الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
خطاب ماكرون.. انقسام فرنسي ورفض بين المسلمين
ماكرون

تشهد فرنسا خلال السنوات الأخيرة، منذ عام 2015، واعتداءات باريس الإرهابية التي نفذتها خلايا تنظيم داعش ضد الأبرياء، حالة تأهب وتحدٍّ مع محاربة الإرهاب والتطرّف.. فالجهود الفرنسية في محاربة الإرهاب والتطرّف من قبل الحكومة الفرنسية كان لها دور فاعل داخل التحالف الدولي والقضاء على معاقله في العراق وسوريا عام 2017، لكن التحدّي الأكبر الآن هو مواجهة التطرّف والإرهاب محلياً من الداخل.


دعت فرنسا يوم 25 أكتوبر 2020 حكومات الدول الإسلامية إلى وقف دعوات مقاطعة سلعها التي جاءت بعد تصريحات لمسؤولين، من بينهم الرئيس إيمانويل ماكرون، تنتقد التطرّف الإسلامي عقب مقتل مدرّس بعد عرضه رسوماً مسيئة للنبي محمد.


وقالت الخارجية الفرنسية في بيان: “إنّ الدعوات إلى المقاطعة عبثية ويجب أن تتوقف فوراً، وكذلك كل الهجمات التي تتعرّض لها بلادنا والتي تقف وراءها أقلية راديكالية متطرّفة”.


وأشارت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، إلى وجود جمعيات معينة توجّه إليها أصابع الاتهام بنشر التطرّف وتتعالى أصوات السياسيين ضدها، على رأسها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والذي وصفه أحد نوّاب البرلمان الفرنسي بكونه “الجناح العسكري لتنظيم الإخوان” في البلاد، وفق ما أوردته الصحيفة.


ويرى عالم الاجتماع “رافايل ليوجيير”، أنّ وزيرة المواطنة قد قدّمت الوصف الصحيح للمشكلة: “إنّ تطرّف الأفراد بات يحدث تلقائياً عبر الأدوات التي تتيحها وسائل الإعلام اللحظية التي هي في حالتنا ممثلة بوسائل التواصل الاجتماعي”.


ويستخلص ليوجيير من أبحاثه التي قام بها، أنّ هذا التحول في معتقدات الأفراد يكون لحظيا أيضاً وليس حسب عملية طويلة، كما يحلو لنا القول بذلك غالباً. ويتابع عالم الاجتماع بأنّ التطرّف الإسلامي لم يعد ينتمي إلى إقليم أو منطقة معينة، بل بات ينتشر في كل مكان على الشبكة.


مقتل أستاذ التاريخ بوحشيّة


تأتي دعوة الحكومة الفرنسية هذه بعد مرور بضعة أيام فقط على مقتل صامويل باتي، أستاذ التاريخ، بقطع رأسه بوحشية على يد لاجئ شيشاني في شوارع الضاحية الباريسية، كونفلان سانت-أونورين، بسبب عرضه صوراً كاريكاتيرية للنبي محمد على تلاميذه في حصة درس عن حرية التعبير.


التقت وزيرة المواطنة الفرنسية بمدراء منصّات ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد للبحث معهم في إستراتيجيات أكثر فعالية لمكافحة التيار الإسلامي المتطرّف في الفضاء الإلكتروني، والذي تعدّه الحكومة مسؤولاً عن انتشار أيديولوجية التطرّف بين الشباب.


أردوغان يدخل على خط الأزمة


استدعت فرنسا، يوم 24 أكتوبر 2020، سفيرها إلى أنقرة للتشاور بعد تصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال فيها إنّ على الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فحص صحته العقلية. وقد ندّد الرئيس التركي، بسياسات نظيره الفرنسي حيال المسلمين، وقال إنّ عليه “فحص صحته العقلية”.


دافع الاتحاد الأوروبي عن إيمانويل ماكرون في وجه رجب طيب أردوغان، الذي هاجم بقوة الرئيس الفرنسي وطالبه “بعلاج نفسه”. وتشهد فرنسا وتركيا توتراً على عدة أصعدة، أجّجته تصريحات ماكرون حول الإسلام، وندّد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، 25 من أكتوبر 2020، بتصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ضد نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، معتبراً أنّها “غير مقبولة”، داعياً أنقرة إلى “وقف دوامة المواجهة الخطيرة”.


