الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
كينونة المجتمع والقادة في علم النفس السياسي
باسل كويفي

تتصف الكائنات الحية بخصال عديدة ومتباينة، تتراوح وتتباين فيها بين الشراسة والقسوة والجمال والحقد والعطاء من ذات الإطار تتفاعل النفس البشرية بصفات أعظم مهنا الكرم والنزاهة والطموح والأخلاق، إضافة إلى الغباء أو التغابي وغرابة الأطوار، إننا من حيث الواقع خليط معقد من الخير والشر، تواكبها معجزات التطور والتغيير، تلك هي الطبائع البشرية والإنسانية واختلافها من فرد لآخر وتأثير البيئة الحاضنة بالنفسية الداخلية للفرد.

أما على مستوى العلاقة بين علم النفس وعلم السياسة فتتفرع إلى نظريات سياسية وعلاقات دولية ونظم سياسية وسياسيات عامة وخارجية وتنظيمات وقوانين دولية وغيرها، تؤكد أن الفاعل الأساسي في كل هذه التخصصات هو “الإنسان“، مصدر التفاعلات المختلفة بين السلام والحرب بين التعاون أو التنافر.. مما يدفعنا للبحث حول الصراعات القائمة بين الأفراد والشعوب والدول ومرجعيتها الدينية أو القومية أو الأيديولوجية أو الاستعمارية أو العدوانية.

إن الإحساس بالدونية داخل العمق النفسي للإنسان في بلاد المشرق تجاه العقلية والحضارة الغربية الآخذة بالارتباك والضعف على ما يبدو في هذه الحقبة (بعيداً عن الدين والمعتقد، نتيجة الاستعمار)، هو أحد المعوقات لتطور الوعي العام وبالتالي تباطؤ إنتاج وخلق المشروع الحضارى الخاص، بها مما يدفعنا إلى التركيز الرئيس لتطوير الفكر والعقل نحو نهج جذري "لإزالة الصورة النفسية الاستعمارية المتحكمة في هذا الفكر" وبناء مفهوم خاص للعدالة الاجتماعية وبناء المجتمع مبنى على الأساس الشرقي الغني بالبعد الروحي والثقافات والحضارات الإنسانية الممتدة جذورها لآلاف السنين.

إننا جميعاً كمفكرين ومثقفين شرقيين نحمل أصول الجذور الروحية الشرقية التي تمكننا من المشاركة في بناء بديل متوازن متطور قائم على الذات مع الاستفادة من إيجابيات الفكر الغربي وثقافته التي تتلاءم وتتواءم مع متطلبات مجتماعتنا النهضوية في مشاريع إصلاحية تنموية مستدامة جذورها في أرضنا وآفاقها عنان السماء وبناؤها تشيده المصالح المشتركة والتعاون الواعي المتكامل، (دون التقليل من شأن الثقافة الغربية بخصوص ملفات الديموقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون).

علم النفس السياسي هو مجال أكاديمي متعدد الاختصاصات، يقوم على فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور نفسي. وتعتبر العلاقة بين السياسة وعلم النفس ثنائية الاتجاه؛ فيستخدم العلماء علم النفس كمرآة لفهم السياسة، وكذلك السياسة مرآة لعلم النفس.

وبالتالي نعتقد أن الطبيعة والبنية السيكولوجية للقادة السياسيين والساسة ورجال الدين هي التي تدفع إلى حد ما للحروب وانهيار الأمم (هتلر أو موسوليني أو فرانكو) وبعد صعود اليمين المتطرف وظهور نظرية “الدومينو أو ظاهرة انتشار العدوى” مما يسمح بقيام واستمرار الحروب الدامية، بدلاً من الاستقرار والأمن والسلام، في ظل تطور ظواهر العنف والتطرف والقتل والتخلف والفقر والفساد بين الشعوب بل بين أبناء الشعب الواحد، الحقيقة الواقعية بمجال علم النفس السياسي تتطلب تفسير أسباب الظواهر المختلفة الراهنة في المجتمع سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الوضع العالمي أجمع، وربط العلاقة الوثيقة بين النفس البشرية وبين السياسة والساسة والقادة والشعوب والظواهر السياسية المختلفة.

