الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
سياسات النظام السوري الفاشلة
آدم قدرو  

خمسون عاماً لم يغيّر فيها النظام السوري أسلوبه في إدارة البلاد والأزمات، وحتى في الخطابات ووسائل الإعلام الرسمية أو التابعة له. خمسون عاماً وكل أزمات المواطن المعيشية سببها الموقف الممانع والمقاوم، سبب الفقر بلا شك قضية فلسطين وتمسّك النظام بها، سبب القمع أنً سوريا تتعرّض لمؤامرة كونها آخر قلاع التصدّي. النظام السوري


خمسون عاماً ولا يوجد معارضة إلا معارضة مرتهنة وعميلة وأداة بيد دول إقليمية ودولية. خمسون عاماً من الكذب "حتى بدرجات الحرارة الكبرى والصغرى"، كما قال الراحل ممدوح عدوان في كلمة ألقاها في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب 1979 كما هو واضح من youtube. ورغم السنوات إلا أنّ كلام الأديب عدوان ما زال طازجاً إلى يومنا هذا.


بعد خروج المتظاهرين للشوارع والساحات في كل المدن السورية، وبدا واضحاً الانقسام السياسي، عمد النظام أن يكون خطابه فئوي وليس لكل السوريين، فكان هذا الخطاب موجه لجمهوره فقط الذي التفّ حوله لأسباب مختلفة، منها أسباب طائفية، علينا ذكر الدور الذي لعبته فضائيات إسلامية وصفحات على شبكات الإنترنت أعادت نشر فتاوي محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية، وبعض التصريحات لسوريين، كمأمون الحمصي، على سبيل المثال لا الحصر. وما لحق ذلك من أسلمة للحراك وظهور تنظيمات، كالقاعدة وداعش، هذا كله صب في مصلحة النظام وجعل مهمته أسهل في استقطاب الأقليات، وبشكل خاص العلويون. النظام السوري



النظام السوري


النظام وعبر إعلامه الرسمي أكد أنّ السوريين خرجوا ليحمدوا الله على نعمة المطر، وأنّ هذه المشاهد التي يراها عشرات ملايين الناس عبر القنوات "المغرضة" هي مشاهد مزيفة تم تصويرها في قطر. وأنّ الشوارع تعجّ "بالمندسين" والأجانب الذين جاؤوا من كل دول الأرض. وما حدث في آذار 2011 مؤامرة، وليست أي مؤامرة بل هي مؤامرة كونية، دون أن يشرح لجمهوره الفارق بين مؤامرة كونية ومؤامرة دولية أو عالمية.


تحرّكت كل الماكينات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية لتخلق الأكاذيب بشكل مدروس وممنهج تغيّر من خلالها إدراك الجمهور وتغيّر أحكامه القيمية، مما أدّى لقبول أعمال النظام والاقتناع بها، أي أنه بقي على المبدأ الميكافيللي الذي تأسس عليه وهو الغاية تبرر الوسيلة. النظام السوري


وكان من الطبيعي أن تفشل المعارضة الوطنية الديمقراطية في منافسة النظام إعلامياً. لكن بعد سنوات من الخطب العنترية والحديث عن مكافحة الفساد، تأتي حكومة وتذهب أخرى، يرحل محافظ حمص ولا يتغير شيء إلا انتقال السياسة الاقتصادية من "الرمرمة" إلى "الفزفزة" لتنتهي بـ(أبو علي خضر).


جيوش أجنبية على الأرض وقصف إسرائيلي متكرر، البلاد تم بيعها واستباحة أرضها وبحرها وسمائها. الأسد المهزوم هزم الشعب السوري، وأدرك المؤيدون أنّهم كانوا وقوداً له في حربه التي شنّها على باقي السوريين، أو أنّهم منتج تم استعماله واليوم صلاحيته انتهت.


ورغم كل ذلك كانت دمشق تحدّ من سرعة تدهور الليرة السورية، حتى بدأت حزمة العقوبات الثانية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بنهاية عام 2018، ومن ثم انفجار مرفأ بيروت في آب 2020. وكأنّ طهران وبيروت تمثلان رئتي دمشق. نضيف على العاملين السابقين تطبيق قانون قيصر وانتشار فايروس كورونا.


أدّى هذا التدهور مع سياسات فاشلة لحلّ هذه الأزمات المعيشية إلى فرض واقع مرّ وظروف غير إنسانية يعيشها المواطن السوري المحروم من أبسط مقومات الحياة والذي ينتقل من طابور لطابور. الفقر الشديد وغياب الحياة الكريمة وانتشار البطالة والجرحى والحاجة يولد جرائم سرقة وقتل ونصب واحتيال وأمراض نفسية وجسدية. ويولّد تذمراً وكرهاً للنظام القائم، لكن لا يولد ثورة مع آلة قمع وحشية كالتي يملكها نظام الأسد.


هذا التذمر لا يريده الأسد بين أنصاره قبيل الانتخابات، الذي أصرّ على إجرائها وفقاً للدستور القديم، ويدرك أّنه فاقد المصداقية والثقة، والوعود التي سيقطعها لن يهتم بها أحد. أراد بطريقة "عاطفية" استقطاب بعض من خسرهم أول مرة أمام أعضاء مجلس الشعب عندما قال إنّه تعرّض لهبوط ضغط، وفي المرة الثانية عندما أعلنت صفحة الرئاسة على موقع facebook عن إصابته وزوجته بفايروس كورونا.


أراد الأسد أن يوصل رسالة لمحبيه الساخطين منه أنّه بشر أيضاً يعاني ما يعانيه ولكثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقه قد ينسى طعامه. الوقوف ضمن طابور طويل ليس تعباً، البقاء بلا دفء ليس تعباً، كل ما يعانيه المواطن ليس تعباً. التعب أن تكون رئيساً ملتزماً بشعبك هو التعب.


فشل أيضاً الأسد، وأغلب الناس لم تصدق الخبر، ليس لأنّ الرؤساء وزوجاتهم لا يصابون بمرض، بل لأنّ الخبر جاء من الرئاسة وهذا ما لم يعتد عليه الشارع السوري. في النهاية اتباع بعض الطرق الملتوية، مثل الخداع والكذب عند الساسة ليس أمراً جديداً أو غريباً، والوعود الانتخابية في أرقى البلدان الديمقراطية لا يمكن أن تنفذ كاملة.


لكن يتم اللجوء إلى تلك الوسائل لكسب أصوات الناخبين، أي عند وجود منافسة بين فريقين أو أكثر. (فضيحة ووتر غيت عند اكتشافها أدّت لتخلي نيكسون عن منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية)، أما الكذب في الأنظمة القمعية المستبدة، إن كان بالحديث عن انتصارات وهمية أو غيرها، فمبررها الوحيد هو العقلية القروسطية للطاغية الذي لا تعيش دون جمهور من المصفقين المداحين وإن كانوا منافين. النظام السوري


ليفانت - آدم قدرو ليفانت

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!