الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
ملفات قيصر.. أدلةٌ من داخل آلة القتل السورية
محاكمة كوبلنز


ليفانت- لونا وطفة


تناولت الجلسات الثلاث السابقة في محاكمة المتهمين أنور رسلان وإياد الغريب موضوعاً واحداً مع عدة شهود، ألا وهو ملف قيصر.


حيث تمّ المرور على كافة تفاصيل هذا الملف من بداية التحقيق به، إلى تفاصيل الصور وطرق وأسباب اعتمادها كأدلة قضائية لا لبس فيها، وليس نهاية بتفاصيل الأرقام على جثث الضحايا وعلامات التعذيب.


الشاهدة في الجلسة الثامنة والثلاثين المنعقدة بتاريخ 27.10.2020 كانت الصحفية الفرنسية ومؤلفة كتاب (عملية قيصر – في قلب آلة الموت السورية) الكاتبة Garance Le Caisne / غارانس لو كين.


استمرت جلسة الشاهدة في هذا اليوم حتى قرابة الساعة الثالثة عصراً، تحدثت خلالها عن طريقة وصولها لقيصر ولقائها به وعملها على توثيق ما قدمته بكتابها والذي أكّدت أن الغرض منه لم يكن شخصية قيصر بحد ذاتها، وإنما أولئك الذين قُتلوا.


تحدّثت الشاهدة تفصيلاً عن لقاءاتها الأولى بقيصر، وكيف بدأ العمل بالكتابة، وعن التفاصيل التي أعطاها إياها، على سبيل المثال كيف كان يتمّ تصوير الجثث والأرقام عليها وكيف وُثِّقت الملفات.


مع بداية الثورة اختلف عمل قيصر كثيراً، وأصبح منحصراً في مشفى تشرين العسكري، ثم بعد ذلك أصبح في مشفى 601 العسكري في المزة، لم يعمل قيصر في مشفى حرستا العسكري وهو المشفى الذي كانت ترسل جثث فرع الخطيب إليه، ولأجل ذلك لم يتواجد في الصور التي التقطها كثيراً من هذا الفرع الأمني.


خلال شهادتها بدت الشاهدة متأثرة كثيراً بتلك التفاصيل وكان مجرد استذكارها سبباً لبكائها أثناء الشهادة بين الفينة والأخرى، وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت بها دونما استراحة، بيد أن المحكمة قد سألتها غير ما مرة، إن كانت بحاجة إلى استراحة.


تحدثت أيضاً عن استصدار شهادات الوفاة من قِبل الطبيب الشرعي في المشافي العسكرية والتي تم عرض نسخة منها كما هي موجودة في كتابها. بدأ العمل من جهة قيصر على التوثيق عام 2011 وحتى صيف 2013، تم خلال هذه الفترة تهيئة نسختين من الصور من قِبل سامي، إحداهما بدقة منخفضة للتحميل على الانترنت بهدف عرضها أمام العالم كدليل على جرائم النظام وليتمكن أفراد العائلات من البحث عن ذويهم المعتقلين، والثانية بدقة الصور الأصلية العالية، وهذه تم تهريبها من سوريا باليد على ناقل يو إس بي USB وخضعت لعملية التحقق منها نهاية 2013 وبداية 2014 عندما قررت قطر تمويل عملية التحقق التي جرت بواسطة فريق تحقيق عالمي مختص بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وبتكليف من مكتب محاماة في لندن. قُرِئ تقرير فريق المحققين الواقع بثلاثين صفحة في الجلسة التالية بتاريخ 28.10.2020 كاملاً بعد انتهاء شهادة الصحفية لو كين في اليوم السابق.


في نهاية شهادتها، أكدت السيدة لو كين أن سامي وقيصر يتملّكهما الخوف حتى الآن، ولاتدري إن كانا قادرين على القدوم والإدلاء بشهادتهما أمام هذه المحكمة أم لا، وهو ما أكّده المدعي العام حين سألته القاضي إن كان هناك احتمالية موجودة لإدلاء سامي بشهادته أمام المحكمة، فأجاب بأن هذا الاحتمال غير وارد في الوقت الراهن.


