الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
حصان طروادة الإسلامي
عبد القادر المنلا

عبد القادر المنلا




یبدو أن فشل مشروع الإسلامیین في الوصول إلى السلطة في سوریة من خلال محاولاتهم مصادرة ثورة السوریین، وإحساسهم بالهزیمة، بدأ ینعكس عناداً وعداء لكل التیارات غیر الإسلامیة بما فیها التیارات ذات التوجه الوطني الخالص.


ورغم حدیثهم الدائم عن الوطن، إلا أنهم یعتمدون الدین مدخلا أساسیاً لمفهوم المواطنة، وربما بات تخوینهم للوطنیین من غیر الإسلامیین ومن الأديان والطوائف الأخرى بذات السهولة التي كان نظام الأسد یخون بها كل من وقف ضده.


هنا یلعب الإسلامیون دوراً لا یختلف كثیراً عن الدور الذي لعبه النظام في شق صف السوریین، فاعتمادهم المعیار الدیني أساساً للانتماء الوطني، أو سابقاً علیه في الأهمیة، یخرج الكثیر من السوریین خارج المعادلة الوطنیة، بل ویجعل منهم خصوماً محتملین قد تكون أولویة محاربتهم والتخلص منهم سابقة على أولویة إسقاط النظام، وهو بالضبط الشعار الذي توارت خلفه الجماعات الإسلامیة مثل تنظیم داعش والقاعدة وغیرهما والذین یزعم الإسلامیون ذاتهمأنهم ضدهم. 




تلك التنظیمات قدمت أكبر الخدمات لنظام الأسد حینما قاتلت الثوار بذات تلكالذریعة، تماماً كما فعل النظام حینما جعل من التخلص من "العدو الداخلي" سابقاً على العدو الخارجي في الأولویة، وهي تقنیة متبادلة ومتشابهة في الحرص على السلطة بصرف النظر عن مستقبل الوطن. 




وهاهم الإسلامیون الیوم یمارسون ذات الدور الذي مارسته التنظیمات المتشددة، والغریب أن الإسلامیین الذین لا ینتمون لداعش أو النصرة ویدینون دورهما، یمارسون ذات ذلك الدور على طریقتهم في الحكم على الآخرین.




لقد كانت أسلمة الثورة حصان طروادة الجدید الذي ركبه النظام لیقضي على الثورة الوطنیة، ورغم انكشاف لعبة النظام تلك، ظل الإسلامیون متمسكین بمشروعهم ومتمسكین بتصدیره على أنه هدف الثورة، وهو ما ساعد النظام لیس فقط في إیجاد الذریعة لضرب الثورة المدنیة، بل أیضاً في إعطاء الفرصة

للنظام العالمي برمته لإیجاد مخرج "أخلاقي" لسحب دعمه المفترض للثورة وتحویله للنظام السوري، معتمدین على تأكید خصوم الأسد الإسلامیین لروایته، وإلحاحهم على مشروعهم الخاص بتطبیق الشریعة الإسلامیة، مما جعلهم خصوماً للمجتمع الدولي الذي عولوا علیه أن ینصرهم في الوقت الذي

یناصبونه العداء، وحولوا الأسد ونظامه بشكل تلقائي إلى حلیف لذلك المجتمع الدولي الذي ینتظرون مساعدته في أعمق حالة تناقض شهدتها السیاسة ربماعلى مدار التاریخ.




فئة من الإسلامیین إذن تجرّم فئة أخرى وتعدها متطرفة، وتحتكر الإسلام المعتدل لتطرحه مشروعاً بدیلاً عن الإسلام المتطرف، غیر أن الفوارق بین هذه وتلك لا تبدو كبیرة، ولا سیما بالنسبة للمجتمع الدولي الذي لن یدعم دولة دینیة مهما بلغ خصمها من الدیكتاتوریة، وهذا ما لم یدركه الإسلامیون ومن الواضح

أنهم لا یریدون إدراكه.




وإذا توخینا الدقة، سنجد أن المعیار الدیني لدى هؤلاء، هو معیار الانتماء إلى الإسلام السنّي تحدیداً، فأن تكون ثائراً و"حراً ً "، علیك أولاً أن تعلن انتماءك إلى تلك الفئة وحدها، وأن تكون ضد الطوائف الأخرى بدرجات مختلفة، أولها الطائفة العلویة، وبعدها باقي الطوائف والأدیان، ومن ثم یتوجب علیك تقدیس

صدام حسین ومحمد مرسي ورجب طیب أردوغان.




یحصر الإسلامیون كل ما حدث في سوریة على أنه صراع سنّي /علوي/شیعي، إسلامي/مسیحي، ویقصرون أسباب إبادة الأسد للسوریین على أنها إبادة للسنّة، وبالتالي لا بد من تجمیع القوى السنّیة تحدیداً لمجابهة ذلك المشروع، متجاهلین أن الإبادة في سوریة تطال خصوم الأسد بصرف النظر عن انتمائهم، ومتناسین أن السنّة الذین أعلنوا موالاتهم للأسد یتمتعون بمكانة متقدمة لدى النظام.




الخطر الأكبر الذي یتجلى في هذا النوع من الممارسة لدى الإسلامیین، وفي هذا التوقیت بالذات، لا یأتي من فكرة وصول الإسلامیین إلى السلطة، فذلك حقهم -كغیرهم- من التیارات -إن أتیح لهم النجاح في انتخابات حقیقیة-، بل في جوهر خطابهم الحالي الذي یصب تماماً في مصلحة النظام وحلفائه ویعزز

روایتهم التي صرفوا عشرات الملیارات من الدولارات، وأنشأوا مراكز أبحاث وفضائیات تلفزیونیة ومواقع إخباریة من أجل تثبیتها، ثم یأتي الخصم الإسلامي لیعطي مصداقیة لها، وهي رسالة تلقفها العالم واعتمدها باعتبارها شهادة الخصم أو شهادة الضحیة، باعتبارها اعترافاً من الضحیة ذاتها ببراءة الجلاد،

الأمر الذي لم ینتبه له الإسلامیون أو أنهم تم اقتیادهم إلى هذا الفخ من خلال اختراقهم بعناصر استخباراتیة تتحدث باسم الدین وتقود الأتباع إلى حیث الدور المرسوم لهم، مما یجعلهم ینحرون أنفسهم وینحرون السوریین وقضیتهم في وقت واحد.


حصان طروادة الإسلامي حصان طروادة الإسلامي 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!