الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
رفعت الأسد من قضاء فرنسا إلى
Rifaat-Assad

تعليق/ ليفانت نيوز


 

ظهر رفعت الأسد في سوريا وكأنه لم يكن يوماً يواجه حكم السجن في فرنسا. دخل البلاد بخفة لم يظهر كيف حتى الآن، لكنّه ليس كارلوس غصن فتساعده بعض رشاقة متبقية في جسد ستيني ليختبئ في صندوق مُعَدَّات موسيقية ويخرج من مطار جزيرة بعيدة منعزلة في المحيط الهادي. رفعت الأسد في دمشق، اكتسح خبر وصوله العاصمة السورية وسائل الإعلام منذ مساء أمسِ الجمعة على أن رأس النظام السوري وافق على عودة عمه "المعارض" وسامحه، حتى الآن لا جديد.


ماذا يمكن أن يقال عنه وقد امتلأت الصحف والمواقع بأخبار محاكمته في سويسرا كمجرم حرب أو في فرنسا وإسبانيا حيث حُكم عليه بالسجن وجرى مصادرة أصوله العقارية والمالية في كلا البلدين بتهم تبييض الأموال والتهرب الضريبي وسرقة المال العام في سرويا. لكن جدير بالملاحظة كيف جاء الخبر المقتضب على موقع الوطن أونلاين الموالي للسلطة، الذي نشر خبر وصوله للمرة الأولى. إن بشار الأسد رأس السلطة في نظام البعث الحاكم «ترفع عن كل ما فعله رفعت الأسد وسمح له بالعودة إلى سوريا، مثله مثل أي مواطن سوري آخر ولن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي».


لم نعتد حنيةً بهذا المستوى من رئيس البلاد الذي ساوى بين السوريين بالموت، كما ساواهم مع رمز موت آخر ما يزال يمشي على قدميه، سيحظى بوقته ليزور أطلال مدن سويت بالأرض فيتنفس مشهد الدمار مرة أخرى. في الحديث عن رفعت الأسد هناك مسارين أساسين في سرد تاريخ الرجل إعلامياً فيما يخص المطالبة بمحاسبته كمجرم حرب. إشرافه على عمليات عسكرية في سوريا أدت إلى مقتل آلاف المدنيين في حماة على خلفية حملات التصفية والمداهمات ضد تنظيم الإخوان المسلمين التي قادها بواسطة تشكيلات من سرايا الدفاع والقوات الخاصة. إعطائه الأوامر بارتكاب مجزرة/إعدامات ميدانية جماعية بحق معتقلين سياسيين من الإخوان المسلمين في سجن تدمر. في هذه الأحداث لاحقته بعض الدعوى في أوروبا، وفشلت منظمات في إدانته في مطلع الألفية، لتعود الدعاوى مرة جديدة ضده في سويسرا وفرنسا.




صورة لأحد أحياء حماة بعد ضربها من قبل سرايا الدفاع. 1982. صورة لأحد أحياء حماة بعد ضربها من قبل سرايا الدفاع. 1982.

لا يحتاج رفعت الأسد للبروفيسور سيرجيو ماركوينا لتهريبه من أوروبا، فالثمانيني الذي تمنى أن يدفن في سوريا ويمضي سنواته الأخيرة فيها وفقاً لمصادر "الرأي اليوم" سيجد سبيلاً للهرب بما يملكه من مال وعلاقات، بل ذهب محللون أن سلطات الدولة حيث كان والمرجح إسبانيا تراخت عن مراقبة العجوز المريض لتتركه يحظى بأمنيته الأخيرة أو أن صفقة ما جرت فتنتهي معضلته كما انتهت معضلة كارلوس غصن مع فارق بأن الأخير خطط منفرداً مع مجموعة صغيرة لتهريبه ولم تتدخل دول في الأمر أو شبكات مافيا كبرى.


العم المعارض..


ليس غريباً أن تسمع أساطير ترددها ببغاءات في أوساط مجتمع العسكريتاريا في سوريا بأن رفعت الأسد على عداء مع منظومة أخيه حافظ ووريثه بشار من بعده. أي بمعنى عداء يمنعه من زيارة سوريا دون مانع جدي.


يتردد في الأوساط الإعلامية معلومات متضاربة بأن رفعت الملقب "بجزار حماة" لم يدخل سوريا منذ عام 1984 بعد انتهاء الأشهر الثلاثة التي هزت البلاد كما عنون مصطفى طلاس في كتابه، وفي موضع آخر لم يدخل البلاد منذ 1992 عندما عاد للمشاركة بتشييع والدته، وفي موضع آخر منذ 1998 عندما أعفاه أخيه من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية فكان العام الأخير الذي تواجد فيه داخل البلاد. إذاً في أبعد تقدير فإن آخر حضور لرفعت في سوريا كان عام 1998 وفق ما تداوله الإعلام.


أذكر تماماً عندما كنت في دمشق 2002 أزور صديق كان يخدم في إحدى المقار الخاصة في دمشق، مررت أنا وهو أمام مبنى في حي المهاجرين وكانت السيارات الفخمة أمامه. سألته عنه فأجأبني ببساطة: "بكون رفعت هون". لاحقاً علمت أن بعض أولاده المقيمين في فرنسا يترددون إلى دمشق.