ودعا شيخ الأزهر، أحمد الطيب، يوم 28 أكتوبر 2020، المجتمع الدولي إلى إقرار تشريع يجرّم معاداة الإسلام والمسلمين، مشدداً على ضرورة الالتزام بالسلمية وبالطرق القانونية، في الدفاع عن النبي محمد والدين الإسلامي.


النتائج


ـ رغم أنّ خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون، في أعقاب جريمة مقتل المدرس الفرنسي، صامويل باتي، كان غير واضح، وربما بعض المفردات كانت تقبل أكثر من تفسير أو توضيح، مثل “الدين الإسلامي يعاني من أزمة، والإسلام الراديكالي والانعزالي”، إلا أنّ ذلك لا يعطي الحق للجماعات المتطرّفة والإسلام السياسي في فرنسا وأوروبا، من “توظيف” ذلك الخطاب من أجل تحشيد الجاليات المسلمة، في فرنسا وأوروبا والدول الإسلامية، في شنّ هجمة إعلاميّة ضد فرنسا. وفي الوقت نفسه، لايمكن القبول بالتجاوز على الرسول محمد، ولا على رموز باقي الأديان، ولا يمكن قبول ذلك أبداً، كون ذلك يثير الكثير من الكراهية والتطرّف.


ـ بدون شك هناك صعوبة بالغة تواجهها فرنسا في الوقت الحاضر، وهي “الموازنة” في محاربة التطرّف والحفاظ على حرية الرأي أو التعبير عن الرأي، وهذا مايمثّل تحدياً، ليس لفرنسا، بل معضلة لدول الغرب ودول أخرى.


ـ إنّ الرئيس الفرنسي بدأ يتّجه نحو سياسة “اليمين”، ربما محاولة منه لعدم خسارة شعبيته، وعدم منح اليمين المتطرّف فرصة جدديدة لتوظيف الحادثة الإرهابية الأخيرة، مقتل المدرس الفرنسي.


ـ ماتريده فرنسا، أنّها تحترم حرية التعبير عن الرأي، لكن المشكلة، عندما تتحول موضوعات التعبير عن الرأي إلى “تجاوز على رموز دينية”، وهذا من شأنه أن يثير الكثير من الكراهية ويدفع إلى العنف.


ـ تلعب فرنسا دوراً دولياً في محاربة التطرّف والإرهاب، ولديها مشاكل تحديداً مع تركيا، وربما كان الرئيس الفرنسي ماكرون من أكثر الرؤساء الأوربيين انتقاداً لسياسات تركيا، المتورّطة في دعم التطرّف والإرهاب في أوروبا، وفي سوريا والعراق وليبيا ودول أخرى.


ـ رغم الانتقادات الموجّهة إلى خطاب الرئيس الفرنسي، يجدر بالدول الإسلامية والجاليات المسلمة والمسلمين في العالم، أن لا ينجرّوا وراء خطاب التطرّف، كون هناك أطراف إقليميّة وأحزاب الإسلام السياسي، خاصة في فرنسا وأوروبا، استغلّت بالفعل حادثة مقتل المدرس الفرنسي، وخطاب ماكرون.


ـ إنّ الفصل ما بين الإسلام والجماعات الإرهابية، هي مهمة الجميع، وأن لا يكون هناك خلط مابين التطرّف والإسلام أو ما بين المسلمين والإسلامويين أو المتأسلمين، الذين يستغلّون الدين الإسلامي لأغراض سياسية ومنافع شخصية.


بات ضرورياً أيضاً أن تحسم دول أوروبا موقفها من قضية التجاوز على الرموز الدينية، وهنا يجدر الإشارة إلى أنّ التجاوز على الرموز الدينية، لايمكن اعتباره تعبيراً عن الرأي والحريات بقدر ما يعتبر سبباً للتحريض على الكراهية، وهذا ما يدفع بعض الأشخاص لتنفيذ عمليات إرهابيّة، بدافع الثأر والانتقام أكثر من ارتباطهم بالتنظيمات الإسلاموية المتطرّفة.


ما نحتاجه اليوم هو عدم الانجراف وراء الحملات الإعلاميّة والترويجيّة التي تحرّض على الكراهية، بل علينا التمسك بالتعايش السلمي داخل مجتمعاتنا بين مختلف الأديان والأعراق.


ليفانت-علا بياض

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!