الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
داعش المتدحرجة
عبد الله الجنيد

يستوجب بنا الحال العربي ألا ننغمس في جدل لغوي أو فقهي في تناولنا للإرهارب من حيث الفكر أو الفعل لأن العالم أجمع على أن الدم أول عناوينه، والقهر والخراب ثقافته وإرثة.

فالعنف هو المنهجية الوحيدة للتنظيمات الإرهابية وحتى المتبناة منها من قبل دول بشكل مستتر، مثل طالبان، وبإعادة قراءة تاريخ ذلك التنظيم، تحديداً، أي بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان لا قبله، سيجد أن هذا التنظيم، بشقيه الباكستاني والأفغاني، مثل حقل التجارب الأول القابل للاستنساخ في أكثر من مكان عبر برامج غربلة في أكثر ظرف مكاني يملك خاصية الاستدامة.

وطالبان أفغانستان احتضنت من دول سياسياً لأنّها تمتلك خاصية لا تمتلكها القاعدة، وهي كونها نتاج ثقافة المكان وتمتلك قدرة الاستدامة مكانياً بخلاف القاعدة. ذلك النجاح هناك قاد لتخليق داعش في مكان جديد، فداعش تم تخليقها في العراق بعد وقت لاحق للغزو الأمريكي في ٢٠٠٣، والذي عكف أولاً على تدمير كل هياكل الدولة القائمة، مما مثل تهيئة المناخ والبيئة الطبيعية القابلة للاستدامة تنظيماً مثل داعش. وداعش في نسختها القائمة جاءت بعد عدة تجارب ميدانية فاشلة في التخليق نتيجة عدم تهيؤ الظرف المناسب لاستدامتها، لكن انتفاضة الأنبار العراقي والثورة السورية أوجدت نقاط التقاء مصالح نظامي المالكي وبشار في التوظيف الأمثل لها عبر حدود بلديهما، حتى حان وقت دخول أطراف أخرى على خطوط تقاطع المصالح الإقليمية وإضفاء أبعاد أخرى في التوظيف الميداني والسياسي والإعلامي.

ما سبق يقودنا لطرح لسؤال آخر: هل الموقف العربي سياسياً من داعش هو الأمثل؟ بقراءة النتائج يتضح أن أحد أكبر الأخطاء التى وقع فيها الموقف السياسي العربي من داعش هو التسليم أو الإقرار بالتصور الأمريكي له مما خدم قدرة التوظيف الإعلامي والسياسي لداعش. وأكبر أشكال ذلك التوظيف هو التواصل العسكري ميدانياً بين الولايات المتحدة وإيران في العراق إلى حد اعتبارها شريكاً أصيلاً في الحرب على داعش، بل السماح لها بتنفيذ غارات محدودة ضد أهداف لداعش في الشمال العراقي لاسترضاء إيران في ملفات أخرى، على رأسها ملفها النووي، وثانياً تأخر حسم الملف السوري ووصول الوضع الإنساني فيها إلى ما تجاوز الكارثة الإنسانية.

داعش ستستمر في التدحرج جغرافياً حسب ما يقتضية تقاطع المصالح، وما مبايعة أنصار الشريعة والقاعدة في ليبيا للبغدادي أميراً عليها إلا محاولة لتحقيق أكثر من هدف:

أولاً، إعادة هيكلة تواجد الفصيل الأم "القاعدة" في الشمال العربي الإفريقي بالاستحواذ على تنظيمات تفتقد لهيكلية تنظيمية وعملياتية واضحة، لذلك جاء أول تصريح لتركي البنعلي، ممثل البغدادي في شمال إفريقيا، بضرورة مسارعة الجميع إلى مبايعة البغدادي أو تحمل عواقب ذلك.

ثانياً: توافر البيئة السياسية والاجتماعية بشكل أمثل في ليبيا إلا مما هو علية الحال في العراق أو سوريا نتيجة الاستهداف العسكري لها  وحيث تعتبر الحاضن الأمثل لها لتحقق حالة الدولة الفاشلة مما يعطيها فرص نجاح أكبر مستفيدة من ديمغرافيا قد تتحول لمتعاطف معها بشكل سريع في حالة تقاطع المصالح.

ثالثاً، حاجة الطرف السياسي الأضعف حالياً "الإخوان عبر البرلمان المنحل" لزخم سياسي ميداني يعطي محادثات الشراكة السياسة المهددة بالتعطل بعداً جديداً، لذلك جاءت تلك الجريمة في حق ٢١ مواطن "مسيحي" مصري لإحداث حجم الصدمة النفسية القابلة للتوظيف المعنوي. لكن ما يجب أن يشغلنا حقيقةً هو توافر ظروف مماثلة لليبيا في أكثر من موقع وتمتد إلى عمق إفريقيا الوسطى غرباً (بوكو حرام) وهذا شأن يجب أن يجابه بجهد دولي حقيقي، لكن هدف التدفق المقبل لداعش سوف يكون الشرق الإفريقي والصومال تحديداً. فالصومال تمثل أكبر أمثلة الدول الفاشلة وتمتد جغرافياً في شكل خنجر إلى خاصرة الجزيرة العربية. ومن الصومال ستستطيع داعش الانتقال إلى اليمن، حيث تمثل حالة عدم استقرار سياسي والقابلة لأن تتطور لاحقاً إلى حالة عدم استقرار اجتماعي، ونحن نتحدث هنا عن كتلتي ديمغرافيا وطبوغرافيا هما الأنسب لداعش، عندها سوف يفشل أي برنامج احتواء قابل للتوظيف لاحتوائها ضمن الحدود اليمنية.

داعش ليست تنظيماً إرهابياً، بل آلية خُلقت لتثبيت حالة الفراغ السياسي عربياً لا لخلق دولة الخلافة، فهي أداة تكتيكية لا مشروع سياسي، وعلينا التعامل معها من ذلك المنطلق لا بأي شكل آخر، ولندرك سريعاً أن الاستمرار بقبول حالة الفراغ السياسي في الخواصر يجب أن يتم التعامل معها من باب التهديد المباشر للأمن القومي لا السياسي القابل للتعاطي عبر آليات الدبلوماسية التقليدية.
 



ليفانت - عبد الله الجنيد

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!