الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
حصاد العام.. بطون جائعة وعقول ضائعة
باسل كويفي

التراجع عن الخطأ ليس فضيلة وحسب، وإنّما حاجة عملية أيضاً، إذا التزمنا قواعد المنطق السليم، بعيداً عن الفكر المتخلّف والتعصّب الأعمى.. من كان يتخيّل في الأول من كانون الثاني/ يناير الماضي، ما تضمره سنة 2020؟ عام غيّر العالم كما لم يحصل منذ الحرب العالمية الثانية، ففي غضون 12 شهراً شلّ فيروس كورونا المستجد الاقتصاد واجتاح مجتمعات وحجر مليارات البشر داخل منازلهم، في رسالة مباشرة إلى البشرية بالتوحّد الأخلاقي الإنساني تجاوزاً للخلافات في مواجهة المعضلات العابرة للحدود، والتي لا تميّز بين البشر بمختلف تصنيفاتهم، التراتبية والعرقية والدينية والإثنية.


تغيّر مفهوم الإنسان البطل، فقد أضحى البطل من ينقذ حياة الناس، من خلال ما يقدّمه للحياة والبشريّة على مختلف الأصعدة، العلمية منها والفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية (أزمة المناخ وضرورة توحيد واستجابة الجهود العالمية) التي من شأنها الحفاظ على حياة الكائنات في كوكبنا بما يعزّز رفاهيّة ورخاء الإنسان.


في الوقت نفسه، يتفاقم التفاوت الاجتماعي وتأثيراته المسجّلة منذ سنوات، حيث بات العناق والمصافحة والقبلات مجرد ذكرى فيما تبادل الحديث يحصل عبر الكمامات وواقيات البليكسيغلاس، وارتفع مستوى العنف الأسري وكذلك المشاكل النفسية. إنّ اتّباع الوسائل الوقائيّة والاحترازيّة هو “السلاح الوحيد الموجود حالياً للحدّ من انتشار الفيروس”.


غالباً تكون النساء والفتيات ضحايا للتمييز، ويعانين بشكل خاص من عواقب الحروب والنزاعات، فضلاً عن العنف الجنسي، تعمل المجتمعات والمنظمات المحلية والدولية منذ نهاية القرن الماضي، في جميع أنحاء العالم، من أجل حقوق المرأة والمساواة، وهو ما يحتاج إلى دعم تلك المجتمعات، ثقافياً وعلمياً واجتماعياً واقتصادياً، لتجاوز المفاهيم المتوارثة السلبية.


الاقتصاد العالمي يواجه عدداً من التحوّلات الكبرى التي أثّرت على مؤشرات الأداء الرئيسة نتيجة الجائحة وأزمات الصراع، تُضعِف هذه التداعيات الاقتصادية قدرة البلدان على الاستجابة على نحو فعَّال للتأثيرات الصحية والاقتصادية، مما يعرقل جهودها لمساعدة الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً الذين تضرروا بشدّة من جرّاء الأزمات الاستثنائيّة والكوارث والصراع، فكيف الحال بالبلدان التي تتعرّض لعقوبات اقتصادية قد تؤدّي إلى هشاشة اقتصادية – اجتماعية، تنعكس عالمياً على نتائج لا يمكن تداركها مستقبلاً.


من الضروري اتّخاذ خطوات كثيرة لتخفيف الديون وتوسيع نطاق مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين، في ظلّ تعثّر العديد من البلدان النامية عن سداد مديونياتها، وما يتبع ذلك من تعثّر الشركات المتوسطة والصغيرة بسداد متأخرات مستحقة الدفع، مما يستدعي تشريع قوانين استثنائيّة على المستوى المحلي والعالمي، لإعفاء هذه الاستحقاقات والدفع نحو تسريع تدوير عجلة الإنتاج للتعافي المبكر.


البشريّة دون إنسانيّة، ولّدت أناساً نصادفهم في حياتنا ومجتمعاتنا، معظمهم نتاج لمنظومة تعليمية متخلّفة وطفولة تعرّضت للقهر ومنظومة قضائيّة تفتقد العدالة، في غياب مقومات العيش والمساواة والحقوق والحريات، نتاج ثقافة أجازت للآخرين المختلفين معهم في الرأي أو المصالح انتهاك كرامتهم، نتاج تاريخ لم يطاله مشرط النقد والتفكيك والقطيعة مع سلبياته، علينا العمل لبناء الإنسان بمنظومة كاملة بعيداً عن التلقين وتغييب الوعي وعدم احترام أي مختلف، سواء كان بشراً أو حضارة أو ثقافة أو دين.


