-
كي لا نَقتل الوطن "2"
خصوصيّة الحالة المجتمعيّة السوريّة
لقد كان من الوضوح بمكان، ومنذ بداية الأحداث في (آذار 2011)، أنّ هنالك إشكاليّة عميقة في الوعي السياسي في المجتمع السوري، نتكلّم هنا عن الأطراف المتنازعة المتمثّلة بالنظام القائم وبالفئة التي فرضت نفسها تحت مسمّى المعارضة. إنّ عدم نضج الوعي السياسي وانعدام الخبرة السياسيّة والقانونيّة وغياب التعدّدية والتمرّس في العمل السياسي لدى تلك الأطراف زاد المشهد تعقيداً وكشف التناقض في الطروحات.
ولعلّ هذه الإشكاليّة التي ظهرت يمكن أن تشكّل اليوم إحدى ركائز العمل السياسي الجديد، بمعنى أنّ الدافع في المرحلة القادمة سيكون مضاعفاً فيما يخصّ الإصلاح السياسي. لا سيّما في مجتمع تم إقصاء مؤسّساته وإضعافها بالقهر السياسي.
لابدّ في هذا المقام من الإشارة إلى دور المؤسّسة العسكريّة في الصراع القائم، والتي أُقحمت في خضم المواجهات لتصبح مشاركاً وفاعلاً، مما يجعلها خاضعة لقانون المحاسبة عند البدء بتطبيق العدالة الانتقاليّة، وبالتالي إنزال القصاص بمن ارتكب جرائم وانتهاكات وإنشاء محكمة خاصة لمعاقبة كلّ المجرمين.
إذن فإنّ بدء العمل على ورقة المصالحة الوطنيّة يدعم بالضرورة العمليّة السياسيّة إذا كان هنالك نيّة لدى جميع الأطراف لبدء مرحلةٍ سياسيّةٍ على أسس متطوّرة ومتناسبة مع مستويات المرحلة المجتمعيّة. إنّ الاستعداد لإحياء وإصلاح الحياة السياسيّة شرط أساسي لبناء أي جسر للعبور لمرحلة مستقرّة تقوم على رصّ الصف الوطني دون مزاودات أ وفرض وصاية أو تخوين. إنّ الوعي بضرورة التغيير تستلزم تحييد الأصوات غير المؤمنة بضرورة التغيير والتطوير، ودون دعم جدّي من النظام القائم باعتبار المنظومة الأكثر قوّة وتأثير لا يمكن أن تبدأ المرحلة التالية.
يمكن لنا هنا أن نستعير مفهوم العزل السياسي من التجربة العراقيّة، والتي تهدف إلى تطهير مؤسّسات الدولة من البيروقراطية وتجريد عناصر الفساد من الشرعيّة، وبالتالي استبعادها من العملية السياسيّة الوطنيّة. إنّه نوع من العقاب على ما تسبّبوا به من خلل السياسي وشكل من أشكال رفض المجتمع لهذا السلوكيّات، كما أنّه إنذار وتحذير لمن يتقلّد، مستقبلاً، مناصب مشابهة من مصير مماثل. وهو يسهم أيضاً في تعزيز ثقة الأفراد في سيادة العدالة وفي قدرة مؤسّسات الدولة على إنفاذ القانون وإحلال القضاء المستقل.
إنّ دور النّظام القائم يُعتبر حاسماً في هذه المرحلة، خاصّة في ظلّ انعدام ثقة أغلب المواطنين بمؤسّسات الدولة، وافتقار الأخيرة إلى احترام حقوق الإنسان، وإلى سيادة القانون، لا بدّ إذاً من وجود إرادة سياسيّة حقيقيّة لدى الرجالات الوطنيّة في هذا النظام من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة أكثر تطوّراً يتسيّد فيها القانون ويتمتّع فيها القضاء بالاستقلال التام.
إنّ الإصلاح المؤسّساتي يسهم في العمل بالقضاء على عوامل الاضطراب المجتمعي، بمعنى أنّ تبنّي إصلاحات في مؤسّسات الدولة وقوانينها وسياساتها، يؤدّي إلى إزالة شروط الصراع أو الثورة، وبالتالي سيعزّز من استقرار الوعي المجتمعي وينفي أسباب النزاع. يمكن تحقيق هذا الإصلاح عن طريق إعادة الهيكلة وتحديث القوانين والنظم الداخلية وإعادة النظر في المنهجيّة الإداريّة المتّبعة. وجوهر هذا الإصلاح لا يمكن أن يتم إلّا من خلال البدء بإصلاح النظام القضائي والتشريعي وأجهزة أمن الدولة وبدون البدء من هذه المؤسّسات تُعتبر أية عمليّة محاسبة ناقصة وتؤدّي بالضرورة إلى فشل عمليّة الإصلاح.
من أجل التمهيد لمرحلة المصالة الوطنيّة يجب أن نبدأ من حيث نقف جميعاً، من لحظة قتل الوطن. إذا لم تُدرك جميع الأطراف أنّها في صدد قتل الوطن داخل كل مواطن، عن قصد أو عن غيره، لن تدرك أنّ الوقت قد حان للبدء بالمصالحة. دون وجود هذا الوعي لا يمكن المباشرة في العمل. فالأولويّة إذن الآن للحوار وتبادل الآراء والأفكار والاستماع للجميع من قبل الجميع.
لابدّ إذن أن يطرح كل طرف على نفسه السؤال حول ماهيّة أولويّاته، إن كان الجواب هو الوطن، إذن فلا بدّ من أن يفتح ذراعيه وأذنيه للآخر الذي هو جزء من هذا الوطن، أينما كان وكائناً من يكن. القول بغير هذا في هذه المرحلة، ودون أن أقصد أي نوع من فرض الوصاية، يجعل الاقتناع بمستوى الوطنيّة مشكوك فيه.
هذا المقال وغيره، ليس أكثر من دعوة لكل من يقرأ أن يُخضع نفسه لذلك السؤال. ومن يملك جُرأة الطرح لابدّ من أن يملك جُرأة الإجابة وجُرأة المصارحة، ولابدّ من أن يملك حريّة الحوار من أجل الوطن، والوطن فقط، وأن لا يأبه من أن يتم حرقه أو اغتياله على مذابح السياسة العالميّة، حيث إنّ عمليّة اغتيال وطننا السوري، وعلى جميع المستويات، عمليّة مقصودة قائمة ومستمرّة.
ليفانت - منال محمود
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!