الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • قيس سعيد والاتحاد التونسي للشغل.. صراع أم مناورة؟

قيس سعيد والاتحاد التونسي للشغل.. صراع أم مناورة؟
 رامي شفيق

تبدو ملامح العلاقات المتشابكة بين الرئيس التونسي، قيس سعيد، ومعارضيه متباينة الرؤى والأهداف، بيد أن التداعيات السياسية تظل هي نقطة التفاعل المركزية في كافة تفاصيلها، خاصة مع التطورات المتسارعة التي جرت خلال الأيام الأخيرة من شهر أيار/ مايو الماضي.

ويتمركز الاتحاد العام للشغل في جبهة معارضة الرئيس ويطالبه منذ إجراءات الخامس والعشرين من تموز/ يوليو العام الماضي بمشاركته الحوار والسياقات التي ينبغي أن يشرع فيها لتجاوز المرحلة الانتقالية وصياغة دستور جديد للبلاد.

في زاوية أخرى، تمترس راشد الغنوشي وقيادات حركة النهضة للرئيس التونسي، قيس سعيد، ويترقبون على مهل إجراءاته التنفيذية وما يترتب على ذلك من ارتفاع كلفتها سياسياً، واصطفاف معارضة جديدة لتوجهاته الأحادية، مما يدفع طموحهم بتصور تحالفات جديدة قد تبلور تحركات ميدانية ضد الرئيس.

نحو ذلك، يمكن قراءة الأحداث الأخيرة وينبغي تفحص ما جرى بعناية ودقة شديدين؛ إذ حرص الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، أن تتوازن تصريحاته بحيث تبدو واقعية في تبيان رفضه لإجراءات سعيد الفردية، غير أنه يحرص بشدة أن يظهر كون المعارضة داخل حيز قرارات "25 يوليو"، وما ترتب عليه من واقع سياسي جديد.

إلى ذلك، جاءت التصريحات الأخيرة للطبوبي تقول: "يمكن الاختلاف معه (الرئيس) لكن الرجل كان واضحاً ويرفض الاستماع لهذا أو ذاك ونحن نحترم هذا.. نحن أيضاً واضحون ولن نزجّ بالاتحاد في المجهول".

وتابع الطبوبي بقوله إنه "لن نشارك طالما ليس هناك مراجعات لإنجاح النقاش حول الخيار السياسي وعديد الأوضاع. نحن اليوم في أمسّ الحاجة حتى يتجمع الجميع حول مشروع وطني".

هذا التصور الذي يسيطر على مكونات المنظمة الشغيلة في تونس وقياداتها التنفيذية يرجع في الأساس إلى عنصري السياسة والاقتصاد، حيث يدرك الطبوبي ورفاقه جيداً، أن ما جرى خلال السنوات الأخيرة لا ينبغي أن يتكرر بأي صورة، وعلى الاتحاد ألا يبرح مقعده في الصفوف الأولي لصياغة القرارات والرؤى الخاصة بالبلاد. ولذلك يضغط الاتحاد كثيراً بورقة الحوار وصياغة الدستور على الرئيس، فضلاً عن كون المنظمة تدرك جيداً أن الواقع الاقتصادي للبلاد في حالة حرجة وثمة احتياج لدعم خارجي من المؤسسات الدولية التي تشترط اصطفاف القوى الوطنية وموافقة الاتحاد، الأمر الذي يبدو واضحاً في تصعيد الطبوبي بتنظيم إضراب عام، وما ينتج عن ذلك من آثار اقتصادية وتداعيات سياسية، داخلياً ودولياً.

في الجهة الأخرى، وتفعيلاً لفكرة المحاسبة التي يدعو إليها عديد الفاعلين السياسيين التونسيين، شهدت المحاكم التونسية أحكاماً قضائية ضد سيف الدين مخلوف من قيادات ائتلاف الكرامة بتهمة إثارة الفوضى والتهجم على عناصر الأمن في حادثة شهدها مطار قرطاج الدولي، خلال شهر مارس (آذار) العام الماضي.

واقعة المطار منحت الغنوشي مساحة من الهجوم ضد الرئيس التونسي عبر بيان صدر عن رئاسة البرلمان المنحل حمل توقيعه، بينما انتقد الأحكام الصادرة ووصفها بـ"الجائرة"، مضيفاً أنها "دليل آخر يضاف إلى كل الأدلة السابقة والتي جاءت لتكرّس أساليب الديكتاتورية التي لفظها الشعب".

