الوضع المظلم
الثلاثاء ٣٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
قمة طهران للاحتفاظ بحق التهديد
علي الأمين السويد

تجتمع اليوم الثلاثاء 19/7/2022 كل من روسيا وتركيا مع إيران في طهران لمتابعة ملفات مشتركة، أهمها الملف السوري. ويأتي هذا الاجتماع غداة تهديدات تركية متلاحقة بغزو شمال شرق سوريا، بشكل عام، واحتلال مدينتي منبج وتل رفعت بشكل خاص. وللوقوف على المتوقع في قادم الأيام، وما سيتمخض عن هذا الاجتماع، يتوجب تقييم المواقف الجيوسياسية في الشمال السوري.

فدولة الاحتلال التركي تسعى للحصول على احتلال جديد لشمال سوريا دون قتال. وهي تستخدم أسلوب "التهديد باحتلال منبج وتل رفعت" كعصا يتم التلويح بها بغرض مساعدة روسيا على إقناع قوات سوريا الديمقراطية بالانسحاب النهائي جنوبي الحدود السورية مع تركيا 30 كيلومتر.

غير أن روسيا لا تملك سوى ورقة مساومة قسد على مدينتي منبج وتل رفعت فقط. فشمال شرق سوريا تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى هذه الورقة -منبج وتل رفعت- ليست بورقة ضاغطة بشكل حقيقي، وأعظم أثمانها لا يتجاوز سقفه حرمان قسد من حصتها في منبج وتل ورفعت. فالمدينتان تحت السيطرة الشكلية لروسيا والنظام، والفعلية لقسد. وبالرغم من أهمية المدينتين إلا أن خسارتهما بالنسبة لقسد سيترتب عليها خسارات أكبر بالنسبة لروسيا وتركيا في حال قامت تركيا بغزوهما. ولتحليل هذه العقدة يجب تذكر النقاط التالية:

*لا تستطيع روسيا السماح لتركيا باحتلال منبج وتل عفرين لأنها، إن فعلت، فستخرج من المولد بلا حمص وستفقد كل أوراقها الضاغطة على قسد.

*روسيا تضغط على قسد لتصالح النظام من بوابة تخويفها من هجوم تركي على منبج وتل رفعت. وتزعم روسيا زعماً أن تصالح قسد مع النظام الأسدي من حماية الحدود السورية التركية، وبذلك تنتفي حجة تركيا لغزو المدينتين بالإضافة إلى شمال شرق سوريا. وكأن تركيا تخشى ميليشيات الأسد إن أرادت غزو شمال سوريا.

*غير أن حجة روسيا لقسد ضعيفة جداً. فلو كان وجود قوات نظام الأسد في منبج وتل رفعت يمنع الغزو التركي، فهذه القوت أو الميليشيات موجودة أصلاً في نقاط محددة في هاتين المدينتين، فما معنى مطالبة قسد بتمكين النظام من إعادة نشر قواته في مناطق سيطرة قسد غير استسلام قسد للنظام؟

*إلا أن قسد، واستجابة لضغوطات روسيا وفهمها للمعادلة، سمحت فقط بتعزيز النظام الأسدي للنقاط التي تتواجد فيها ميليشياته دخول حوالي 500 جندي إضافي مع معدات بسيطة. وتكون بهذا استجابت للضغوطات الروسية ولم تمكن النظام إعادة انتشاره في مناطقها.

*إذاً، ونظرياً لا توجد حجة لتركيا بغزو المدينتين بوجود قوات للنظام وأخرى للروس، والمفروض أن روسيا وطالما أنها قبلت بسماح قسد بتعزيز نقاط ميليشيات الأسد بمزيد من الجنود، فهي ملزمة بالدفاع عن هذا الخيار في وجه تركيا. أي إنها في حال هاجمت تركيا منبج وتل رفعت، فروسيا ملزمة بالدفاع عسكرياً عنهما.  ومن المستبعد أن تواجه تركيا روسيا في شمال سوريا.

*الولايات المتحدة الأمريكية فعلياً غير مهتمة بمدينتي منبج وتل رفعت ولا يعدو اهتمامها تصريحات مسؤوليها التي تعبر عن القلق وعن الآمال بعدم زعزعة المنطقة. ومع ذلك فتركيا لا تستطيع مهاجمة منبج وتل رفعت، لأنها، إن فعلت، فستغضب الولايات المتحدة التي ترغب في استقرار المنطقة. وبذلك تزيد طين علاقة أردوغان بأمريكا بلة.

*ومن المفروض، إن غزت تركيا منبج وتل رفعت، فإنها أيضاً ستواجه روسيا. ولا يوجد أي مؤشر على نزاع روسي تركي بل كل المؤشرات تقول بأن تركيا وروسيا تزيدان من قوة ارتباطاتهما الاستراتيجية. وهي لا تريد التخلي عن سياسة التلويح بالعصا لكسب مصالحاً على الأرض كالسماح لها باحتلال باقي شمال سوريا بالعمق الذي تحلم به.

وكنتيجة للنقاط أعلاه، يتضح أن الوضع يسير باتجاه اللاشيء، وطالما أن سياسة التهديد واللعب على أعصاب قادة قسد من قبل روسيا وتركيا والنظام، ومن قبل التيار الموالي للنظام في قسد وصلت إلى نهاية مسدودة. ومن المرجح أن يستمر الوضع على ما هو عليه مع احتفاظ تركيا وروسيا بحق التهديد.

فقد أعلن وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، أمس الاثنين، أنَّ قمة طهران تهدف إلى تخفيف حدة التوتر في مناطق الصراع، وعودة اللاجئين السوريين، والإسهام في السلم والاستقرار والأمن في سوريا مطروحة على جدول أعمال هذا الاجتماع الثلاثي.

ومن المرجح ألا يخرج الاجتماع بأكثر من عبارات تدور في فلك ما حدده وزير خارجية الاحتلال الإيراني مع قليل من بهارات التهديد بأن التحضيرات التركية لشن عملية عسكرية في شمال سوريا مستمرة وستحدث حين تكتمل.
 

ليفانت - علي الأمين السويد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!