وما تتحدث عنها الأوساط الطبية من خطورة الأوضاع بأنه يأتي في إطار العنف ضد النساء وذلك وصفٌ مخيبٌ للآمال وغير منصفٍ للضحايا وذويهم.

أثار بعض الكتاب المخاوف من قبل حول إمكانية امتلاك إيران لأسلحة كيميائية وبيولوجية ومخاطرها على دول المنطقة أو وقوعها في أيدي ميليشيات إرهابية متطرفة كتلك التي نُسِب إليها مسؤولية الهجمات الكيميائية على مدارس البنات لإنهاء تعليم البنات، والحقيقة هي محاولات لمنع مشاركة الفتيات والشابات في المظاهرات السلمية بالانتفاضة الجارية في إيران لما كان لهن من تأثير ملهم في الانتفاضة الوطنية الإيرانية، وقد تم قمع الفتيات في مدارسهن وقُتِل البعض منهن في المدارس أو قُتِلن على أثر ضرب مبرح لهن داخل المدارس.

عند العودة إلى سجل حقوق الإنسان في إيران نجده من أسوأ وأحلك السجلات في العالم، أما سجل حقوق المرأة في إيران فنجده حافلاً بالقمع والإضطهاد، ونجد أن معدل إعدام المرأة في إيران من أعلى معدلات الإعدام في العالم، لكن الأكثر ألماً وفجعاً هو حالات القتل الشنيع الذي تعرضت له بعض الفتيات والشابات كإلقاء إحداهن من أعلى أسطح البنايات ليخترق حديد البناء أحشائها ويعقب ذلك التصرف الإجرامي النيل من ذويها على ردود أفعالهم لحزنهم على ابنتهم وإقامتهم عزاء تركيمياً لها، أو العثور على حالات موت شنيع لفتيات ملقيات في الشوارع حليقات رؤوسهن ومُهشمات، ومُكسرات الأيدي والأرجل، وبإضافة تلك الجرائم وجرائم أخرى سابقة إلى ما تعرضت وتتعرض له مدارس الفتيات في إيران لا يمكن اعتبارها جرائم تقع في إطار العنف الممنهج ضد النساء بل تدخل في إطار الجرائم ضد الإنسانية وهنا لا نأمل من الجهات الحقوقية التستر على ما تتعرض له الفتاة والمرأة الإيرانية، وما تتعرض له المرأة الإيرانية من عنف وممارسات منهجية لا إنسانية هو جزء من الفكر المُصدر من إيران إلى غيرها، وهنا يكون التستر على تلك الجرائم أحد الدوافع المشجعة على تصدير هذا النوع من الجرائم والفكر الإبادي للمنطقة وكل مكان بالعالم وعندها سنُلقي على الأمان والسلام آخر نظرة وداع.

لم يقتصر انتهاك حقوق المرأة في إيران على القتل فحسب، بل وصل إلى حد استعبادها من خلال مجموعة من الفرضيات غير اللائقة شرعاً وقانوناً خاصة بعد أن كرم الإسلام المرأة وألغت العبودية ولا تقدمية بعد تقدمية الإسلام المحمدي الأصيل؛ لكن عبودية المرأة لا تزال قائمةً في إيران ويخشون من تحررها ونيل حقوقها المشروعة وهي حقوق مجتمع بأسره.

سنبقى أصواتاً حرة من أجل حقوق المرأة أينما كانت، ومن أجل الحق والعدل والإنسانية، ونحمد الله على سلامة أوطاننا من هذا النهج الإبادي اللاإنساني وهذا الفكر الرجعي الهدام، وندعو المؤسسات الدولية إلى حماية شرعيتها المنتهكة انتهاكاً صارخاً خاصة في فلسطين المحتلة وإيران المغتصبة، ونسأل الله العفو والعافية.

ليفانت - عائشة الحسنات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!