-
كعادته الغرب يكيل بمكيالين
يداول العزيز الكريم الأيام لاستخلاص العبر والدروس ولا يوجد أكثر من العرب استخلاص للعبر والدروس ليس للاستفادة منها بل لأرشفتها على الرغم من حاجتهم لذلك، ومن المفترض ألا يكون هناك أكثر من العرب معرفة بالغرب وازدواجيته وكيله بألف مكيال ومكيال، ذلك لأن العرب عاشوا مع الغرب حقبة استعمارية مريرة مع بريطانيا وفرنسا في الشطر العربي الآسيوي من الأمة، وسايكس بيكو وما نتج عنها، ومع إيطاليا وإسبانيا وفرنسا في أفريقيا، وتلك الحقبة نفسها الاستعمارية نفسها هي التي ندفع ثمنها منذ ذلك الحين وإلى اليوم، وهي سبب ضياع فلسطين.
موقف الغرب من القضية الفلسطينية كان وما يزال موقفاً غير منصف ولو كان فيه شيء من الإنصاف لن تبقى القضية الفلسطينية دون حل منذ أكثر من 75 سنة مريرة وموقف الغرب هو نفس الموقف ولا يتغير أبداً، وعندما يبدر رد فعل من الفلسطينيين الضحايا ضد ما يتعرضون له من قتل وإرهاب وسلب للممتلكات وتجاوز على المقدسات يقيم الغرب الدنيا ولا يقعدها، ويصبح للصهيوني حق الدفاع المُطلق عن النفس علماً بأنه لا حق للمحتل في الدفاع عن نفسه، وإذا أراد المُحتل أن يصون أرواح من ينتمون إليه عليه أن يجلو عن ممتلكات الغير ويعتذر ويقدم تعويضاً لائقاً لكل من تضرر منه كما اعتذرت ودفعت ألمانيا وبعض دول أوروبا.. هل نسى الأوروبيون ذلك أم أن قيمة البشر تختلف هنا عن هناك، أم أن شعاراتهم قد صيغت لبعض الشعوب تحديدا وليس لغيرها.
قيام مؤتمر السلام في الشقيقة مصر في ظل الأحداث الإرهابية المرعبة ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر من قبل الاحتلال لم يكن مؤتمراً عادياً بل مؤتمراً قام بجهود أردنية مصرية ومباركة عربية كاملة لضرورة قصوى ولصالح جميع الأطراف؛ قام المؤتمر ليُثبت بأن العرب دعاة سلام وأهل قيم وأخلاق ومنضبطون بسلوكية تاريخية نبيلة وبالقوانين والأعراف الدولية أكثر من أولئك الذين صاغوا تلك القوانين والأعراف، وكانت المفاجأة من الغرب إصراره على استمرار الحرب لقتل المدنيين ومحو غزة من الوجود وفرض سياسة الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني.. يرفضون وقف الحرب ويؤيدون تأييداً خجولاً لتقديم المساعدات الإنسانية المشروطة والمقيدة، ولا نعلم من أين جاؤوا بهذه القسوة والدموية هل هو الامتداد التاريخي الطبيعي للسلوك الكامن في الجينات أم هي إرادة مسلوبة أم أنانية مصحوبة بجهل بالتاريخ ونظرة متدنية لأرواح بعض البشر؟ لقد كشفت أحداث أوكرانيا وغزة النقاب عن حقيقة الغرب وأخلاقياته مع كامل التقدير والاحترام للشعوب الغربية الحرة التي ناصرت ضمائرها وناصرت الإنسان الفلسطيني المنكوب والقضية الفلسطينية التي تمثل الإنسانية الحرة الحية جمعاء.
تحرك الأردن تحركات دولية واسعة، وبذل جهوداً مكثّفة، ومنذ سنوات والأردن يقول احذروا مخاطر التصعيد ولابد من إنهاء الاحتلال وحل القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين لكي يعيش الجميع بسلام ولم تجد المساعي الأردنية تجاوباً أو تفاعلاً عملياً على الإطلاق، وبدلا من ذلك قاموا بالتخلي عن دعم الأونروا الوكالة التي قامت لتغطي على ظلم الاحتلال وجرائمه ضد الإنسانية، ثم قاموا بتقليل المساعدات المقدمة لـ ملايين اللاجئين في الأردن، ثم تستروا على عوامل نشر الإرهاب وتجارة المخدرات ودعم الميليشيات المتطرفة ما أدى إلى عدم الاستقرار بالمنطقة.
