الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
سوريا 2019 انهاك المواطن وتعزيز مناطق النفوذ
بسام سفر

لا يملك الإنسان السوري في مناطق سيطرة النظام سوى الدعاء لكي تنير الكهرباء ليليه واستهلاكه في النهار وقتاً أطول مما هو عليه في التقنيين, وأن توفر له (سادكوب) عبوات الغاز في محلات بيعها التي يقف بالطوابير الطويلة الصباحية أو الليلية ليحصل على جرة, أو يخفف من عدد الليرات التي سيدفعها في الاتصالات مع موزعي المازوت لمعرفة دوره عبر البطاقة الذكية, وتحديد الكمية من (100)ل, أو (200)ل, أما الاستخدام الثالث للبطاقة الذكية في توزيع السكر عبر الطوابير الكثيرة أمام المؤسسات الاستهلاكية الحكومية التي تشرف عليها السورية للتجارة, لكن للحصول على الخبز يستمر في الوقوف بالطوابير أما الأفران لساعة في الحد الأدنى للحصول على"14 رغيف", هذا الوضع الاقتصادي الاجتماعي الصعب للإنسان السوري هو نتيجة لـ(انتصار النظام) في الحرب.


  فالجديد الذي سيفرض ذاته على النظام وحلفائه (روسيا, إيران, حزب الله), والداعم الاقتصادي والسياسي الصيني هو قانون (سيزار) الذي وقعه الرئيس الأمريكي ترامب بحيث يزيد ويعمّق الأزمة الاقتصادية السورية عبر الحصار الاقتصادي ومنع استيراد المواد غير الأساسية, ويزداد الغلاء وارتفاع الأسعار بسبب عدم استقرار سعر صرف الدولار بالسوق السوداء السورية, وعدم تسليم كامل مخصصات الدولار التابع للتجار من أجل الاستيراد رغم كل الدعم الذي قدمته الدول الراعية للنظام, ويأتي انهيار الليرة أمام الدولار رغم تدخلات المصرف المركزي السوري في محاولات متعددة لإيقاف تدهورها عند حد معين. تداعيات الوضع التراجيدي الذي يعيشه الإنسان السوري في مناطق سيطرة النظام,  لا يقارن مع وضعه خارج مناطق سيطرة النظام حيث الخيارات خصيصاً في إدلب بين الموت أو التهجير تحت وابل القصف من طائرات النظام والحليف الروسي.


هذا التصعيد أدى في الشهر الأخير من العام 2019، إلى تهجير أكثر"320" ألف مدني من المدينة وريفها حسب ما ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في بيان له أن هذا العدد فقط حتى نهاية الشهر الأخير من العام 2019, ومن المضحك المبكي لعمليات النزوح أن العديد من العائلات نزحت إلى معرة النعمان وغيرها من المدن والبلدات المجاورة اضطرت إلى النزوح مرة أخرى إلى مدن أبعد شمالاً من إدلب وأريحا وسراقب إلى مخيمات النازحين المكتظة بمحاذاة الحدود التركية, ومنهم من ذهب إلى مناطق سيطرة الفصائل الموالية شمال حلب. ودعا الاتحاد الأوروبي في بيان له النظام وحلفائه إلى وقف هجماتهم على إدلب, والالتزام بالقانون الدولي, وطالب بضرورة إيصال المساعدات إلى إدلب التي يقطنها (3) ملايين نسمة.


كل ذلك حصل بعد تشكيل اللجنة الدستورية التي قوامها العام (150) عضواً الذين حضروا إعلانها في جنيف 30/10/2019, وبدأت المصغرة (45) عضواً اجتماعاتها كجولة أولى, وفشلت جولتها الثانية, بينما انعكس الصراع التركي السعودي واضحاً في الشأن السوري من خلال عقد مؤتمر مستقلي هيئة التفاوض السورية في الأيام الأخيرة من 2019, إذ انتخب ثمانية مستقلين جدد لهيئة التفاوض، بدل القدماء, وانتخبوا أيضاً(13) عضواً للأمانة العامة، وشكل مرجعية للمستقلين.


 من جهة أخرى قامت بها القوات التركية في الشمال, والشمال الشرقي في سوريا بعملية"نبع السلام" بتاريخ (9/10/2019)، حيث اجتاحت هذه القوات الشمال الشرقي السوري وأبعدت قوات سوريا الديمقراطية حوالي مابين (30و35) كيلومتراُ, بهدف إقامة "منطقة آمنة" وسيطرت على مدينة "رأس العين, تل أبيض" و (11) قرية في محيطيهما بطول (109) كيلومتر, فيما أعلنت تركيا عن فرار (800) من مقاتلي (داعش, تنظيم الدولة الإسلامية), وأجبرت هذه العملية العسكرية أكثر من (130) ألف إنسان كردي على النزوح من منازلهم، إذ أوجدت هذه العملية معاناة جديدة للمدنيين الأكراد.


