الوضع المظلم
الأربعاء ٠٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ظاهرة اللامبالاة
ميثاق بيات ألضيفي
اللامبالاة والسلبية والعدوان مفاهيم يمكن أن تنشأ في روح وقلب الشخص الذي أصيب بخيبات أمل في حياته وعلاقاته بالمجتمع، وذلك سيكون بمثابة رد دفاعي على الأشياء المحيطة به وعلى كلمات وأفعال الآخرين، ولذا يمكن أن تؤدي اللامبالاة إلى تدمير الفرد ككل، فهي تتداخل مع وجوده المتناغم في الظروف الحياتية، وتلك المشكلة لم تعد جديدة ولربما تتمحور بسبب آخر هو الأنانية التي تحيط بنا في كل منعطف.

الأنانية هي المصدر الرئيس لعدم المبالاة، وواحدة من النقاط الهامة لها أنها تكمن في الخوف، الخوف من كل شيء جديد، والخوف من الغد، والخوف من الفصل من العمل، وانعدام الثقة المستمرة في العالم، وبسبب عدد كبير من تفاعلات الهوس يتناغم الخوف مع اللامبالاة مما يدفعها إلى الارتباط بعدم المسؤولية لاسيما إثر التقدّم التقني السريع، وتحديداً في شبكات التواصل الاجتماعي، لدرجة أنه لا يمكننا حتى تخيل من هو القريب منا، مما يمنعنا من الخروج من المنزل لمقاومة اللامبالاة، والتي من المحتمل أنها أيضاً نشأت كرد فعل على الحروب والفقر والأزمات الحياتية والروحية والفكرية وحتى التكنولوجية.

كثيراً ما نسمع كلمات مثل: "أنا لا أهتم"، و"هذا لا يهمني"، وكل هذا يترجم عن عدم المبالاة، وفي عالمنا يوجد عدد كبير من المشكلات، غير أن الأكثر فظاعة أنه لا توجد حلول لتلك المشكلات، كما ولا يبدو أن هنالك فرجاً قريباً لها، وإحدى المشاكل الرئيسة التي تواجه المجتمع الحديث هي اللامبالاة التي تنتظرنا أينما كنا، مما يدفعنا لأن نفكر بشكل متزايد في حقيقة أن الناس بدؤوا في الرد بعنف وقوة على بعضهم البعض، بينما السلام واللطف واهتمامهم ببعضهم بدأ بالفعل وسريعاً في الانحسار والانحدار. وبالنسبة للكثيرين في مجتمعنا اللامبالاة هي موقف معيّن تجاه الحياة، ووفقاً لذلك لا يحتاج المرء إلى القلق المفرط وإنما يستوجب به أن يعمل ويحاول تفعيل السيطرة على العواطف السلبية، فاللامبالاة هي مشاعر تضم المزيد من الناس في العالم، وهي متأصلة في كل شخص، لكنها تتجلّى بدرجات متفاوتة وفقاً لسلوكها، وكل شخص فينا لابد أن يدرك أنه مسؤول عن الانتشار الواسع للمرض الذي ليس له تأثير سلبي في الشخص ذاته فحسب، وليس أيضاً في قسم من الأفراد الآخرين، وإنما يؤثر على المجتمع بشكل تام، ولذا من أجل الحد من نمو مشكلة المرض فيجب على كل واحد منا أن لا يدركها فحسب، إنما يحاول فعلياً العمل على مجابهتها ومقاومتها بدءاً من أنفسنا.

إنه لأمر مؤسف حين نتشبع باللامبالاة وتتحوّل فينا لتكون مرضاً خطيراً في النفس البشرية، فتتسبب في عدم اكتراث كامل في الحياة العامة ونكون أقل عرضة للتفكير في أفعالنا وكلماتنا، فنحاول الابتعاد عن كل ما يحيطنا بسبب القسوة واللامبالاة مع استحالة اللطف والرفق الحياتي، وذلك لأنّ عالمنا قد وصل إلى النقطة التي لا يريد فيها أحد أن يتحمل المسؤولية عن حياة شخص آخر وأصبح ذلك السلوك طبيعياً، فلا أحد يريد مساعدة امرأة أو طفل بحمل حقائب ثقيلة، أو مساعدة أرملة أو يتيم من غير تصويره، أو تيسير عبور شخص لشارع أو مساعدة لمصاب بمرض وسقط أمام الناس ولن يتوقف لنجدته إلا إن قام بتصويره وعرض صورته للآخرين، وكل ذلك لأنّه استقرّت في نفوسنا اللامبالاة التي تخفي في حد ذاتها محاولة للابتعاد عن العالم الحقيقي القاسي لدرجة أن الإنسان المبالي أضحى يعد مغفلاً بعيون الآخرين، مما يمكنك من أن تشعر باللامبالاة المخفية وراء "قناع" المداراة.

عندما تستقرّ اللامبالاة في قلب الشخص فإنه يتحوّل إلى شخص قاسٍ بلا روح، وعندما يصبح قلب شخص غير مبال فسيفقد القدرة على الشعور ولا ينقطع الاتصال بين القلب والروح فحسب، بل ينقطع الاتصال مع الضمير أيضاً، لذا يجب علينا أن نعلم ذلك الشخص أنه ليس وحيداً وأنه محبوب لأجل شخصه وروحه لا لسبب نفعي ومادي، وإذا لم يحدث هذا فحينئذٍ يصبح مكتفياً ذاتياً ويحدث كل يوم فيه وفي تصرفاته موت داخلي وخارجي، ولذلك لن يكون بإمكانه أن يذوق طعم الوفاء، مما يدفعنا لنشعر بالأسف على الشخص غير المبالي الذي لم يستطع فهم الحياة وضبطها لتتناسب ومعاييره.

ميثاق بيات ألضيفي

ليفانت - ميثاق بيات ألضيفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!