الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • شمس الدين بلعربي أمثولة للتحدي والابداع في سماء الفن التشكيلي

شمس الدين بلعربي أمثولة للتحدي والابداع في سماء الفن التشكيلي
محمد الشوا

محمد الشوا


لايزال كثير من المبدعين في العالم العربي والإسلامي هم الشريحة الأكثر تهميشاً وبؤساً وفقراً واهمالاً متعمداً من قبل الأنظمة الحاكمة ومؤسساتها الرسمية، بل وتنظر اليهم هذه الانظمة نظرة دونية توحي بالاستخفاف والاستهزاء والسخرية، رغم أن كل الدراسين لنهضة الأمم ورقيها وانتقالها من طور التخلف والانحطاط الى طور الرفعة والتقدم، يتفقون على أن المعيار الحقيقي بين هذه الأمة وتلك هو وجود الإبداع كقيمة اساسية في أي مجتمع، ووجود المبدعين كنموذج يعبرعن إرداة الأمة في النهوض الحضاري والانساني. ومن النماذج المبدعة والمتألقة والتي استطاعت أن تقاوم وتتحدى كل أشكال القهر والفقر والتهميش والمعاناة هو الفنان التشكيلي الجزائري شمس الدين بلعربي الملقب بـ ( شمسو ) والمتخصص في تصميم ملصقات الأفلام العالمية .




من مواليد عام 1987 بمنطقة أطرافية هامشية ريفية تدعى بعين تادلس التابعة لولاية مستغانم، ورغم وجوده في هذه المنطقة النائية والبعيدة عن كل أشكال المدنية والحضارة والابداع، كسائر المناطق الريفية البائسة في عالمنا العربي، إلا أنه استطاع أن يتحدى ويتجاوز كل هذا الوضع الذي يحيط به البؤس والتخلف من كل مكان لينطلق من رحم المعاناة بكل الطاقات والامكانيات الفكرية والروحية والابداعية التي منحه الله إياها، وصولاً إلى العالمية ليزاحم كبار وأساطين الفن التشكيلي في العالم، واستطاع بعبقريته وقدراته الابداعية أن يتفوق على عمالقة الطباعة الإلكترونية، ليثبت لكل العالم بأنه لاتستطيع أية آلة صماء وأي تكنولوجيا صنعها البشر أن تتفوق على الانسان .




نشأ شمس الدين بلعربي في أسرة جزائرية فقيرة جداً تعيش حياتها كفافاً مكونة من ستة أفراد هو الأخ الأكبر في العائلة ويسكنون في بيت ريفي متواضع جداً حتى أنه يذكر أن «سقف البيت كان مكسوراً وكنا نعاني كثيراً في فصل الشتاء بحيث أن كثيراً من رسوماتي اتلفت بسبب الامطار التي تسيل من السقف». كان هذا المشهد المؤلم هو جزء من معاناة كبيرة مر بها فناننا المبدع.




كانت البداية في مرحلة الطفولة حيث كان مهتماً بالرسم ودفعته هذه الموهبة على ان يرسم في كل وقت خاصة اثناء تواجده في المدرسة او عند العودة منها، ففي الطريق الى البيت كان يجد الجرائد مرمية على جابني الطريق فكان مايجذبه فيها الصور البراقة لنجوم السينما العالمية فيلتقطها ويأخذها إلى البيت لمحاولة رسمها، وبعد فترة بدأ المعلمون يكتشفون موهبته وبدأ يعطي الأهمية لمادة الرسم أكثر من باقي المواد الأخرى كالرياضيات والفيزياء، لم يستطع المعلمون في المدرسة أن يساعدوه في شيء رغم أنهم تعرفوا على موهبته وجوانب الأبداع فيها، فاضطر إلى ترك المدرسة لمساعدة أسرته وأعانتها على تكاليف المعيشة و الحياة وبحكم كونه الأبن الاكبر في الأسرة أصبح يخرج كل يوم إلى الشارع والسوق لامتهان الرسم كحرفة مثل تزيين المحلات التجارية والديكور، ولكن «الشارع قاس جداً» كما يقول شمس الدين وكان يتعرض فيه لكل أشكال الاستغلال والابتزاز من قبل عديمي الضمير الذين امتصوا طاقته الفنية ولم يقدروها حق قدرها بسبب جهلهم وقلة أخلاقهم، وفي بعض الاحيان كان يعمل عند أشخاص لايعطونه أجراً مقابل عمله ويحاولون التهرب منه، فضاقت عليه نفسه وسيطر عليه شيء من الإحباط، حتى التقى بأشخاص ساعدوه وشجعوه على أن يواصل الطريق، فواصل العمل لمدة طويلة رغم كل الضغوط الاجتماعية و المعيشية التي أثرت على مساره الفني .




