الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
رابطة “حزب” العمل الشيوعي.. حكاية سورية
بسام سفر


تقع أهمية التأريخ والتعريف باليسار السوري ووضعه بالمكان اللائق، الذي دفع سنوات طويلة من حياة هؤلاء اليساريين، تصل إلى ملايين الأيام من أعمارهم وزهرتها في سجون الديكتاتورية السورية، منذ عهد الأسد الأب إلى الابن.


ويمهد كتاب قصة حزب العمل الشيوعي في سورية (1976- 1992)، فصل من تاريخ اليسار في سوريا، الصادر عن دار المرايا للإنتاج الثقافي، الذي يقع في (296) صفحة من القطع الوسط في القاهرة، بالشهر الثاني من العام الجاري، لدراسة مرحلة الحلقات الماركسية التي امتدت منذ العام 1967حتى العام 1976، حيث برزت مجموعات شبابية سورية في معظم المحافظات السورية تحمل الهم السياسي العام وتشتغل على فهم الواقع السوري الذي يجمع بين الاستبداد السياسي والهزيمة الوطنية، وتبحث عن طريقة للرد على الهزيمة.


ظاهرة الحلقات:


كان نشوء الحلقات الماركسية ظاهرة لافتة، لأنّها نشأت مستقلة عن بعضها البعض، وقريبة في إطارها العام من بعضها البعض أيضاً، لكل حلقة منشأ وتطور خاص بها، منها ما بدأ طريقه بالتحلّق حول رمز له حضوره الثقافي والاجتماعي في قريته أو مدينته،  ومنها ما كان عبارة عن تكرار للقاءات عفوية لمثقفين متقاربين في السن والتطلعات الاجتماعية، يجتمعون على موائد الشرب حيث يحلو الكلام في السياسية والثقافة، ومنها ما أصبح له اجتماعات دورية وبرنامج خاص، واشتراكات مالية ومهمات ثقافية وسياسية واجتماعية في منطقة تواجده الجغرافية. وبحكم منشأ تلك الحلقات فلقد كان للبعد المعرفي النصيب الأكبر فيها، فلم يكن أحد معصوم لديها من الخطأ، بما فيه ماركس وإنجلز، والكل يخضع للنقد، وكان هاجسها الأساسي إنتاج رؤية نظرية للمشكلات العربية على أرضية ماركسية.


ويرسم كامل عباس خارطة للحلقات من النصف الأول من العام 1974، أي قبل الاجتماع الموسّع الأول الذي عقد في النصف الثاني من العام نفسه، كما يلي:


1- حلقة في مدينة اللاذقية لها فروعها في ريف جبلة واللاذقية، نشأت على أنقاض حلقة قديمة تفككت بعدما أصبح أحد رموزها أمين فرع حزب البعث في اللاذقية.

2- حلقة في حماة جلّ أعضائها من حركة الاشتراكيين العرب، وأبرز رمز فيها كان عضواً قيادياً في تلك الحركة.

3-حلقة دير الزور هي لحركة القوميين العرب هناك، انفصلت عن الحركة وتبنّت الماركسية.

4-حلقة في جامعة دمشق أغلب أعضائها طلاب في كلية الطب.

5-حلقة في جامعة حلب تتمركز في كلية الاقتصاد وأخرى داخل اتحاد العمال.

6-حلقة في الغاب رموزها فلاحون تأثروا بالإصلاح الزراعي هناك.

7-حلقة داخل الجيش العربي السوري على الحدود السورية الإسرائيلية في الجولان. أبرز رموزها ضباط وجنود يؤدّون الخدمة الإلزامية هناك، وقد شكّل هؤلاء الجنود مع رموز طلابية أخرى صلة الوصل بين الحلقات، وثم تبادل الدراسات والأفكار بسبب حركة هؤلاء الإجبارية ونقلهم من محافظة إلى أخرى.


ويميز فاتح جاموس بين ثلاثة أنواع من الحلقات، الأولى: هي الأم تطور ترابطها من خلال الاجتماعات الثلاثية الموسّعة وصولاً إلى التنظيم المركزي، أي الرابطة. والثانية: هي الحلقات التي التحقت بالاجتماع الثالث الموسّع (حلقة هيثم العودات). والثالثة: هي الحلقات التي التحقت بالرابطة بعد تبلورها وبعد أن كانت هذه قد تشكلت وانطلقت، مثل حلقة العسكريين التي تشكلت بتأثير مباشر للتدخل العسكري السوري في لبنان (حزيران 1976)، أو الحلقات التي التحقت بالرابطة بعد سنتين أو ثلاث من انطلاقتها 1978-1979، كحال مجموعات ضيقة من تنظيم (23 شباط) بعد خسارته السلطة.