اقرأ المزيد: جامعات و”إعادة توطين”… قوة ناعمة تركية لنفوذ أكثر استدامة في الشمال السوري


آنذاك كنت طالباً جامعياً، واعتقدت مثل غيري أن رفعت الأسد هذا الاسم الثقيل والمحبب حتى عهد قريب عند شريحة لا بأس بها من مؤيدي الأسد ذوي المنبت العلوي ما كانت قدمه لتطأ سوريا بعد تسويته مع أخيه.


تتغير الأمور وتتوسع المدارك وتفهم كيف تطبخ هذه الأنظمة طبخات البحص لشعوبها. آخر طبخة هي "هروب" رفعت الأسد من فرنسا الذي يواجه حكماً بــ 4 سنوات من قبل محكمة البداية في باريس والمثبت من قبل محكمة الاستئناف الشهر الماضي بجرم تبييض الأموال والتهرب الضريبي وسرقة أموال عامة من سوريا ما بين 1996 و 2016 مصادرةً ما يقارب 90 مليون يورو "للقائد" على شكل عقارات في فرنسا، منزلين في أحياء باريسية أنيقة ومزرعة خيول وحوالي 40 شِقَّة وقصرا. كما صادرت إسبانيا عقارات لعائلة رفعت الأسد عام 2017، تقدر قيمتها بحوالي 695 مليون يورو.



العودة في سيناريو


ما الجديد حتى الآن، لم يخرج أي تعليق رسمي من فرنسا أو إسبانيا يوضح في أي سياق قانوني غادر رفعت الأسد مقر إقامته، أو يشرح سيناريو "مغادرته" بهذه البساطة؛ ما يفتح الباب على أسئلة عدة حول كيفية وصوله إلى سوريا بينما يُفترض أن يكون مراقباً من قبل الشرطة وممنوع عليه السفر خارج البلاد.


بالعودة إلى الوراء قليلا، لقد شارك رفعت الأسد "بالانتخابات الرئاسية" في مقر السِّفَارة السورية بباريس وانتخب ابن أخيه كما ظهر من خلال صور تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي. آنذاك، قدّر مراقبون وناشطون أن هذه الخطوة توطئة لصفقة تتحضر يمكن أن يكون لرفعت الأسد دور في سوريا المستقبل.




أسماء الأسد Asma al-Assad, wife of the president of the Syrian regime, Bashar al-Assad, in a meeting with the cadres of the Syrian Trust for Development- 23 July 2017

أبعد من ذلك، انجرف تيار من المراقبين بأن السلطة ولاسيما العسكرية تعاني خلافات حادة ولاسيما مع إقصاء آل مخلوف وبروز دور محوري لأسماء الأخرس وأن عودة رفعت إلى سوريا مع البقية الباقية له من تأثير وشعبية في الأوساط الشعبية المؤيدة يمكن أن يدفع إلى التهدئة.


بينما عجزت كل الجهود الدولية لإيجاد مخرج للأزمة السورية من الداخل، فأن كل مؤيدي الرجل الثمانيني من الحرس القديم عساكر متقاعدين أو موتى. على الرغم من ذلك يبني سوريون آمالهم على كي النار بالنار، تمنيات يفسرها الإحباط واليأس والخذلان والتمسك بأي بارقة أمل حتى لو كانت بواسطة رفعت الأسد.

بعد قرار محكمة باريس مصادرة أملاكه، لم يمثل رفعت الأسد أمام المحكمة، إذ إنه نُقل إلى المستشفى في ديسمبر/كانون الأول؛ لإصابته بنزيف داخلي كما أبرق محاموه للمحكمة أصولا. وظهر في مقطع فيديو منشور حديث نسبياً يلقي كلمة بدا فيها متعباً وغير متوازن تضيع منه الكلمات.


اقرأ المزيد: طمس ملامح عفرين وسرقة آثارها… مخطط أنقرة التتريكي تمهيداً لضمها في النهاية


هناك إجابة على هذا التساؤل شاركها ابنه فراس المعارض والمقيم في فرنسا يوم أمس على صفحته على موقع فيسبوك. قبل ذلك توقع فراس عودة أبيه في مدونة متأخرة قليلا، وأكّد فيها ألّا دور لأبيه على الإطلاق في الحياة السياسية عند عودته. يعود مساء أمسِ الجمعة في مدونة جديدة مختصرة قائلاً إن العودة جرت كصفقة بين مخابرات روسيا وفرنسا والنظام، وأن مسألة العودة أمر شخصي ولا عَلاقة لها بالشأن العام في إجابته على بعض التعليقات.


إلى أن يخرج تعليق رسمي من فرنسا أو إسبانيا تبقى كيفية مغادرة رفعت الأسد لأوروبا غير مؤكدة. بعمر 84 سنة ووضع صحي سيء ومواجهة حكم قضائي في إقامة إجبارية منزلية أو منشأة حكومية لا مكان لرفعت في أي توليفةٍ مستقبليةٍ إلا رغبةً شخصيةً أن يموت في سوريا.

 
وائل سليمان

ليفانت_ خاص


كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!