شاهدة تروي لليفانت مشاهدات مرعبة من ملفات قيصر


بالعودة لتقرير التحقق المشار إليه والذي تناولته الجلسة الثامنة والعشرون، فقد كان خلاصة عمل ثلاثة بروفيسورات وثلاثة أطباء مختصين بالطب الشرعي، يتمتّع جميعهم، كما يشير التقرير بالخبرة الواسعة في مجال ملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأكّد هؤلاء أن أدلة المنشق -الذي حمل الاسم الرمزي “قيصر” والذي منحته إياه اللجنة ذاتها- تتمتع بالمصداقية الكافية لاستخدامها لاحقاً في محاكمات قضائية.


ورد في التقرير تصنيفٌ كاملٌ للإصابات الظاهرة على الجثث، ونِسبٌ مئوية لعدد مرات تكرارها على بعض أجزاء الجسد، والتي أدّت بعد فحصها ودراستها لتشكيل قناعة تامة عند فريق التحقيق بوجود عمليات قتل وتعذيب ممنهجين، وأنّ النظام اقترف جرائم ضد الإنسانية، مؤكّدين وقوع جرائم حرب في سوريا.


كان لليفانت لقاءٌ خاصٌ مع الشاهدة بعد انتهائها من شهادتها، وسؤالها أولاً عن المحكمة وانطباعها الخاص عنها فقالت: “كانت الأجواء في المحكمة لطيفة جداً والجميع كان هادئاً، حقيقةً لم أتوقع شيئاً كذلك، كان هناك ثقة واضحة”.


وعن سؤالنا لها عن عملها في ملف قيصر حتى لحظة نشر كتابها عام 2015 قالت: ” أنا لا أريد الحديث عن نفسي ولكنني أرى شخصياً أن ملف قيصر بحد ذاته هو كالمصفوفة، وعملٌ لانظير له. كل القضايا سواءً في ألمانيا أو التي يجري العمل عليها في فرنسا هي كالبازل كلّ قطعة تكمل الأخرى، ولكن لنكن واقعيين، من الصعوبة بمكان إجراء محاكمة لمجرمي الحرب في محكمة العدل الدولية بما يخص سوريا”.


وتابعت: “أنا أعلم أن بعض السوريين أصيبوا حقاً بالجنون لعدم تحقيق العدالة حتى الآن، هم لايملكون أي أمل. قيصر بحد ذاته مرّ بمراحل اكتئاب أحياناً، وأحياناً تحلّى بالكثير من الأمل. نحن نعلم جميعاً أن التعذيب لم ينتهِ حتى الآن، ولكن هذه أهمية الصور أيضاً، حيث أنها واقعية من أيامنا هذه وليست شيئاً تاريخياً تتمّ دراسته، لا يمكن لأحد إنكار هذه الأدلة”.


وعن سعي قيصر لتحقيق العدالة من خلال عمله، والجهود الدولية المبذولة في هذا الصّدد، أضافت لو كين: “سافر سامي وقيصر كثيراً بحثاً عن العدالة، إنه أمر صعبٌ بالنسبة لهم، وللناجين أيضاً. المحاكمة الآن في كوبلنز هي محاكمة مهمة لأنها الأولى من نوعها، ولكنها حتى الآن فقط ضد اثنين من المتهمين. المشاعر مختلطة حقيقةً ولكني لستُ فاقدة للأمل، بالطبع أنا لستُ سورية، هذا الأمر سهلٌ علي، ولكن العمل مازال قائماً للوصول إلى المزيد من ثمار هذا الجهد، ماوصلنا إليه بعد خمس سنوات من تسريب الصور ليس كافياً بالطبع، المجتمع الدولي والسياسيون يغمضون أعينهم عن الواقع ولا يرغبون باتخاذ قرار، هي لعبة سياسية في الحقيقة”، وتابعت: “لقد قلتُ اليوم في المحكمة إن قيصر كان ساذجاً بحسن نية عندما توقعّ أن الصور ستحقق العدالة وتنهي الأمر، بالطبع كان من الطبيعي أن يفكرّ بهذه الطريقة”.


