الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
لأجل فيينا.. كل الحب والسلام
غسان المفلح







لم يتسنَّ لي حتى لحظة كتابة هذا المقال، معرفة هل الإرهاب الذي ضرب فيينا، هو إرهاب إسلامي أم لا، مع ذلك افترضت أنّه إسلامي، باعتبارها كما يقال “ثورة وثايرة”، هذه العملية الإرهابيّة في فيينا وقبلها عمليات حدثت في باريس، تحتم علينا ألا نصمت عن هذا الإجرام الذي حوّل المسلم في أوروبا إلى متّهم حتى يثبت العكس، بفضل هذه القوى الظلاميّة.


فيما عدا “إلا رسول الله”، الآن كل شيء في العالم يمنع ظهور المسلمين كجماعة، لكن كما يتخيل أصحابها هذا الشعار “إلا رسول الله” سيحوّلهم إلى “الجماعة الإسلاميّة” بأل التعريف، لكن التاريخ يقول إنّه لا “حملة إلا رسول الله”، ولا سرديات المظلومية، ولا الإسلام السياسي، ولا الإخوان المسلمون، ولا العدمية الإسلامية، ولا العدمية النافية لحق المسلم في العيش كغيره، ولا المتخيل الإمبراطوري الماضوي للإسلام السياسي، قادرون على بناء “الجماعة الإسلامية”، فالتاريخ نفسه لا يسمح، لأنّ الحياة أكبر من كل هذه السرديات.


عبارتان تشلّان الفكر الإنساني الآن “أزمة الإسلام” وعبارة “إلا رسول الله”، لما تحملانه من تنميط عنصري وإكراهي وتهديد وتجييش وخطاب تافه وبلا مضمون تاريخي، تكمن خلفه مصالح كبرى وصغرى، لأنّها تزيل أي صفة قانونية أو مواطنيّة عن “المسلم الصغير”.


ألم يقل الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون” إنّ الإرهاب الإسلامي 80% ضحاياه من المسلمين، الضحايا هم من المسلمين الصغار نعم.. هؤلاء لم يعد لهم تعريف، وأي تعريف، خارج أنّهم “مسلمون”، لهذا قتلهم وتنميطهم سهل ومريح لهذه المصالح.


التاريخ الآن يقول بالدول المتصارعة والمتنافسة، وبالطبقات المتصارعة أيضاً، بالسلطات السياسية، وبتلاقي المصالح الكبرى والصغرى أو تصارعها، لا يوجد ما يمكن أن يجمع هؤلاء، لا أديان ولا أيدولوجيات ولا سياسة، عالم بوصفه حقل صراع على الثروة والسلطة بشكل أساسي ورئيسي، بقية الصراعات طائفية أو دينية أو غيرها، مهما طفت على السطح، هي صراعات ملحقة. 


هنالك شبه توافق على نزعة ثقافية أو ثقافوية لا فرق في سياقنا، حيث تملأ الإعلام والسوشيال ميديا في معالجتها لموضوع الإسلام والإرهاب الإسلامي، كما هنالك من يقف ضد المسلم الصغير في نيل حقوقه كمواطن في بلده، وهنالك من يرى الإسلام في أزمة ويريد إصلاحه، وهنالك يساري تحوّل إلى علماني أي إنّ العلمانية بديل للتحليل الطبقي، أيضاً، فهو يريد أن يقول كلمته، كثيرة هذه النماذج التي تحاول أن تدلو بدلوها في هذه المعمعة، إلا أنّها تجتمع في محاولتها البحث في النصّ والتاريخ الإسلامي كوثيقة.


الكل يستطيع أن يجلب من القرآن الكريم أو الأحاديث أو التجربة الإسلامية ما يريد من شواهد تثبت أيضاً ما يريده هو مسبقاً، هنالك من يدافع عن الإسلام كما هو أيضاً، ويشارك في نفس المعمعة ونفس المصادر بالاستشهاد بما أسلفت.


هذه المحاولات رغم غنى بعضها، إلا أنّها تحاول تجاهل حقل الصراع في التاريخ الراهن واشتراطاته، لأنّه لو فككت شيفرة هذا الراهن، لانتفت كل مسبقاتها التي تحملها، دون الدخول إلى عالم هذه المسبقات، وهي كثيرة ولا يتّسع لها المجال، حيث نجد خلافاً بين مسبقات باحث مغربي مثلاً مع مسبقات باحث سوري، ومسبقات باحث إسلامي غير مسبقات باحث علماني غير مسبقات آخر مسيحي أو من مذاهب أخرى.