وعند مناقشة تلك التفاصيل مع النخب الثقافية والأكاديمية والشخصيات الوطنية، فإنهم يؤكدون على الطبيعة الإيجابية والتعاونية للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بين أفراد المجتمع من جهة وبين المجتمع والسلطة الحاكمة من جهة أخرى، وبين سلطات الدول المتجاورة من طرف آخر، وبين الديبلوماسية الناعمة بين الدول عامة التي تحقق مصالح مشتركة تهدف إلى بناء السلام المستدام وتعزيز الأطر الإنسانية بين شعوب العالم.

إن السلوك السياسي هو عملية إدارة تهدف إلى تخفيف التوتر الاجتماعي وحل جماعي للمشكلات والصراعات والاستفادة من مساحات الاتفاق لاتخاذ قرار جماعي وخلق حالة من التعاون على الرغم من التباين الموجود، للدفع نحو منهج يشعر معها الجميع بتوازن ديناميكي واستفادة جماعية (عقد اجتماعي حديث) "كونفوشيوس - أرسطو - ديكارت -  روسو".

نحن نعرف أن العنصرية البنيوية تُضعف المجتمعات وتجعل الدول أقل ازدهاراً واستقراراً وإنصافاً وتُقوّض السلام والديمقراطية وسيادة القانون وتضر الجميع، مما يحتم علينا مناهضة أنظمة الظلم العنصري المنتشرة في مختلف أنحاء العالم.

لقد ظلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة -وما زالت- تتصرف كأنها بعيدة عن أي مساءلات ومحاسبات قانونية دولية، وبعنجهية وصلف متراكم بدأت تظهر ملامحه من الشرخ الذي يتشكل الآن في المجتمع الإسرائيلي، فهو ليس مجرد احتجاج ضد نتنياهو واليمين المتطرف، وسياساتهم العنصرية وثقافتهم العدوانية، بل هو مشهد بصري ظاهر وخلفه، ثمة استقطاب وخلاف سياسي واجتماعي واقتصادي وأمني وعسكري مرير تشهده أنظمتهم، ممتد منذ تأسيس الكيان الصهيوني وحتى الآن، أساسه الصراع على الهوية القومية والدينية والعنصرية والشرقيين والغربيين.. والاستيطان والتوسع والعنجهية والغطرسة العسكرية، وصولاً الى تسييس النظام القضائي وتعديله كجزء من المسار السياسي وتقلباته.

يشهد العالم في الوقت الحالي انعطافة حادة في السياسات والتوازنات الإقليمية والدولية ازدادت وضوحاً بعد الحرب في أوكرانيا، عملت وساهمت في التغييرات السريعة التي تحدد دور ومواقع وأحجام الدول لدى المدركين للعبة الأمم، (القمة الروسية الصينية في موسكو، الاتفاق السعودي - الإيراني في بكين، تخفيض طوعي لإنتاج النفط بتوافق سعودي - روسي لمواجهة شبح الركود).

وكانت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا قد أشادت بإيجابية لطلبات الانضمام إلى مجموعة البريكس من السعودية والإمارات ومصر. من جهتها أوضحت مونيكا كرولي، مساعدة وزيرة الخارجية السابقة للشؤون العامة بوزارة الخزانة الأمريكية، في قناة فوكس نيوز، آخر الشهر الماضي، انعكاسات ابتعاد الاقتصادات الناشئة عن الدولار الأمريكي باتجاه اليوان الصيني، محذّرة من نهاية الدولار الأمريكي في وضع العملة الاحتياطية في العالم الذي كان "امتيازاً حقيقياً".

في نفس السياق، تبنّت روسيا الاتحادية الأسبوع الماضي استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية اعتمدها الرئيس بوتين، تعتبر الغرب مصدر "تهديدات وجودية" لموسكو، فيما تُصنف الصين والهند دولتين صديقتين.

وبحسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز ذائعة الصيت "تراقب الصين الصراع في أوكرانيا والصراع غير المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا وترى فيما يحدث مصدر دروس لا تقدر بثمن".

من زاوية أخرى، نسمع مجدداً عن رؤية أمريكية لم نشهدها بالتنفيذ سوى عبر التسييس.

