الوضع المظلم
الأحد ٢٨ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • لأن العسكرة وحدها لا تشيد أمةً قوية.. الانكسارات التركية تتوالى

لأن العسكرة وحدها لا تشيد أمةً قوية.. الانكسارات التركية تتوالى
تركيا والعثمانية الجديدة ليفانت نيوز

أخذها الغرور بالطائرات المسيرة إلى أبعد الحدود، فوزعت التهديدات يمنة ويسرة.. لم تتذكر أن العالم يضم دولاً أقوى، وأن القوة وحدة ليست كافية لإعادة إمبراطورية ولى عهدها، فالإمكانات الاقتصادية والخبرات العلمية في مختلف المجالات، التي تتوفر فعلاً في أمم ودول أخرى، تبقيها ملتزمة بالقانون الدولي، ومُحترمة لحقوق وحدود جيرانها، دون أن تأخذها العنجهية إلى ما وصلت إليه أنقرة.


اقرأ أيضاً: الليرة التركية.. عندما يدفع الشعب ثمن عدوانية السلطة

فالأخيرة، لم تصحو على نفسها، إلا وقد أضحت مهزومة سياسياً، وحيدةً تحالفياً، ومتهمةً في عيون كل ما يراقب المشهد التركي خلال العقد الاخير، بدعم وتمويل التنظيمات الإرهابية وتشكيل المليشيات المُرتزقة، وشن الحروب الظالمة بحق جيرانها، وتنفيذ سياسات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، مستغلة الفوضى والفلتان الأمني في دول كسوريا وليبيا.




الليرة التركية \ ليفانت نيوز الليرة التركية \ ليفانت نيوز

على الصعيد الإماراتي


لم تقتصر العدوانية التركية على دول الجوار فحسب، بل شملت كل ما تعتبره أنقرة حقاً تاريخياً ينبغي استعادته، بما فيها منطقة الخليج العربي التي خضعت للاحتلال العثماني يوماً، وبالتالي طال العداء التركي دولاً كالإمارات، التي شهدت علاقاتها مع تركيا توتراً متصاعداً على مدار السنوات الماضية، بسبب قضايا عدة على رأسها دعم تركيا لقطر، وتنظيمات الإخوان المسلمين في ليبيا وسوريا واليمن، والاتهامات المتبادلة بالتجسس وإبرام الإمارات اتفاق التطبيع مع إسرائيل، ومزايدة أنقرة عليها في ذلك الملف.


لكن أنقرة عادت أخيراً إلى محاولة ترتيب العلاقة مع أبو ظبي، من بوابة المصالح المشتركة، فاعتبر السفير التركي لدى أبو ظبي توجاي تونشير في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي، أن مشاركة بلاده في معرض "إكسبو 2020 دبي" تعلن بدء حقبة جديدة في العلاقات بين تركيا والإمارات، موضحاً أن حجم تجارة تركيا مع الإمارات يبلغ 8.5 مليار دولار في ظل نمو حركة التجارة بين البلدين، مشيراً إلى أن الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، شهدت زيادة تقترب من 100%.


اقرأ أيضاً: واشنطن والضاحية الجنوبية.. مواجهة متعددة الأوجه مع المدّ الإيراني

وبطبيعة الحال لم يأتي الموقف التركي، إلا نتيجة تدهور الاقتصادي، حيث دفعت الليرة التركية ثمن قرارات أردوغان السياسية، وتدخلاته في الاقتصاد، وقد رجح تقرير لوكالة بلومبرج الأمريكية، في الرابع والعشرين من أكتوبر، هبوط الليرة مجدداً مقابل الدولار عقب عمليات بيع مكثفة نتيجة أزمة السفراء، التي هدد فيها أردوغان بطرد عشرة منهم، كان من ضمنهم السفير الأمريكي، نتيجة مطالبتهم بالإفراج عن المعارض التركي عثمان كافالا.


وقد تكللت جهود التهدئة التركية مع الإمارات، بزيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لأنقرة، وهي زيارة شهدت توقيع جملة من الاتفاقات الاقتصادية الظاهرة، لكن ما أخفته تلك الزيارة هو الأهم، اذ توقع مراقبون أنها حملت اشتراطات إماراتية في ملف الإخوان المسلمين، ما قد يعني قصقصة المزيد من أجنحة التنظيم الإرهابي، ليرتد ذلك إيجابياً على الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن وغيرها.


على الصعيد الكردي


أما داخلياً، فعقب تملصه من تعهداته السابقة للشعب الكردي في تركيا، بتوقيع اتفاق للسلام مع القوى الكردية هناك، والتي انتهت فعلياً في العام 2013، ومع دنو الانتخابات الرئاسية في العام 2023، يحاول أردوغان أن يكسب ودهم من جديد، إذ قالت صحيفة زمان التركية المعارضة في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي، أنها استحوذت على معلومات من مصادر أمنية، تشير إلى أن أردوغان كلف جهاز الاستخبارات بتنظيم مفاوضات سلام جديدة مع الكورد.


