الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
سورية بين الهيمنة والسيطرة الأمريكية
غسان المفلح







بدون العودة لمفهومي الهيمنة والسيطرة في الفكر السياسي والقانوني، بما لا يحتمله المقال هنا، نستطيع الاختصار بالقول غرامشياً -نسبة لأنطونيو غرامشي- المفكر اليساري الإيطالي، أنّ الهيمنة تتم وفقاً لوسائل سلمية. سورية بين الهيمنة


يكون الطرف المهيمن عليه، جزءاً من التركيبة الاجتماعية “كمجتمع مدني وتنظيماته”، وموافقاً على هذه الهيمنة، وهو يعطيها شرعية بمحض إرادته وبوسائل قانونية. أما السيطرة فهي التي تتم خارج وسائل القانون والضبط المشروع، كما يعبر عن ذلك جيل دولوز الفيلسوف الفرنسي. بمعنى آخر السيطرة تعني الفرض بقوة العسكر والأمن ووسائل غير شرعية وخارج القانون المحلي أو الدولي، دون موافقة الناس ودون شرعيتهم التي يمنحونها لوضعية الهيمنة. تماماً كالفارق بين رئيس يأتي عن طريق انتخابات نزيهة وحرة، وبين رئيس يأتي بقوة العسكر انقلابياً، مثالاً من الوضعية العراقية قبل المضي للحالة السورية. سورية بين الهيمنة


عندما احتلت أمريكا العراق عام 2003، نالت شرعية قسم مهم من الشعب العراقي، الذي كان يعيش الويل في ظل حكم صدام حسين، وأسمته نخب هذا القسم من الشعب تحرير، هذا يعني قبول بالهيمنة الأمريكية والسيطرة أيضاً، بينما بالمقابل سمته أمريكا احتلال، أي أنّه تم بفعل السيطرة عسكرياً ودون سند قانوني، على المستوى الدولي، وحتى الأمريكي داخلياً، بالطبع هو تحرير واحتلال بآن معاً.


في سورية، أمريكا منذ انطلاق الثورة السورية وحتى اللحظة، لم تعتمد في سلوكها داخل سورية على القانون الدولي، بل اعتمدت وسائل استخباراتية من جهة خارج أي قانون، وثم اتبعته باحتلال عسكري للجزيرة السورية، وإقامة قواعد عسكرية مثلها مثل تركيا. لكن بالمقابل، يجب ألا ننسى أنّ هذا الاحتلال الأمريكي أخذ شرعية ما من قبل قسم مهم من الشعب السوري في تلك المنطقة، سواء كان عربياً أم كردياً.


هذه الشرعية أتت نتيجة عاملين: الأول، الخوف من الأسدية بالنسبة لقسم من العرب والكرد. والثاني، الخوف من اجتياح تركي بالنسبة للقسم الآخر من الشعب، عرباً وكرداً وآشوريين، علماً أنّ أمريكا لم تستشر أحداً أو تأخذ شرعية من أحد. على الجهة المقابلة، أيضاً، تركيا وجدت ضالتها شرعياً من اتفاقيات أستانة التي وافق عليها الأسد والروس وإيران أيضاً، طبعاً بتنسيق مع أمريكا، بشكل لا قانوني طبعاً، إضافة لقسم مهم من الشعب الذي كان يعيش نتائج الإبادة الأسدية وخوفه منها، ورفضه قسماً آخر من الشعب، سكان عفرين نموذجاً. أمريكا لكون الموضوع هنا ما زالت محاولتها في شرعنة وجودها هذا عبر إقامة مؤسسات مدنية ترضي سكان المنطقة، وتبعد عنهم الشبح الأسدي والتركي والروسي، قامت بالسماح للروس بإقامة قواعد هناك، كما سمحت باستمرار المربع الأمني للأسد في المنطقة. الروس والإيرانيون بمواجهة الأمريكان يتحدّثون أنّ الوجود الأمريكي هو وجود احتلالي، بعكسهما، لكونهما يستمدّان وجودهما العسكري من موافقة حكومة الأسد التي ما تزال تمثل مقعد سورية في الأمم المتحدة ومؤسساتها، بينما أمريكا لم تحصل على تلك الموافقة.


هذا التهرّب الأمريكي من موجبات الهيمنة وإبقاء السيطرة العسكرية واللعب عليها حتى اللحظة، دون إنجاز حل سياسي على مستوى سورية، يبقيها دولة محتلة فقط. أي أنّ أمريكا ما تزال تتعامل مع سورية بوصفها ملفاً أمنياً فقط، تحت عنوان محاربة داعش. الدليل أنّها سمحت لروسيا وتركيا بالتدخل في تلك المنطقة، وإبقاء شبح الأسد بالعودة لاحتلالها من جديد بمساعدة روسية وإيرانية في أية لحظة تريدها أمريكا، أي أنّ أمريكا تتعامل مع سورية بوصفها مرحلة سيطرة أمنية، والذي يتوافق تماماً مع الرغبة الإسرائيلية من أجل استمرار الجريمة وإعادة تأهيلها في سورية، بمعزل عن استمرار التدمير والقتل وتمزيق النسيج الوطني السوري، إضافة الى إبقاء الأسد طرفاً في أية معادلة مقبلة، حتى اللحظة، من الطروحات الأمريكية.


رغم قانون قيصر، الذي لم تفعّل أمريكا جدياً وسائله في ملاحقة المجرمين، لأنّ قانون قيصر في حال تم العمل به هو وسيلة هيمنة، ربما ترضي السوريين أو قسماً غالباً منهم، إذا ما تم إبعاد الأسدية عن مستقبل سورية، بذلك تساهم أمريكا في قيام هيمنة أمريكية على سورية وليس الاستمرار في حالة السيطرة العسكرية هذه دون أي أفق مستقبلي. الضحايا بالطبع سوريون، عرباً وكرداً، بشكل أساسي، صحيح أمريكا لديها شركاء ومنافسين، بآن معاً، في هذه السيطرة العسكرية المرعبة، مثل روسيا وإيران وتركيا وجيش الأسد، لكنها لا تريد أو غير مطروح بالنسبة لها حتى اللحظة، إيجاد حلّ نهائي مع هؤلاء الشركاء، بل استمرار الصراع لأهداف أمريكية محضة.


لتخرج أمريكا ملف الهيمنة إلى العلن، إذا كان هنالك مثل هذا الملف بالأساس، من أجل حقن الدم السوري، والمساعدة في إيجاد دولة قانون وحريات، بعيداً عن الأسد وكافة الاحتلالات وميليشياتها. هذا المطلوب من أمريكا، وليس استمرار اللعب الدموي بالملف السوري، أمنياً وعسكرياً. سورية بين الهيمنة


ليفانت – غسان المفلح








كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!