الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
سهل حوران وحراك جبله
غسان المفلح

نشر موقع ليفانت نيوز قبل أكثر من أسبوع مادة لي بعنوان "لماذا تركت السويداء وحيدة؟". حيث ختمته بأنني سأتحدث عن سهل حوران ودرعا بالذات، لماذا لم يتواصل فيها الحراك دعماً لانتفاضة السويداء؟

الحقيقة أننا في خضم التفاؤل والأمل أحيانا نكون غير موضوعيين وأحيانا مجاملين وأحيانا أخرى نغرق في إضفاء هواجسنا الذاتية أو تطلعاتنا الذاتية على الوقائع. كنت منذ بدء الثورة في آذار 2011 من المراهنين على جبل حوران، رغم كل التحفظات التي ترافق هذا الموقف، في نقاشي مع أصدقائي حول هذا الأمر، هنا لا بد من ذكر الصديق الراحل والشخصية الوطنية الدكتور فاضل الخطيب.

حيث خضنا حوارات مطولة علنية وخاصة أحياناً، حول الثورة وحول وضع الجبل وحول الإسلام السياسي عموما، والإخوان المسلمين خصوصا، كما كان لنقاش وضع المعارضة المعروفة حيزا لابأس به.

كما أنني أذكر كنت أقول للصديق فاضل، طول بالك على أهلنا في السويداء، لشدة نقده وصراحته والمفردات التي يستخدمها أحيانا. لم تسلم منه شخصية فاعلة نسبيا من السويداء كان يلمس لديها تأييدا علنيا أو مبطنا للأسدية، كان لا يجامل في هذا الأمر، كما أنه لم يكن يجامل في عدائه للإسلام السياسي بكل فروعه.

لماذا أكتب عن فاضل في هذا السياق؟ كان له رأياً يقول بما معناه: بدأت في درعا وستنتهي في درعا نصرا أو انكسارا. من جهة أخرى كان يبرر لعدم خروج الجبل مع الثورة في أحيان قليلة.

بالمقابل كان كل من يناقشني من أصدقائي في سهل حوران، وينقد وأحيانا يشتم لماذا لم تخرج السويداء تضامنا مع درعا؟ هذا تاريخ، كنت أقول له القصة بحاجة لتواصل ولحوار قبل كل شيء. ثم من جهة أخرى لعب النظام الأسدي عبر زبانيته في الجبل والسهل من أجل تأزيم العلاقة بينهما، أحيانا كان ينجح، لكن فاعلين الخير والوجهاء كانوا يتدخلوا من أجل حل أي خلاف.

لنكن منصفين، ذاكرة أهل سهل حوران فيها قهر، أن السويداء لم تتضامن معه. كنت في سياق دفاعي عن الجبل وتفسيره بالطبع وليس دفاعا أعمى كما يقال، كنت أحاول إيجاد التفسير المناسب، أيضا من خلال التواصل مع شخصيات وطنية معروفة داخل الجبل. هنا لا بد من استثناء القريا هذا ما تقتضيه الأمانة، التي منذ اليوم الأول للثورة كانت متواجدة مع بقية السوريين المنتفضين.

أولا هنالك حسابات لدى فاعلي الجبل، أن الطائفة قليلة عدديا بالنسبة لسكان سوريا. لهذا كانت هنالك محاولة من قبل هذه الفعاليات لمنع التضامن مع سهل حوران، والسبب الخوف على شباب الطائفة من أن يزجهم النظام في جبهاته مع الثورة وبقية أشقائهم السوريين. لهذا لم يلتحق أبناء الجبل المطلوبين للخدمة الإلزامية، وأذكر آخر عدد توفر لي هو بحدود 27 ألف مطلوب في الجبل رفضوا الالتحاق بالخدمة في قوات الأسد. هذا موقف ثمين لو أخذنا بمقولة أضعف الإيمان.

ثانياً، هنالك شخصيات فاعلة في الجبل كانت وربما ما تزال ترى مصلحتها مع الأسدية، وهذا ينطبق بشكل أقل مع شخصيات من سهل حوران. كان لها دور أكبر في الجبل من أجل منع الحراك مع الثورة آنذاك. هذه الشخصيات كانت مقتنعة أو لها مصلحة في إعطاء صورة عم سمي تحالف الأقليات ضد الأكثرية السنية، وإلا ممن تشكلت لجان الدفاع عن النظام؟ ومن مولها؟ ومن هم زعاماتها؟ كما أن من الأمور التي أثارت الحفيظة هي الجنازة التي أقيمت للمجرم العميد في الحرس الجمهوري عصام زهر الدين الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية في دير الزور.