اقرأ أيضاً: أنقرة ومساعي المحاصصة مع دمشق.. زمن المقايضات التي ولّت

ونوهت الصحيفة إلى أن بـ"نظام حزب العدالة والتنمية وجد الحل مرة أخرى لدى المواطنين الأكراد"، وذلك بعد أن علق "في كل من السياسة الداخلية والخارجية، والذي انخفض معدل التصويت فيه إلى 30 في المائة قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في عام 2023"، مشيرةً إلى أنه يزعم في هذا السياق أن الجانبين عقدا مجموعة لقاءات في العاصمة البلجيكية بروكسل، بينما تمت "دعوة بعض الأسماء من حزب الشعوب الديمقراطية، لحضور الاجتماعات.


لكن "الحزب رفض المشاركة، لأنهم يثقون أن الخطوة المعنية تنبع من حقيقة أن الرئيس أردوغان بحاجة إلى تصويت الأكراد لإعادة انتخابه"، وبمعنى أدق، أن أردوغان يريد أن يستغل مشاعر الكورد التواقين إلى السلام ووقف إراقة الدماء من جديد، كما فعلها مع بداية وصوله إلى السلطة في العام 2002.


على الصعدّ المصرية والإسرائيلية


ومع تواصل الانهيار الاقتصادي، فرقت شرطة مكافحة الشغب التركية في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، احتجاجاً في إسطنبول، مندداً بالسياسات الاقتصادية للحكومة وارتفاع تكاليف المعيشة، حيث ردد المتظاهرون هتافات تطالب باستقالة حكومة أردوغان، وذلك وسط تضخم متزايد أدى إلى تآكل شديد في القدرة الشرائية للمواطن، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض حاد في قيمة الليرة التركية أعقب سلسلة من تخفيض أسعار الفائدة.


اقرأ أيضاً: بايدن وبوتين.. والتطبيع المعتمد على تطابق المصالح القصوى

ضغوطٌ، دفعت أردوغان للمزيد من التراجع، فقال الأخير في التاسع والعشرين من نوفمبر، إن أنقرة، ستتخذ خطوات تقارب مماثلة مع مصر وإسرائيل، عقب المحادثات مع الإمارات، وفق ما نقلته وكالة "رويترز"، وتابع مجيباً على سؤال حول العلاقات مع تل أبيب والقاهرة: "مهما كانت الخطوة التي تم اتخاذها مع الإمارات، سنتخذ خطوات مماثلة مع الآخرين"، لتؤكد مفردة "مهما"، جاهزية أنقرة لتنفيذ المطالب المصري والإسرائيلية كلاً على حدا بغية تطبيع العلاقات.


ورغم ذلك، استمرت الليرة التركية بالسقوط من حالق إلى أعماق جديدة مقابل الدولار الأمريكي واليورو في ختام خامس أسوأ شهر لها على الإطلاق، نهاية نوفمبر الماضي، حيث هبطت الليرة 5% إلى مستوى قياسي منخفض جديد عند 13.4515 مقابل الدولار في الثلاثين من ذلك الشهر، متجاوزة المستوى المنخفض الذي سجلته سابقاً، لتخسر معها الليرة 45% من قيمتها منذ بداية العام، و29% في نوفمبر وحده، أمام العملة الأمريكية.


على الصعيد السعودي والخليجي العام


ليتجه أردوغان، في الأول من ديسمبر، إلى السعودية، قائلاً: "سنعمل على الارتقاء بالعلاقات مع السعودية إلى مكانة أفضل"، ومنها انطلق إلى كامل الخليج، بتصريحات ودودة ساعية إلى كسب قلوبهم، فقال أردوغان في السادس من ديسمبر، أن بلاده تؤيد استمرار "روابطها وتضامنها" مع جميع دول الخليج من خلال تقوية العلاقات المستقبلية".


اقرأ أيضاً: المناخ يُخيّر البشرية.. الاستجابة الحقيقية أو الفناء الجماعي

لكن ورغم ذلك، لم ينجح أردوغان في الحصول على فرصة اللقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قطر، حيث تزامنت زيارته مع زيارة للأمير، وقد أكدت مصادر لوكالة "رويترز"، إن الرئيس التركي سعى للقاء ولي العهد السعودي، غير أن عدم التوافق في برامجهما حال دون ذلك، لتكون إشارة من السعودية، إلى أن السياسات التركية لم تتغير بعد بما يلبي مطالب الرياض، دون إغلاق الباب كاملاً أمام ذلك في المستقبل.


وعلى الرغم من كل التنازلات التي يمكن أن يقدم عليها أردوغان شرقاً وغرباً، لكنها في الغالب لن تؤتي أكلاً، فالرئيس التركي بات عارياً سياسياً أمام خصومه وحلفائه "المفترضين"، والاخطاء التي أرتكبها داخلياً وخارجياً، لن تمسح بمنحه فرصة جديدة للحكم، ولعل السنتين المتبقيتين له حتى الانتخابات، ستكونان الأصعب عليه وعلى الشعب التركي ككل.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!