الوضع المظلم
السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
رسائل متعددة بين روسيا وإسرائيل وسوريا
ماهر إسماعيل 

لأول مرة في تاريخ العلاقة الروسية الإسرائيلية منذ التدخل الروسي - الإسرائيلي في سوريا في نهاية العام 2015، تختار الخارجية الروسية الرد على الضربات الإسرائيلية لسوريا بعد قصف مطار دمشق الدولي، وإخراجه عن العمل، بمشروع قرار أممي سوف تتقدم به إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث قالت الخارجية في متنه: "إن الهجوم نفذ بشكل ينتهك القانون الدولي، ويقوّض الاستقرار وينتهك أيضاً سيادة سوريا والدول الأخرى".

 وأكد المشروع أنه يجب "محاسبة المسؤول على تنفيذ الهجوم لأنه أضرّ بشكل صاروخ بالقدرة على مساعدة سوريا إنسانياً".

وكانت وزارة الخارجية استدعت، في وقت سابق، السفير الإسرائيلي لدى روسيا وطالبته بتقديم توضيحات حول "القصف العدواني الذي استهدف مطار دمشق الدولي وأخرجه عن الخدمة"، وعدت الخارجية الروسية أن "التبرير الذي ورد من الجانب الإسرائيلي غير مقنع".

وأوضح نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، للسفير الإسرائيلي، أليكس بن تسفي، أن التفسيرات الإسرائيلية المقدمة، حتى الآن، لا ترضي موسكو، كما أبلغ السفير أن روسيا لن تسمح بتحول سوريا إلى "ساحة معركة" لدول أخرى في محاربة الإرهاب.

وأضاف البيان، أن "قلق روسيا البالغ إزاء الضربة الجوية التي شنّتها القوات الجوية الإسرائيلية على مطار دمشق المدني، ما أدى إلى تضرر مدرج ومعدات ومباني ملاحية وإلحاق أضرار بالحركة الجوية المدنية الدولية".

الرسائل الروسية - الإسرائيلية:

رغم التفاهمات التاريخية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على السماح للطائرات الحربية الإسرائيلية بالعمل في سماء الأجواء السورية دون تدخل من القوات الروسية ضدها.

ونشر موقع (واللا) العبري، في الشهر الأول من العام 2019، آلية التنسيق التي كرسها الاتفاق، حيث تقوم إسرائيل بضرب أهداف تابعة لطهران وحزب الله في إطار مكافحة التوسع الإيراني في سوريا.

وأضاف الموقع، أن آلية التنسيق المشترك لا تتضمن منع الدفاعات السورية من اعتراض الصواريخ الإسرائيلية، إلا أنها تحرص على منع توجيه نيران تلك الدفاعات نحو المقاتلات الإسرائيلية ذاتها، كما جاء في موقع (ليفانت).

إن الرسائل المتبادلة بين روسيا وحكومة الاحتلال الإسرائيلي بأن موقف تل أبيب من الحرب الروسية على أوكرانيا لم يأتِ كما ترغب الخارجية الروسية، لذلك قامت بإعداد مسودة المشروع إلى مجلس الأمن، وأنّه إذا لم تراعِ الحكومة الإسرائيلية مصالح روسيا في أوكرانيا، فإنها سوف تتخذ مجموعة إجراءات تعقد من تطبيق الاتفاق الذي كان يجري العمل به منذ تفاهمات (نتنياهو- بوتين) في السماء والأرض السورية، والتي تستهدف الوجود الإيراني في سوريا، وحتى هذه اللحظة ما زال العمل بالتفاهمات قائماً، لكن تتغير الوقائع والعمل بالتفاهمات ما بقي الموقف الإسرائيلي داعماً للرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي، حيث طلب سابقاً من رئيس الحكومة الإسرائيلية لعب دور الوسيط في التفاوض بين روسيا وأوكرانيا، وقد بذل بينت ما في وسعه في المرحلة السابقة رغم عدم التقدم في المفاوضات بينهما.

الرسائل الإسرائيلية لدمشق:

إن الرسالة الأوضح لدمشق عبر تخريب وتدمير مدارج هبوط الطائرات المدنية في مطار دمشق الدولي، هي منع إيران من نقل شحنات السلاح عبر مطار دمشق الدولي، وتخفيف كمية السلاح الذي ينقل إلى لبنان لحزب الله في ظل التهديدات العسكرية الواضحة لسفينة التنقيب الإسرائيلية (أنير جياني باور) التي رست وتتجهز لبدء الحفر في منطقة تصنيف (متنازع عليها)، بحسب الدولة اللبنانية.

وتلعب رمزية مطار دمشق بعداً سياسياً من رموز نظام الأسد، فمن قراءة عمليات القصف السابقة أن الحكومة الإسرائيلية كانت تقصف شحنات الأسلحة خارج مطار دمشق الدولي، وهذا التحول النوعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية يوحي بنقلة نوعية في التعامل مع الوجود الإيراني، ونقله السلاح لحزب الله اللبناني رغم السيطرة الإيرانية على العديد من المواقع التي يمكن من خلالها نقل هذا السلاح بعيداً عن مطار دمشق الدولي، فتوقيف العمل في المطار هو رسالة سياسية إسرائيلية للنظام أكثر من أنها رسالة عسكرية.