اقتباس: "قانون الهشاشة العالمي المدعوم من الحزبين والأطراف المعنية الرئيسة من المجتمع المدني المحلي وقادة المجتمع والأكاديميين والقطاع الخاص، من خلال التنسيق المكثّف والتقييم المستمر والمراقبة لمعالجة دوافع الصراع والعنف بشكل جماعي ولدعم البلدان المتعاونة معهم في السعي لتحقيق السلام ولمنع الصراع وتعزيز الاستقرار مع البلدان والمناطق الشريكة ذات الأولوية. وهي خطوة نحو سلام عالمي أكبر. وترى هذه الخطط أن أكثر التحديات إلحاحاً في عصرنا تتعدّى الحدود الوطنية ولكن من خلال التعاون، لإمكانية معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف وعدم الاستقرار قبل اندلاع النزاعات أو تصعيدها، وتستخدم البيانات والأدلة لإيصال المعلومات لصانعي القرارات وتدمج مشاركة القطاع الدبلوماسي والتنموي والأمني، سوية مع المساعدات الخارجية، وغالباً ما تكون أكثر الدول تضرراً هي الدول التي تتمتع بأقل قدر من الموارد للتعافي، وبالتالي حشد العالم للاستجابة في وقت الأزمات وتخفيف الآثار على المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، ومواصلة تلبية المطالب الملحة والتطلع إلى الاستثمارات التي توفر مستقبلاً أكثر سلاماً للناس في كل مكان، بما في ذلك في الولايات المتحدة، مع القيام باستثمارات استراتيجية في الوقاية للتخفيف من نقاط الضعف الكامنة التي قد تؤدي إلى نشوب الصراع وأعمال العنف والتي هي ضرورية لتحقيق السلام الدائم، مع الالتزام بدعم حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد وتضخيم العمل الرامي إلى الوقاية وبناء القدرات، بما في ذلك أصوات النساء والشباب، إدراكاً لحقيقة أن الأقرب إلى التحديات هم أكثر من يعرف ما هو مطلوب لتحقيق السلام والتقدم".

لكل ما تقدم نلاحظ أنه من الطبيعي أن يكون السوريون في الداخل والشتات مهتمين بشأن بلدهم في ظل المتغيرات العميقة في السياسات الإقليمية والدولية، للخروج الآمن بالملف السوري نحو الاستقرار والسلام المستدام الذي برمته مرتبط بالحل السياسي وجوهره القرار الأممي 2254 وتنفيذه بالنكهة والطعم السوري بعيداً عن تسييسه وفق نظريات الفرض والانكسار، للوصول إلى منصّة وطنية جامعة للسوريين تحدد بشكل واقعي متطلبات وإرادة الشعب السوري بشكل متوازن يحفظ حقوق الجميع ضمن سلة الوطن الواحد، ويعزّز فرصاً اقتصادية - اجتماعية واعدة تدفع بالملف المعيشي للمواطنين نحو الأفضل وتتجاوز جميع مراحل الألم والأوجاع.

بين بوادر ظهور مرحلة نضوب الانقسام العربي والإقليمي والدولي حول الملف السوري ومدى عمق العقوبات الاقتصادية الجائرة التي تم فرضها على سوريا وألحقت أضراراً بليغة بالشعب السوري، قد تكون المرحلة القادمة إعادة البناء وإعادة تدوير الإنتاج بما يساهم في الخلاص من رواسب الحرب وغضب الطبيعة (الجفاف والزلازل) التي لحقت بالسوريين، في ظل انفتاح سياسي وديبلوماسي ملحوظ ضمن واقع نحتاجه أكثر من أي وقت مضى.

علينا أن نتعاطى محلياً مع المستقبل في سوريا برؤية تنتمي إلى التنوير والحداثة، عبر مشروع نهضوي تنويري حديث يستجيب لقيّم المواطنة والفسيفساء السوري المتنوع، وينأى عن التبعية للخارج أو الاستقواء به، ويحقق الديمقراطية ويعزّز منظومة حقوق الإنسان.

نحن نقف عند منعطف طريق في التاريخ وستحدد الخيارات اليوم شكل العالم للأجيال القادمة. وأعتقد أننا سنخلق مستقبلاً أكثر سلاماً وازدهاراً للجميع من خلال الجمع اليوم بين التخطيط طويل الأجل والحلول المملوكة محلياً والواقع الممكن.

وكما قال محمود درويش:

نفعل ما يفعل السجناء

‏وما يفعل العاطلون عن العمل

‏نربي الأمل

 

ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!