الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • سؤال الجمهورية الجديدة في تونس.. محددات الأزمة ومسارات الحل

سؤال الجمهورية الجديدة في تونس.. محددات الأزمة ومسارات الحل
 رامي شفيق

ثمة حقيقة تتوارى وراء كافة الأحداث التي جرت في مشروع الدستور التونسي، الذي قدم عبر الرائد الرسمي، في نهاية شهر حزيران (يونيو) الماضي، بعدما تسلم الرئيس التونسي قيس سعيد مسودة الدستور من العميد الصادق بلعيد، رئيس لجنة صياغة الدستور، والذي خرج للجميع عبر جريدة الصباح التونسية مفادها أن مواد الدستور التي قدمت وسيتم الاستفتاء عليها، يوم الخامس والعشرين من شهر تموز (يوليو) الجاري، ليست المسودة التي عكف هو وأعضاء اللجنة على صياغتها. وأن التأويلات المقدمة في المواد بعيدة تماماً عن مقترحاته وما دونه في المسودة المقترحة.

وهو الأمر الذي أقر به الرئيس في سياق تقديمه التهنئة للشعب التونسي بمناسبة عيد الأضحى. بيد أن واقع الأمر يستقر نحو أن سعيد، منذ اللحظة الأولى، يرى الدستور في نسخته الجديدة وعليه أن يكون داخل رؤيته وفي حيز إرادته فقط.

واللافت أن الرئيس لا يهتم كثيراً بمعارضة القوى السياسية لمواد الدستور ويدفع بمخاطر اختراق الاستفتاء وبيانات المواطنين. وقد حذر بلهجة حادة ممن يحاول إفساد يوم الاستفتاء على مسودة الدستور لاعتبار أن تلك اللحظة تمثل أهم أهدافه في تلك المرحلة. نحو ذلك بدا نشاط سياسي حول تونس، خلال الفترة الأخيرة، عبر زيارة الرئيس والأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، إلى دولة الجزائر، والتقى الرئيس تبون على التتابع مع الرئيس الطبوبي، ودعا الأخير نحو ضرورة الوصول إلى صيغة توافقية مع سعيد. كما طرح حتمية الحوار مع الفرقاء منعاً للانزلاق نحو الانسداد السياسي للبلاد، خاصة مع الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب البلاد.

ليس ثمة شك أن تونس وهي تمضي إلى عقد جديد بعد انتهاء العشرية الأولى من اندلاع ثورة الياسمين، ما زالت تبحث عن صيغة توافقية بين القوى السياسية في سياق سؤال الهوية السياسية، وإشكالية الديمقراطية ونمطها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي،  الذي تسعى دول الربيع العربي للإجابة عليه بعد انقضاء عقد كامل.

ويمكن أن تلحظ ذلك في القاهرة وتونس بتباينات نسبية، وفقاً لوضع التركيبات الحزبية والقوى القائمة والفاعلة، المجتمعية والسياسية، فضلاً عن تموضعاتها في المجال العام.

عبر ذلك نجد أن صيغة الحوار الوطني تمثل نموذجاً مشتركاً في القاهرة وتونس، فضلاً عن طرح مفهوم الجمهورية الجديدة الذي يتراءى للقيادة السياسية ضرورة الوصول إلى مرادفات جديدة تتماهى وتناقضات الأوضاع الدولية واضطراب مفهوم الأمن الإقليمي وفراغ العواصم التقليدية في العالم العربي، مما سمح لدول شرق أوسطية مثل "تركيا" و"إيران" أن تتحرك في عدد من نقاط الجغرافيا المؤثرة في العالم العربي ومقايضة القوى الدولية بهذا الحضور.

مسار الأزمة العاصف الذي ضرب دول الربيع العربي في مطلع العام 2011، وفرض نمط الانهيار في أغلب الدول التي عرفت الأزمة خرجت منه القاهرة وتونس نحو الحفاظ على شكل الدولة ومفهومها في الأدبيات السياسية. غير أن القوى المناوئة، خاصة الإسلام السياسي، تتحرك على أطراف الأزمة الاقتصادية كل حين لتبيان أن الاستقرار الذي تبدو عليه الدولة هش وقابل للانهيار في أي لحظة. ولذلك كان طرح مفهوم الجمهورية الجديدة وتنظيم جلسات الحوار الوطني محاولة حثيثة لترتيب البيت من الداخل، وصنع حالة توافقية لا سيما أن الاضطراب العاصف الذي يضرب عقل العالم وثوابته التي عرفها طيلة العقود السابقة ما زالت تبحث عن صيغة آمنة لنظام دولي وإقليمي مستجد.

دستور سعيد الذي ينبغي الاستفتاء عليه، في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) الجاري، جاء على أنقاض دستور 2014 الذي يراه الرئيس التونسي سبباً لكافة أزمات تونس التي جرت خلال "العشرية السوداء". وعبر ذلك يقدر أن المرونة مع الاتحاد التونسي للشغل بغية الخروج من لحظة الاستفتاء بنجاح تمثل الحالة القصوى لأهداف فترته الرئاسية التي تسمح له بالتحرك بحرية مع الاحتفاظ بقدر وحيوية التحديات الإقليمية والدولية خلال السنوات القليلة المقبلة.

لا يبتعد ذلك كثيراً عن القاهرة التي تأمل أن ينجح الحوار الوطني في نسج حالة الحيوية في الفضاء السياسي واندماج كافة القوى السياسية داخل تشابكات وتناقضات الحالة السياسية، داخلياً وإقليمياً ودولياً.

من خلال ذلك، لا يمكن تجاهل دور الإسلام السياسي المتمثل في تحركات النهضة لإفشال الاستفتاء ودعوة المواطنين للتصويت ب "لا" على الدستور، وبالتالي ضرب مشروعية الرئيس بين المواطنين. التناقضات التي تضرب الشرق الأوسط وسط انهيار مفهوم الدولة وفشلها يحبط أي رؤية لاستقرار الأمن الإقليمي واستقرار نسقه العام ما لم تستطع تلك المجتمعات الوصول إلى لحظة التوافق فيما بين قواها وتركيباتها الاجتماعية والسياسية، وكذا الاقتراب الآمن نحو أهدافها المرحلية والتكتيكية في تلك اللحظة الحرجة.

 

ليفانت - رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!