وعرض العدد السابع من مجلة “الشيوعي” بعنوان “ملاحظات حول المسألة التنظيمية- عرض تاريخي نقدي”، حيث يتناول المسألة التنظيمية تمهيداً لمؤتمر التأسيس: “كان الهم الأساسي بعد الاجتماع الأول الموسع منصبّاً على الوصول إلى صياغة أولية للخط النظري والسياسي ليشكّل أساساً لاستقطاب الحلقات ثم لدفع ذلك الاستقطاب مركزياً، وتوجيهه على أساس علاقات تنظيمية جديدة نقضي فيها على الهيكلية الحلقية الضيقة، واستبدالها بعمل خليوي قائم على كل الأسس الموضوعية (السياسية والجغرافية والإنتاج… إلخ).


بين الاجتماع الأول والثاني (1974-1975) قطعنا شوطاً أولياً على ذلك الطريق، لكن جاء الاجتماع الثاني بطريقة الإعداد له، وبنتائجه التنظيمية والنظرية والسياسية، ليشكل خطوة نوعية جديدة ذات قيمة، وعلى أثره صدرت أول لائحة تنظيمية، وبعد الاجتماع الثاني الموسّع (آب 1975) سارت العلاقة التنظيمية بهدوء، تطوّرت نحو الأحسن، وما إن جاء الاجتماع الثالث الموسع (نهاية آب 1976) الذي عقد في حلب، وحضره ثلاثون مندوباً، غالبيتهم لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر، يمثّلون حوالي 120 عضواً، ولم يكن هناك أي حضور نسائي، وظهر فيه الحضور النقابي لعمال حلب، وانتخب 15 عضواً هيئة مركزية، ومنهم خمسة أعضاء للجنة العمل، ومن نتائج اللقاء الثاني 1975 أن أصبحت العلاقات بكاملها تقريباً خليوية.


كان الاجتماع الثالث نوعياً على صعيد كل شيء (النظرية- السياسية- التنظيم)، فقد استغرقته المسألة التنظيمية، وجاءت المحصلة لصالح الجنوح الديمقراطي، غياب موضوع التعيين كلياً، لا يحق للهيئات العليا أن ترشح أحداً إلى أي شيء، كل شيء يجري بالانتخاب دون حساب للظروف غير المواتية مثل (الظروف الأمنية).


ومن نتائج الاجتماع، كراس بعنوان “التقرير السياسي- المهمات البرنامجية- المهمة الدعاوية مهمة مركزية”، ويحمل اسم “رابطة العمل الشيوعي”.


ويوضّح الباحث شعبو سبب هذا التحوّل كما فسره الاجتماع، إذ يقول: “جرى تفسير هذا التحول، أي التحول من حلقات إلى تنظيم مركزي محدد بالاسم والهيكلية، كما يلي: إنّ تفتت الحركة الشيوعية الرسمية وتفاوتها بين الانتهازية (أي جناح بكداش) والتردد (أي جناح الترك) في طرف، وعدم الجدوى النضالية لحالة التنظيم الحلقي بدون اسم من طرف آخر (هذا على المستوى الذاتي)، وكذلك اندفاع الظرف الموضوعي باتجاه الوضوح على المستويين الطبقي والوطني، وخاصة على أثر التدخل السلطوي السوري في لبنان، وما فرضه من ضرورات تحقيق معارضة ثورية فعلية، كل هذا أعطى ضرورة اتخاذ اسم نضالي في الاجتماع الثالث الموسع”.


رابطة العمل الشيوعي:


تعرف الرابطة في لائحتها التنظيمية بالتالي: “رابطة العمل الشيوعي فصل ماركسي لينيني، مهمته المركزية العمل الجاد مع بقية الفصائل الماركسية اللينينية في الساحة السورية لبناء فرع سوري للحزب الشيوعي العربي، هدفه رفع وعي وتنظيم وتعبئة الطبقة العاملة وحلفائها الطبقيين لإنجاز الثورة الاشتراكية بالأفق الأممي البروليتاري”.


ويذكر الكاتب شعبو، أنّ الاجتماع الثالث الموسّع كان في حوزته سلفاً كمّاً من الإنتاج النظري الذي اشتغلت عليه الحلقات من قبل، فعملت الرابطة على تطوير هذا الإنتاج وبلورته وتوحيد رؤيته وإصداره في كراسات بلغ عددها (13) وهي:


أولاً: الخط الإستراتيجي (ملامح الصراع الطبقي العالمي، المسألة الأممية والحركة الشيوعية العالمية، مسألة أشكال النضال والانتقال إلى الاشتراكية، الوحدة العربية ومسألة الأقليات، الثورة العربية والحزب الشيوعي العربي، المسألة الفلسطينية، البرجوازية الصغيرة والسلطة السورية، الطبقة العاملة السورية، الحركة الشيوعية المحلية، الجبهة والتحالفات، جدل بناء الحزب الشيوعي في الساحة السورية”.


ثانياً: وثائق من الاجتماع الثالث الموسع.


وثالثاً: لماذا رابطة العمل الشيوعي؟.