اقرأ المزيد: محاكمة المتهمين أنور رسلان وإياد الغريب


وعن هدفها من كتابها الذي ألّفته عن ملف قيصر قالت لو كين: “لقد استضافني السوريون بطرق لطيفة جداً خلال زياراتي لسوريا، ما أردت فعله هو توثيق قصصهم، لأنني أدركتُ أن يوماً ما سيكتشفون، أنه قد كان هناك في الوقت الذي لم يكونوا قادرين على الكتابة عن أنفسهم بسبب الحرب التي يعيشونها، من قام بذلك عنهم. كان هدفي الأول أن يكون عملي جزءاً من حرب الأخبار لتوثيق السردية السورية، ولكن بعد ذلك أدركت أنه من الممكن أن يكون أيضاً خطوة على طريق العدالة”.


سياسي أمريكي لليفانت: لاتطبيع مع نظام ارتكب مجازر بحق شعبه


ستيفان راب وهو محامٍ ودبلوماسي وسياسي، فضلاً عن تقلّده سابقاً منصب رئيس مكتب العدالة الجنائية الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية، كان حاضراً لجلسة الصحفية الفرنسية لو كين، وكان لنا بعد انتهاء الجلسة لقاءً خاصاً معه أيضاً وسألناه عن أهمية هذه المحاكمة من وجهة نظره كسياسي، فقال لنا: “منذ البداية كنت على صلة بضحايا الجرائم في سوريا وبدأنا بالعمل على تحقيق العدالة والتحول الديمقراطي. عملنا مع عدة منظمات للتوثيق، وقال البعض إن ذلك لن يحقق أي شيء ولكن هذه المحكمة، أثبتت أنه من الممكن تحقيق شيءٍ ما”.


وأضاف: “هناك عدة قضايا في عدة بلدان، ولكنّ هذه من أسرع القضايا التي وصلت إلى المحكمة. نحن نرى الأدلة هنا ونسمعها وهي بالفعل من أقوى الأدلة التي نراها منذ محاكمات نورنبرغ. هذه العملية هي خطوة أولى ويجب المتابعة فيها ولكن بدون الخطوة الأولى لا نستطيع البدء أساساً”.


وعن تأثير الإجراءات المتخذة قانونياً، وخاصة قانون قيصر، أضاف راب: “أستطيع تفهم الإحباط لدى السوريين، أنا على صلة وثيقة بملف قيصر ونعمل على المستوى السياسي في الغرب، وأعلم أن عقوبات قيصر لها تأثير مؤلم بالنسبة لبعض السوريين، ولكن لايمكن السماح للشركات ضمن إطار إعادة الإعمار ببناء عقارات مسروقة أو عائدة لضحايا تم قتلهم. لايمكن تطبيع ذلك والتعامل مع الأسد كرئيس حقيقي. هي رسالة لداعميه أيضاً؛ لقد خسر الأسد، والدائرة المحيطة به تضيق أكثر وأكثر لدرجة أنه اختلف مع أقاربه أيضاً”.