كان دائماً عند المساء يذهب الى قاعات السينما يشاهد " الأفيشات " – وهي لوحات تستخدم بهدف الدعاية و التعريف بالفيلم – وصور ضخمة لنجوم السينما عند أبواب القاعة، وكانت السينما بالنسبة له حافزاً كبيرا لكي يرسم ملصقات ولقطات الافلام فقرر بناء ورشة صغيرة بجانب المنزل وبعد مدة بدأ يرسل الرسومات إلى شركات الإنتاج السينمائية الأمريكية، لكن تلك الرسومات كانت مرسومة بأدوات شبه بدائية مثل ( الطباشير والألوان المائية المخصصة للأطفال ) وذلك لأنه لم يستطع شراء أدوات الرسم الخاصة بالمحترفين، ولكنه كما يقول اعتمدت على الله وعلى نفسي وواصلت المثابرة والعمل. لكن صحته تأثرت بعض الشيء جراء الضغوط والتعب النفسي فدخل المستشفى لمدة ثلاثة أشهر حتى تحسنت حالته الصحية ثم بعد مرور ثلاث سنوات من الانتظار تواصل معه منتج أرجنتيني يدعى ( خوان مانويل اوليمدو ) الذي شاهد أعماله وأعجب بها وطلب منه عمل ملصق لفلمه " الضربة القاضية " من بطولة الأسطورة والممثل العالمي المغربي " محمد قيسي " الذي أشتهر بدور ( Tong po) في فيلم (Kick Boxer ) والذي كان من أشهر الشخصيات السينمائية في سنوات الثمانيات. ولقد ساهم القيسي بالتعريف بأعماله في أوربا وأمريكا وهنا كانت أولى الخطوات الحقيقة للدخول الى العالمية بالنسبة لشمس الدين فقد بدأت الطلبات تصله من المخرجين والمنتجين من كل انحاء العالم وبدأ بالعمل الاحترافي مع الكثير من المخرجين العالميين وبعد ذلك نشر الممثل العالمي ( جان كلود فان دام ) صورة اشهارية له على موقعه الرسمي وهو يحمل احد رسومات بلعربي وبعدها بدأت تصله رسائل نادرة الى ورشته المعزولة المتواضعة ، من اساطير السينما والفن والعلوم حتى وصل الى لحظة تم تسجيل اسمه في القاموس العالمي للسينما العالمية IMDB .




وهو انجاز كبير ومشرف للسينما العربية عموماً، والجزائرية بصفة خاصة وبهذا تم دمج فن الرسم التقليدي مع التكنولوجيا الحديثة وتلقى برقيات تهنئة من كثير من رجال الفن والثقافة والرياضة فوصلته رسالة من عائلة الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي رحمه الله من زوجته الممثلة الامريكية (خليلة علي كلاي) حيث أرسلت له فيديو وهي تعطي رأيها في أعماله الفنية. لقد وجدت اعمال شمس الدين بلعربي بيئة ومجتمع يقدر الفن والابداع ويعطي لكل المبدعين فرصة لكي يطوروا موهبتهم ويتابعوا مسيرتهم فاستطاعت أعماله الابداعية الراقية أن تشق طريقها وصولاً إلى هوليود وبذلك أصبح بلعربي فناناً تشكيلياً عالمياً لايستطيع جهابذة الطباعة الالكترونية الوقوف أمامه.




وفي بداية رحلته الى العالمية مر الفنان شمس الدين بالعربي بمصر، وتتلمذ على يد الفنان المصري وليد التلباني، وعاد الى الجزائر مكافئاً السفارة المصرية هناك بأحدى لوحاته الرائعة، كما أبدع رسومات عديدة حول فلسطين وعروبة القدس، ولوحات أخرى رسم فيها عدداً كبيراً من الشخصيات الفنية والادبية و السياسية وغيرهم من نجوم المجتمع المحلي والعربي والعالمي.

إن الفن في كل تجلياته وصوره هو رسالة جليلة وقيمة عليا في حياة الانسان ووجوده لأنه يضيف للحياة معناً جديداً ويدفع الانسان نحو قيم الحق والخير والجمال ليكون رسالة الخلاص ولغة الحب والسلام لكل البشرية وهذا ما اكد عليه الفنان المبدع بلعربي في إحدى لقائاته قائلاً عن الفن: " أظنه خلاصنا من شرور هذا العالم "




تعيد تجربة الفنان التشكيلي المبدع شمس الدين بلعربي وبكل ما تختزنه من روح التحدي والقدرة الاستثنائية على الخلق والإبداع، الثقة بالعقل العربي وبأنه جدير أن يصنع الحاضر ويؤسس للمستقبل،

وبأنه أنموذج رائع ومحفز في ميدان التحدي والإبداع والنجاح لكل الشباب في العالم العربي.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!