ويقدّم الباحث شعبو عناوين الصراع في تلك المرحلة التي كانت بدايتها (التدخل السوري في لبنان والولادة القيصرية للرابطة، والصعود العنفي المتدرّج للإخوان المسلمين في سورية، الرابطة والصراع بين السلطة السورية والإخوان المسلمين، رفع، ثم تجميد شعار إسقاط السلطة وصولاً إلى تقرير آب 1980 الشهير، وموقف الرابطة بعد إفراج شباط 1980، وتجميد شعار إسقاط السلطة).


ويقرأ مواقف الرابطة من المسألة الكردية، والكفاح المسلح، والجبهة الشعبية المتحدة مقابل التجمع الوطني الديمقراطي. ويبرز المحاولة الأولى لعقد مؤتمر للرابطة.


ويظهر في القسم الثالث، ولادة حزب العمل الشيوعي وتاريخه “المؤتمر الأول لرابطة العمل الشيوعي”، والخلافات داخل الحزب وعلى المحيط، والبرنامجان -الإستراتيجي والانتقالي- في مؤتمر التأسيس، والمرأة في تاريخ حزب العمل الشيوعي، وموقفه من الغزو الصهيوني للبنان في العام 1982، وحصار بيروت، وتمرد “يسار فتح”، وتكتيك حزب العمل من “الحرب المركبة”، وصراع الشقيقين (رفعت وحافظ) على السلطة في سوريا، وتظاهر أمهات وزوجات المعتقلين في آذار 1990، وعن ظاهرة اللجان الشعبية الفلسطينية في النصف الأول من ثمانينيات القرن الفائت.


ويعرض الكاتب شعبو لكراس “المسألة القومية، الوحدة العربية ومسألة الأقليات”، الذي يوضح الموقف المتطوّر من المسألة الكردية حيث تقول الحلقات/ الرابطة:


“إنّنا، بوصفنا قومية الأكثرية، نعاني من التجزئة واضطهاد والإمبريالية العالمية واستغلالها، كما تعاني الأقليات القومية في صفوفنا أشكالاً من الاضطهاد من قبل الأكثرية القومية العربية، تتراوح بين عدم الاعتراف بوجودها أصلاً”.


ويفرد فقرة خاصة عن الموقف من القضية الكردية في شمال العراق، يقول فيها:


“من حيث المبدأ نحن نقف بحزم وصلابة، كماركسيين، مع شعب كردستان وحقّه في تقرير مصيره، بما في ذلك حق الانفصال الكامل وتشكيل دولة مستقلة. أما على الصعيد التاريخي الملموس، فإنّنا انطلاقاً من تحليل الأوضاع الطبقية والسياسية في كل من كردستان العراق وإيران وتركيا، بشكل عام نرى ضرورة النضال في سبيل الحد الأدنى من الحقوق القومية الكردية الذي يتجلّى في تحقيق الحكم الذاتي”.


أما عن الأكراد في سورية، فإنّ الكرّاس يطالب “بحق تقرير المصير للشعب الكردي مستقبلاً، وريثما يتم ذلك فإنّنا نقف بحزم مع المطالب الكردية الديمقراطية، من حقوق المواطنة الكاملة إلى حق الثقافة باللغة الكردية، ونقف بحزم ضد ترحيل الأكراد وتهجيرهم أو عدم تجنيسهم أو تشكيل حزام عربي أو أية مضايقات أخرى”.


ويؤكد الكاتب شعبو على مشاركة الحزب دائمة في احتفالات النيروز، وفي1986، حين منعت السلطات احتفالات النيروز في الغوطة وغيرها من مناطق دمشق، ومنعت وصول الباصات وإعاقة السير، ما أدّى إلى تحوّل الشوارع مكان الاحتفال، ثم اتجه التجمع في مظاهرة احتجاجية نحو القصر الجمهوري، وكانت الهتافات “بيخدم مين اعتقال الشيوعيين”، ويأتي الرد “بيخدم كل الرجعيين”، وأيضاً “بدنا نقول.. بدنا نقول.. هل قمع رح يطول”. وتعرّض المتظاهرون إلى إطلاق رصاص أدّى إلى استشهاد شاب كردي( سليمان آدي) وجرح آخرين، كما جرى اعتقال عدد من المشاركين. وفي مساء اليوم ذاته، أصدر حزب العمل بياناً عما جرى، حمل توقيع منطقية دمشق، وجرى ترجمته إلى اللغة الكردية من قبل صديق كردي مقرب من الحزب (أحمد حسو)، ووزّع على نطاق واسع في الوسط الكردي.


أخيراً، إنّ كتاب قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا، للكاتب والباحث راتب شعبو، يستحق أكثر من قراءة، لتشعبه في رصد دور الحلقات والرابطة، وحزب العمل الشيوعي خلال سنوات طويلة من حكم الدكتاتورية السورية.


ليفانت – بسام سفر 








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!