 وأكد برنامج الغذاء العالمي أنه ساعد في إطعام قرابة (650) ألف شخص في شمال شرقي سوريا, وأن أكثر من (70) ألف من سكان رأس العين وتل أبيض نزحوا عن ديارهم.


 كما ذكرت"منظمة أطباء بلا حدود" أن المستشفى العام الوحيد في تل أبيض اضطر للإغلاق بعد نزوح معظم العاملين فيه تحت وطأة القصف.


وتزامنت العملية مع قرار الإدارة الأمريكية سحب الجنود الأمريكيين من منطقة العمليات التركية, والإبقاء على أكثر من مائتي عسكري أمريكي في مناطق حقول النفط في دير الزور ورميلان والشدادي لحمايتها والاستفادة من عائداتها.


 ومن أهم نتائج هذه العملية دخول قوات النظام إلى مناطق شرق الفرات في محافظتي" الرقة, والحسكة".


 ويمكن تسجيل تطور جديد حصل في العام 2019, حيث قامت طائرات التحالف الأميريكي في( 27 تشرين الأول) بقصف مكان تواجد زعيم تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش), مما أدى إلى مقتل أبي بكر البغدادي, وإلى جانبه العديد من قادة التنظيم في أحدى قرى إدلب, وقبل ذلك كان قد تلقى التنظيم ضربات عسكرية مؤلمة حيث خسر معركة الباغوز في آذار من العام الفائت. ولا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن القضاء على" داعش" و"النصرة" وغيرهما من التنظيمات الإرهابية بالضربات العسكرية الجوية, واجتياح الأراضي والسيطرة عليها, وإنما بالمواجهة الفكرية والسياسية والدينية من بوابة عدم استخدام الدين في الحياة السياسية, حيث مازالت هناك العديد من الخلايا النائمة في الجزيرة السورية خصيصاً في دير الزور وريفها إذ خاض التنظيم هجوم على موقع نفطي.


 ولم تتوقف ( إسرائيل) عن توجيه الضربات الجوية على مساحة الوطن السوري, إذ امتدت ضرباتها من أقصى الشمال الشرقي في البوكمال إلى الجنوب السوري من بوابة الادعاء بتقليم النفوذ الإيراني في سوريا, غير أن ( إسرائيل) تركز ضرباتها نحو المناطق الجنوبية بما فيها دمشق وريفها, بالإضافة إلى المنطقة الوسطى والساحلية التي قصفتها (إسرائيل) بعشرات الغارات في استهدافات مباشرة للقوات الإيرانية ومستودعات ذخائرها على الأرض السورية.


أن توزيع مناطق النفوذ من الأراضي السورية يزداد تثبيتاً وترسيخاً رسمياً, إذ أن النظام السوري أتفق على تأجير مطار القامشلي للقوات الروسية لمدة (49) عاماً، لاتخاذه مقراً للقوات الروسية على غرار ما حدث في قاعدة حميميم, حيث بدأت القوات الروسية في نقل عدد من المروحيات من حميميم إلى مطار القامشلي على الحدود مع تركيا, ضمن إجراءات روسيا لتأمين عمل الشرطة العسكرية التي تقوم بدوريات في الشمال السوري في إطار الاتفاق الروسي-التركي, وتم نشر منظومات الدفاع الجوي" بانتسير" في المطار لحماية المروحيات.


فيما أبار النفط السورية أغلبها في يد القوات الأمريكية وإلى جانبها قوات سوريا الديمقراطية, بالإضافة إلى المناطق التي تقع تحت الهيمنة التركية, ومناطق سيطرة النظام وحلفائه "الإيراني, والروسي"، وحتى بعض القرى القريبة من الحدود السورية اللبنانية تحت نفوذ "حزب الله", لكن الجنوب السوري يقع تحت منطقة النفوذ الإسرائيلية.


أخيراً أن سوريا في العام 2019, كانت امتداداً زمنياً لما كانت عليه في العام 2018, مع تقليص مناطق نفوذ سيطرة المعارضة المسلحة والفصائل المصنفة إرهابياً ( داعش, هيئة تحرير الشام"النصرة"), لمصلحة النظام وحلفائه الروسي, والإيراني, وكذلك تقليص مساحة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وتزايد المساحة التي تسيطر عليها تركيا, والنظام في ذات المنطقة الشرقية والشمال الشرقي. بينما المواطن السوري يعيش ظروف اقتصادية في غاية الصعوبة رغم كل محاولات النظام الادعاء بتحقيق نصر كبير, وأن سوريا بخير.


كاتب وصحفي سوري

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!