إذاً، الجواب على أسئلتنا فيما يتعلّق بالإسلام والمسلمين والإرهاب الإسلامي وغير الإسلامي، موجود في الحاضر والرهان وقواه ومصالحه وسياساته والوضعيات الاقتصادية والاجتماعية المسيطر عليها والمهيمن عليها أيضاً، لذا فأعتقد الخروج من هذا النفق يكمن في علاج الحاضر من أجل المستقبل. فما هو حاضرنا، وما هي القوى التي تتحكم به؟ وكيف يمكننا التحرّر من هذه الاشتراطات من أجل عالم أفضل؟ بناء على ذلك يجري الحديث عند بعضنا كما ذكرت أعلاه عن ضرورة إصلاح إسلامي.


وعلى فرض قبلنا بهذه الأطروحة، فمن هو المصلح؟ ومن هي المؤسسات الدينية والتربوية والأكاديمية والاجتماعية، وبالتالي الإرادة السياسية للدولة؟ أعطونا مثالاً واحداً في العالم العربي أو الشرق أوسطي، جرى فيه إصلاح إسلامي في ظلّ سلطة ديكتاتورية؟ فمثال أوروبا عن الإصلاح الديني، تبنته البرجوازية الصاعدة، وعندما قضت على الإقطاع والملكية أبعدت الدين عن الحقل السياسي كمسيطر.


لدينا في عالمنا الآن كوكبة كبيرة من الأسماء التي تدعو للإصلاح الإسلامي، ولديها مشاريع كاملة ومنجزة، وغالبيتهم مفكرون من منبت إسلامي. ما نفتقده هو إدارة السياسة ببساطة، ولهذا الإرهاب الإسلامي بحاجة للتعامل الدولي المسيطر معه والمسيطر على بلداننا كونه ملفاً سياسياً، يحتاج لدعم التيارات السياسية الديمقراطية والعلمانية، وقيام دولة قانون وحريات، كما يحتاج للتعامل مع هذا التطرّف في الدول الأوروبية بوصفه ملفاً أمنياً، إلا أنه ما يحدث هو العكس تماماً، ففي بلداننا يتعاملون معه كملف أمني يخدم الديكتاتوريات وتراتبيات السيطرة والمصالح، وفي أوروبا يتعاملون معه بوصفه ملفاً سياسياً خاضعاً للعبة السياسة والانتخابات للأسف، فالأوروبيون قادرون على تجفيف منابع الإرهاب في دول أوروبا.


في النهاية، كسوري يعيش شعبه مأساة تحت خمسة احتلالات كبرى وصغرى -أمريكا، إيران، روسيا، تركيا، وميليشيات الأسد- منذ عشر سنوات، لأنّهم طالبوا بالحرية، لا يمكنني قراءة هذا الملف على أنّه ملف سياسي.


وأختم هذه المادة بتعليق للناشط “فراس الرحيم”، كتب من إدلب المحاصرة، إدلب تحت النار: 


“سيّدي النّبي: أخبرهم أنّك غاضب لأجلنا عسى يغضبوا لأجلك

سيّدي النّبي: عشر سنوات ونحن نموتُ حَرقاً وشنقاً وغَرَقاً، فما قاطعوا بقرةً ضاحكةً، ولا دُبّاً نجساً

قل لهم يا سيّدي النّبي إنّ أمّةً حرّكها رسمٌ ولم تحرّكها مجزرة الكيماوي؛ هي بلا ريب أمّةٌ مختلّةٌ عقيدةً وعقلاً

أطفالنا في الخيام جوعى ويتربّص بهم شتاء طويل وليس من أملٍ لهم إلّا بأموالٍ سترسلها كل الأمم باستثناء أمّتك

حرّكتهم عاطفة صراع الإمبراطوريّات وليس محبّتك.. فلا تصدّقهم يا سيّدي النّبي

قل لهم إنّ من يحب الله عليه بأن يحبّ عيالَ الله في سوريا

قل لهم يا سيّدي النّبي”.


السلام والحياة للإنسان أينما كان.. وكل التضامن مع الشعب النمساوي فيينا لا تستحق سوى الحب.



ليفانت – غسان المفلح








النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!