كيل الغرب بألف مكيال ومكيال ليس بالأمر الجديد على العرب على الإطلاق لكن نقاء سريرة العرب ومروءتهم تجعلهم يتناسون سوءات التاريخ على يد القوى الاستعمارية فبعد تسليم فلسطين للصهاينة على يد الاستعمار طرأت على العرب حقبة جديدة من معايشة مواقف الغرب وسياساتهم ذات الصبغة الازدواجية خاصة عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين والقضية الفلسطينية، وقد لا يحتاج المرء إلى العودة للأحداث التاريخية ليستند على أدلة كثيرة تدين الغرب وتثبت أنه يكيل بمكيالين فتجربتا أوكرانيا وفلسطين الأخيرتين وما يجري في قطاع غزة وسائر الأراضي الفلسطينية ومواقف الغرب من الحالتين خير دليل؛ ففي أوكرانيا قطع الماء والكهرباء والغذاء جريمة لا تغتفر وتتطلب تجييش الجيوش وفتح الحدود وتسخير المنظمات الدولية على نحو سلس وسريع وفعال لم يسبق أن كان كذلك منذ تأسيسها ولم يسبق أن رأينا هذه المنظمات بتلك الفعالية والعمل الجاد في أي بقعة من بقع العالم على الإطلاق.. لا في فلسطين ولا في العراق الذي كان يدفع لهذه المنظمات من نفطه، ولا في الأردن البلد الذي يستضيف ملايين اللاجئين، والسبب في ذلك هو كيل الغرب بمكيالين وتسعيره لقيمة الإنسان حسب عرقه ولونه وشكل شعره ومنطقته، ولقد كانت تصريحات بعض المسؤولين الغربيين بهذا الخصوص وسرعة تفاعلهم مع قضايا اللاجئين الأوكرانيين وحجم تناقضاتهم أمراً مثيراً للصدمة لدى البعض، أما من يعرف التاريخ جيدا فتلقى ذلك بشكل طبيعي وألقى باللائمة على ذاته إذ لم يقم علاقاته مع الغرب بما يليق وينبغي.
بعد شهر من حملات الإبادة الجماعية البربرية على قطاع غزة وشهادة العالم أجمع وما يسمى بالشرعية الدولية على جرائم الاحتلال وكذبه وتناقضاته، وازدواجية المعايير الغربية قالت المنظمات الدولية كلمتها بالحق شاهدة من قلب الحدث، وقالت الشعوب الحرة كلمتها في كل مكان بالعالم على الرغم من القيود العنصرية على الحريات.
واليوم بإمكان المتخاذلين من المدّعين باسم القضية الفلسطينية أن يحافظوا على بقايا ماء الوجه، ولا يحتاجون الأراضي الأردنية لتحرير فلسطين فالأرض التي يقفون عليها أقرب، والجولان وجنوب لبنان أقرب لهم، وما زالت تجربة داعش حاضرة بالأذهان عندما دخلوا بحجة تحرير الأرض من داعش وتركوا مواجهة داعش ونكلوا بالسكان المحليين الذين كانوا ضحايا لداعش الإرهابية؛ حبل الكذب والادعاء والخداع قصير.. ومن يفقد الشرعية على أرضه فلا داعي أن يدعو للاستعراض بالمشروع وغير المشروع خارج أراضيه، ويُنتظر من البترول الإيراني والعربي والبترول العراقي تحديداً أن يدخل الميدان نصرة لفلسطين وبلسماً وتهذيباً وحلاً من الحلول بعد استقطاب كل تلك القوات الدولية الجبارة من أجل قتل الشعب الفلسطيني وخنق المنطقة.
الأردن ملكاً وحكومة وشعباً، وأحرار العرب على خطىً واحدة وقلب رجل واحد من أجل نصرة كل فلسطين.. وإنا لمنتصرون.
ليفانت - د. عيد النعيمات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!