ثالثا، باعتقادي من يعود لمواقف وليد جنبلاط في هذا الشأن في تلك السنوات يدرك أيضا، أن عدم الحراك هذا والذي انتقده جنبلاط في أكثر من مناسبة، يوضح أيضا أن الزعامات الروحية والسياسية للطائفة الدرزية في كل بلاد الشام لم تكن متفقة على موقف موحد من نظام الأسد. مما خلق نوع من البلبلة في الجبل أيضا. مثلا مشايخ العقل في لبنان وفلسطين ومواقفهم وتأثير هذه المواقف على أبناء الجبل ومشايخه.

بالطبع هنالك أسباب أخرى يمكن للباحث أن يعود إليها. ضمن هذا الفضاء شعر أبناء سهل حوران بالغصة والقهر.

بالمقابل في سهل حوران كان هنالك بعض الشخصيات الناشطة في تظاهرات السهل منذ بدء الثورة، لديها عقل إسلام سياسي معفن وإقصائي، كان يأخذها حجة بعض الفاعلين والنشطاء من الجبل في الدفاع عن عدم خروج الجبل في الثورة، ومنهم الآن ربما من ناشطي الحراك الحالي. وبالمقابل أيضا هنالك فعاليات عشائرية وغيرها في السهل بقيت مع الأسدية، ومتوزعة في بلدات السهل. لكنها كانت نسبة قليلة في الواقع.

ضمن هذه الخلفية يمكن فهم عبارة تتكرر عند بعضهم في السهل "الآن فطنوا أهلنا في الجبل" أقول لهم الآن فطنوا ويجب أن نتضامن معهم رغم كل المآسي في السهل، لأننا نتحدث عن مصير مشترك في بلد واحد. الآن درعا النشطاء فيها بلا أي غطاء ولا أي معيل، منهم من يعملون ليلا نهارا من أجل ترميم بيته المدمر.

من أجل لقمة خبز أطفاله. بعض من كان طفلا لحظة انطلاق الثورة الآن ربما متزوج ولديه أطفال. هذا الأمر مطلوب تفهمه بكثير من رحابة الصدر من قبل أهلنا في الجبل. والتعامل معه بطريقة منفتحة على نقاشه ومحاولة الوصول دوما إلى تقاطعات والتنسيق من أجل دعم أي حراك في السهل. وليس من خلال اليافطة المرفوعة لدى بعض الناشطين، أن القوى الإسلامية "تبعكم" هي من دمرت الثورة. هذا ليس دفاعا عن الجبل بل هو تكرار لمشهد لم يكن للمنتفضين في سهل حوران دور فيه، ولا كانوا من اتباع الإسلام السياسي.

وأول تنظيم لجبهة النصرة، كان قادته من الأردن. ولم تستطع فرض تنظيمها على حوران. السبب الأخير لنكن صريحين: هنالك من يقول أن الأسد لا يستطيع قصف الجبل بسبب خوفه من إسرائيل من جهة، وخوفه من أن يقال: إنه ضد الأقليات أيضا من جهة أخرى. لكن لو تحرك السهل مع الجبل سيكون مصير السهل مزيدا من الدمار ومزيدا من المعتقلين والمفقودين. هذه الحسابات موجودة لدى بعض الفعاليات في حوران دون أن اسمي، مع ذلك هم أقلية.

رغم ذلك أيضا في سهل حوران ودرعا خصوصا خرجت تظاهرات ووقفات احتجاجية تضامنا مع الجبل وحراكه في أكثر من قرية ومدينة. إضافة لذلك هنالك دول إقليمية تلعب دورا في إبقاء حراك السويداء وحيدا، ولها من يسمع منها. كنت قد كتبت عن هذا الامر سابقا.

هذه مساهمة في الحوار من أجل مزيد من التفهم سواء في السهل أو الجبل، من اجل التنسيق الذي يجب ألا ينقطع بينهما، من أجل سوريا حرة ديمقراطية ودولة قانون.

ليفانت: غسان المفلح

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!