إن الرسالة الأوضح لدمشق هي الابتعاد عن طهران وسياساتها في المنطقة، خصيصاً الجانب العسكري تجاه تل أبيب، فهل تستطيع دمشق الاستجابة لهذه الرسائل والابتعاد؟

إن كل المؤشرات والوقائع والمحاولات العربية قبل المحاولات الإسرائيلية لم تجدِ نفعاً مع نظام دمشق من أجل فك الارتباط بالمشروع الإيراني في المنطقة الداعمة للرئيس الأسد.

الرسائل الإسرائيلية لطهران:

إن الرسالة الإسرائيلية للحلقة الأولى المحيطة بالمرشد الأعلى (علي خامنئي، والحكومة الإيرانية) حول الاتفاق النووي، أنه مؤقت في حال التوصل إليه مع إدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطية التي تحكم البيت الأبيض الأمريكي، وعند وصول الجمهوريين إلى حكم البيت الأبيض سيتوقف العمل بالاتفاق النووي المنجز، لذلك تبدو الإدارة الديمقراطية غير متحمسة لإنجاز هذا الاتفاق، في ظلّ ما يشاع عن قرب إقرار (القنبلة النووية الإيرانية) منها إلى قرار العودة للاتفاق النووي.

وفي حال الاقتراب الإيراني من تصنيع القنبلة، تضع المنطقة والإقليم على نار تصعيد عسكري كبير، ويقع هذا التصعيد ضمن الخيارات العسكرية الإسرائيلية للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، ويأتي الاستهداف لمطار دمشق الدولي الذي تستخدمه الطائرات الإيرانية لنقل معدات وأسلحة عسكرية إلى حزب الله في هذا الإطار، وأنه في حال أي رد إيراني على هذه الاعتداءات من الأراضي السورية سوف يكون التصعيد والعمل العسكري هو عنوان المرحلة المقبلة من الصراع (الإسرائيلي - الإيراني) في سوريا.

إن هذا الاعتداء ورمزيته، دفعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى القول: "إن قصف مطار دمشق الدولي قد يؤدي إلى صراع أوسع في منطقة مضطربة بالفعل".

وأعرب الأمين العام عن قلقه مما يبدو أنه تصعيد في أعمال العنف والخطاب العدائي بجميع أنحاء المنطقة، في الأسابيع الأخيرة، حسب بيان الأمم المتحدة.

وحذّر المتحدث باسم الأمين العام، ستيفاني دوجاريك، من مخاطر سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى صراع أوسع، مشيراً إلى أن "توجيه الهجمات ضد المدنيين والمرافق المدنية ممنوع منعاً باتاً بموجب القانون الإنساني الدولي".

وأكّد المتحدّث عن استعداد الأمم المتحدة "لمساعدة الدول الأعضاء في حل خلافاتها من خلال الحوار".

وجاءت الأرقام الإسرائيلية التي نشرتها صحيفة "حيروز اليم بوست" الإسرائيلية، من أن الطيران الإسرائيلي أغار خلال الخمس أعوام السابقة على الأرض السورية في (408) غارات، وألقى بأكثر من (5500) قنبلة، وقصف أكثر من (1200) هدف، وأكدت أرقام الصحيفة أنه في العام 2021، قصف بـ(585) قنبلة اتجاه (174) هدفاً فقط.

وكانت قد بينت ليفانت أن فريق صوت العاصمة قد وثق حوالي (38) غارة جوية شنتها الطائرات الإسرائيلية استهدفت (25) موقعاً للميليشيات الإيرانية وحزب الله، مؤكدة وقوع خسائر مادية وبشرية، والهجوم الأخير على مطار دمشق الدولي رقمه (15) في العام الجاري.

أخيراً.. إن رسائل العمل العسكري الإسرائيلي الأخير في مطار دمشق الدولي، وعدم الرد السوري أو الإيراني، وإنما جاء الرد السياسي عليه من خلال مشروع القرار الروسي الذي سيقدم لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، والذي يعتقد أنّه من الصعب جداً نجاحه ليعيد تظهير علاقة تل أبيب بموسكو، وكذلك التقييم الإسرائيلي لعلاقة النظام السوري بطهران، رغم أن هذه النظام ما زال هو الضامن للهدوء الذي تتمتع به جبهة الجولان، فهل تحمل الأيام القادمة تحولاً في علاقة تل أبيب بدمشق من بوابة النظرة الإسرائيلية لهذه العلاقة، خصيصاً أن الكيان الإسرائيلي مقبل على انتخابات تشريعية جديدة في ظل قرار حكومة بينت حل الكنيست؟

ليفانت - ماهر إسماعيل   

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!