الوضع المظلم
الأحد ١٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
روسيا وأوكرانيا ونظام اللاقطبية
خالد الزعتر

يقف النظام الدولي على أعتاب متغيرات جذرية، لا يمكن النظر إلى الأحداث بين روسيا وأوكرانيا بأن تأثيراتها ستبقى محدودة لا تتخطى حدود الجغرافيا الروسية والأوكرانية، على الحد الأدنى ينظر إلى الأحداث في الساحة الأوكرانية بأنها صراع على النفوذ بين روسيا، التي تنظر إلى أوكرانيا من منظور تاريخي بأنها جزء لا يتجزء من روسيا، وبين القوى الغربية التي تحاول جر أوكرانيا لتكون جزءاً من حلف الناتو وخلق تهديد للحدود الروسية، لكن على مستويات أعلى، لا يمكن النظر إلى الأحداث الأوكرانية إلا أنها تحمل معها تغييرات جذرية لشكل النظام الدولي الذي ظل أحادي القطب منذ التسعينات وتقوده الولايات المتحدة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.

منذ التسعينات وسقوط الاتحاد السوفيتي تغير شكل النظام الدولي إلى الأحادية القطبية، حيث أضحت الولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي منتصرة، هي القوة السياسية الوحيدة المسيطرة على كافة تفاعلات النظام الدولي، وهي من تحتكر القوة السياسية في العالم، وتمتلك نفوذاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لا يوجد من ينافسها على ذلك، ولكن منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008 حدثت تغييرات في شكل النظام الدولي، حيث برزت القوى الاقتصادية في شرق آسيا مثال القوة الصينية الصاعدة لتنافس الولايات المتحدة على النفوذ الاقتصادي العالمي، ومما لا شك أن الصعود الاقتصادي للصين سيفرض معه صعوداً سياسياً وعسكرياً، وهو ما يفكك السيطرة الأمريكية على كافة تفاعلات النظام الدولي، ما جعل شكل النظام الدولي يقف على أعتاب مرحلة جديدة من المتغيرات التي تقود لولادة الثنائية القطبية.

مع تطور الأحداث في أوكرانيا، بات واضحاً أن ليس الصين وحدها هي من تعمل على تفكيك السيطرة الأمريكية على كافة تفاعلات النظام الدولي، بينما نجحت الصين في ذلك عبر المسألة الاقتصادية، نجد أن روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي تحاول الصعود إلى المنافسة على احتلال مكانة في مركز السيطرة على تفاعلات النظام الدولي، وبالتالي فإن المكانة الأمريكية في قيادة النظام الدولي لا تواجه تحدياً اقتصادياً من قبل القوة الصينية، بل وتواجه تحديات سياسية وعسكرية من قبل الاتحاد الروسي.

بالرغم من الخطاب السياسي التصعيدي الذي انتهجته الولايات المتحدة والدول الأوروبية تجاه روسيا، إلا أنّه على الأرض أظهرت القوى الغربية تخاذلاً في مناصرة أوكرانيا والتصدي للتصعيد الروسي، وهو ما أوصل الأوكرانيين إلى قناعة "بأنهم خذلوا من القوى الغربية"، وهذا يؤكد أن المكانة القيادية للقوى الغربية في النظام الدولي باتت مترهلة، ولم تعد كما كانت في أوج ذروة قيادتها للنظام الدولي، كما حدث في أفغانستان والعراق، وبالتالي فإن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا كشف عن حجم المتغيرات الحاصلة في النظام الدولي، بحيث كشف عن مدى الترهل الحاصل في السيطرة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي والذي لم يعد يحتفظ ببنيته القديمة القائمة على "الأحادية القطبية".

النظام الدولي الذي كان يأخذ شكل الأحادية القطبية والذي سقط مع صعود الصين الاقتصادي الذي فرض شكلاً جديداً قائماً على الثنائية القطبية، وهو ما أدّى لاهتزاز المكانة الأمريكية التي تحتل القوة القائدة في النظام الدولي، نجد أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا والوقوف الغربي العاجز أمام ذلك، يحمل معه تغييراً في شكل النظام الدولي، نحو "اللاقطبية"، وهو بداية لنظام دولي جديد يتسم بتعدد الفواعل التي تمتلك وتمارس أشكالاً عدة للقوة تسحب البساط من القوى الغربية، وتحتل فيه الصين دور القوة الاقتصادية، وتحاول روسيا احتلال دور القوة السياسية والعسكرية.

 

ليفانت – خالد الزعتر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!