الغنوشي صاغ كلماته وحمل بيانه بعناية بينما اشتبك مع قراءته للمستقبل التي أدرك فيها ضرورة تحركات إجرائية ضده وآخرين من الحركة عبر القضايا المنظورة أمام المحاكم التونسية، فضلاً عن صياغة البيان في صورة التنديد "بالأساليب الديكتاتورية" ليتواءم مع مقتضيات التحرك التكتيكي في تلك الأثناء، ويهدف مرحلياً نحو أن يعثر لنفسه ولحركته على مقعد في صفوف المعارضة التي تشكلت على تخوم إجراءات 25 تموز/ يوليو.

ما قدره الزعيم التاريخي للنهضة لم يتأخر كثيراً بعد إصدار القضاء التونسي قراراً بحظر السفر على أربعة وثلاثين متهماً في قضية اغتيال المعارضَين اليساريَين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013. وتعود القضية التي عرفت إعلامياً بقضية الجهاز السري للنهضة إلى عام 2018، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال البراهمي وبلعيد وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك النهضة لجهاز سري أمني مواز للدولة، متورّط في اغتيال المعارضين، وفي ممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة والتستر على الأدلة وملاحقة خصوم الحزب. وكلمات المتحدثة الرسمية باسم محكمة ولاية أريانة ومفادها أن توسيع إجراءات التتبع وقرارات التحجير بشأن المتهمين جاءت من خلال رؤية وزيرة العدل، إذ كان عدد المشمولين في البحث لا يتجاوز 16 بينما الآن وصل العدد إلى 34 شخصاً، فضلاً عن كل من يستوجب ضمهم إلى دائرة الاشتباه والبحث.

نقطة أخرى لافتة في تلك التصريحات التي كشفت عن تحجير السفن بشأن متهمين في هذه القضية، وهي أن الغنوشي الوحيد من كشف عن اسمه، بينما الأسماء الأخرى لم يُفصح عنها في تصريحات الناطقة باسم المحكمة الابتدائية بأريانة، فاطمة بوقطاية، مما يؤكد أن المعلومة موجهة إلى شخص رئيس البرلمان المنحل ورسالة سياسية بسوط القانون.

اللقاء المرتقب بين الحكومة والمنظمة الشغيلة خلال الأسبوع الأول من شهر حزيران/ يونيو، بحسب الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير التشغيل والتكوين المهني، نصر الدين نصيبي، يستهدف في الدرجة الأولى فضّ الاشتباك بين الحكومة والاتحاد عبر عدد من الاتفاقيات فيما بينهما، خاصة بالعمال وحقوقهم. ويأمل الرئيس أن تتحرك الأمور بين الرئاسة والاتحاد من خلال بوابة الاقتصاد وحقوق العمال.

بهذه الخطوة تسعى الحكومة التونسية، من خلال تحديد هيكل زمني لتنفيذ رزنامة اتفاقية شباط/ فبراير عام 2021، نحو فضّ الاشتباك بين الحكومة والاتحاد حول التعاون مع صندوق النقد الدولي والتداعيات المحتملة على المواطنين جرّاء الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها العالم منذ جائحة كورونا. وربما ذلك تجده بسهولة أيضاً في تصريحات وزير التشغيل والتكوين المهني، نصر الدين نصيبي، حين شدد على أن تونس لن تقبل التخفيض في كتلة الأجور أو رفع الدعم، مؤكداً أن الحكومة بصدد التفاوض مع الصندوق قصد إكساب البرنامج "مرونة" تجعله لا يضر بالمقدرة الشرائية للمواطن وإصلاح الاقتصاد في الوقت نفسه.

إلى ذلك لا أرى في الأفق ما يمكن أن يجمع المنظمة الشغيلة بتشكيلها الحالي مع النهضة وزعيمها الغنوشي، لا سيما أن الأخير، بصورة أو بأخرى، يدرك أن ما يجمعه قديماً بالطبوبي لن يمنحه أي مساحة حركة. بيد أنه يعول على حرج الاتحاد وقياداته سياسياً وهو يصطف مع الرئيس. وفي كل الأحوال، فإن الاتحاد والرئيس لن يسيرا في خطوط متوازية طويلاً، وأرجح أنهما سيدركا سريعاً نقط الالتقاء وقبل أن يقترب موعد اقتراع الدستور.

ليفانت - رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!