سألنا السيد راب عن حقيقة ما تم إنجازه حتى الآن سياسياً بما يخص الملف السوري، فأجابنا بقوله: “الضغط موجود ولكن الصعوبات دائماً موجودة أيضاً خاصة فيما يتعلق بوحشية النظام الذي لا يأبه أن يضحّي بكل شيء ليبقى على الكرسي، حتى ولو حكم على خراب. شخصياً هناك الكثير من الأمور التي تمنيت حدوثها، لقد كنت جزءاً من إدارة أوباما وتمنيت لو تم تطبيق قانون الخط الأحمر، ولكن من ناحية أخرى استمرينا بالضغط من أجل تحقيق العدالة. وحتى لو نجا هذا النظام فيجب أن تصل الرسالة له ولداعميه أن لا أحد منهم بمنأى عن العقوبة، فيما لو انتقلوا للعيش في أوروبا لأنهم سيُعتقلون. النازيون الذين شاركوا يمعسكرات الاعتقال، منذ 75 عاماً بقيت هناك قضايا ضدهم حتى قبل خمس سنوات من الآن”.


وفي إجابته عن سؤالنا له عن حقيقة وجود مسار سياسي، يوازي المسار القانوني عالمياً، برغم عدم رؤيتنا للكثير من السياسيين الداعمين للمحاكمة، قال السيد راب: “وزير الخارجية الألماني الحالي هايكو ماس، كان وزيراً للعدل سابقاً، وقام بنفسه بدعم التحقيق الحاصل على صور قيصر، ألمانيا مستمرة باعتبار نفسها مسؤولة عن تحقيق العدالة. بالنسبة للفرنسيين مازلنا مستمرين بالضغط، ولكن حتى الآن ليس لديهم متهمون موجودون في فرنسا، الرئيس الفرنسي ماكرون قام بالضغط على محكمة العدل الدولية للحصول على تصويت يؤدي إلى تحصيل قرار فعال”.


وأضاف: “الحلم الذي لدي هو تأسيس محكمة متعددة الدول كفرنسا وألمانيا، والبعض من دول الجنوب في محاكمة قضايا سوريِّة وأن يقوموا بذلك بطريقة بناءة على مستويات عليا. نحن لن نتنازل، وإذا تمّ انتخاب بايدن الأسبوع القادم فهو لن يدفع باتجاه تدخل عسكري، ولكنه مؤيد جداً للعدالة، أعتقد سيكون هناك المزيد من الضغط السياسي في هذا الخصوص، كما أعتقد أن بايدن سيكون أكثر شدة ولن يقدم تنازلات للجانب الروسي. سيكون هناك نهاية لهذا النظام عاجلاً كما آمل وستتحقق العدالة للضحايا بطريقة شاملة، ولكن حتى العدالة الخاصة في هذه القضية هي أفضل من لاشيء”.


في الجلسة الأربعين بتاريخ 29.10.2020، مَثُل أمام المحكمة رئيس محققي الشرطة الجنائية الاتحادية في هذه القضية السيد دويسنغ، والذي بدوره تحدّث عن الإجراءات التحقيقية التي تمّ اتباعها من قبلهم لتأكيد ملف قيصر. حيث استمعت الشرطة الجنائية لأقوال سامي عام 2016 لمدة يومين واطّلعت أيضاً على نتائج فريق التحقيق الذي أشرنا إليه سابقاً.


قام دويسنغ بتقديم عرض بوربوينت مكون من ثلاثة وعشرين شريحة شرح خلالها كلّ ما وصلوا إليه وما أطَّلعوا عليه كشرطة جنائية، كما تحدّث عن شهادة سامي، فيما يتعلّق بملفات قيصر، وطريقة تنظيمه لها والأساس الذي اعتمده لذلك، كما قاموا أيضاً بتحليل عدة صور مع تحديد مواقعها أيضاً، والحديث بالكثير من التفصيل عن سير عملية التحقق والمصادر فيها. انتهت جلسته قرابة الساعة الثالثة عصراً.


الجلسة القادمة ستكون بتاريخ الثالث من شهر تشرين الثاني، وستكون مع الأستاذ الدكتورMarkus A. Rothschild / مارك روتشيلد من جامعة كولونيا لاستكمال الحديث عن ملف قيصر من منظور الطب الشرعي.








 




كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!