علينا بلورة سياسات عامة علمية، مرتكزة إلى حلول قابلة للتنفيذ تنسجم مع سلّم القيم والخيارات الأساسيّة في منطقتنا الأوسطية، تساهم في نقل الاهتمام داخل الحياة السياسية من مركزية الاصطفاف حول القضايا المتصلة بالقلق أو الصراع على الهوية، بمختلف تسمياتها الدينية أو الطائفية أو المذهبية أو العرقية أو الإثنية بشكل عام، والتي تفاقمت في السنوات الأخيرة ارتباطاً بتطورات الأحداث في المنطقة، إلى الاصطفاف الديموقراطي حول السياسات والبرامج والخيارات، وهو ما يميّز المجتمعات والدول التي تنعم بالسلام والاستقرار والتطور.


حق الإنسان في الحياة والحرية والاعتقاد والكرامة والعدالة، لم تعدّ امتيازات حقوقيّة مجردة يتمتع بها المواطن في وطنه، بل أصبحت اليوم، هي الطريقة الأخلاقيّة التي يتواصل من خلالها الأفراد، ويتفاعلون سياسياً واجتماعياً ليؤسسوا مع بعضهم البعض رؤيتهم للعيش المشترك والنظرة إلى الإنسان وفق عقد اجتماعي يضمن المواطنة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص والديموقراطية التشاركية وفصل السلطات واستدامة التنمية المتوازنة واللامركزية الإدارية وحقوق الإنسان وفق الشرعة الدولية، وأن يضمنها دستور عصري حديث يؤسّس لدولة مدنيّة قوية تشاركيّة ذات سيادة يجتمع حوله أبناء الشعب الواحد لبناء دولتهم والتأسيس لحكم رشيد يكون فيه القانون بمواده المنبثقة عن ثوابت الدستور هو السلطة العليا في البلاد، ولا سلطة تعلو عليها، تعمل على تحقيق العدالة لمواطنيها وبشكل مرن وقابل للتنفيذ يتخطّى خطاب الكراهية والعنف والحقد، ويتناغم مع خطاب المحبة والسلام الذي أرسلته الديانات السماوية وحرصت عليه القيّم الإنسانيّة، ويتصدّى لمشاريع التفتيت والتقسيم.


هي الدولة التي من شأنها التوفيق بين حقوق الأفراد وضمان الجماعات في مجتمع تعددي، وأن تكون محايدة وتحمي التعددية السياسية والدينية والإثنية والثقافية، تكفل استقلاليّة النظام القضائي وتكفل الحقوق الشخصيّة والمدنية والسياسية والمشاركة في العمل العام، وتراعي إدخال آليات جديدة لإشراك مؤسسات المجتمع المدني في عملية صنع القرار والرقابة وتوفر قانون انتخاب نزيه وشفاف يحقق دور المرآة العاكسة لحقيقة الواقع.


لقد شهدت معظم بلدان المنطقة تحولات اقتصادية – اجتماعية وتغيراً في البنى التحتية، ولكنها قاصرة حتى الآن على تظهير ثقافة وسياسات جديدة تستوعب الحداثة بكل أبعادها، ولقد ساهم عدم الاستقرار والنزاعات المختلفة والصراع العربي الإسرائيلي في تأخير بروز المشروع الوطني المحلي المبني على المواطنة وروح التضامن والتعاون والمسؤولية.


لقد ظهرت تباينات حقيقية في انقسامات سورية (سياسية ومجتمع مدني) حول إحاطة المبعوث الدولي إلى سورية “غير بيدرسون” أمام مجلس الأمن الدولي، منتصف الشهر الحالي، 16 ديسمبر 2020، فيما يخصّ مصطلحات “عدالة انتقالية أو تصالحيّة أو تعويضية”. فالأولى خطواتها المرحلية: محاسبة، مصالحة، مسامحة، وبالتالي فإنّها تحتاج إلى مدى زمني طويل مع شمولها الثانية والثالثة (التعويضية والمسامحة توازي جبر الضرر)


أما الثانية “عدالة تصالحيّة”، والتي أعتقد أنّ طرحها وتثبيتها في محاضر مجلس الأمن الدولي هو من قبيل توافقها مع الواقع السوري للدفع بالمسار السياسي وعمل اللجنة الدستورية والسلال الأربعة، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢٥٤، وقد يكون من المناسب تفسير مفهوم “عدالة تصالحيّة”، كما ورد في المبادئ الأساسيّة، وتم اعتماده ونشره بموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 12 / 2002 تاريخ 24 تموز / يوليو 2002 ( للاطلاع بالإمكان فتح ملف المرفق).


على الطرف الآخر من المحيط الأطلسي، أكّد الرئيس المنتخب “جو بايدن” أنّ الديموقراطية انتصرت في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّ بلاده قدوة للعالم في الانتقال السلمي للسلطة، مضيفاً أنّ لهب الديموقراطية اشتعل قبل وقت طويل، ولن يطفئ هذه الشعلة لا الوباء ولا سوء استخدام السلطة، في نفس الوقت وخلال اجتماع في القاهرة، ضم وزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين يوم 19 ديسمبر 2020، صدر بيان بالالتزام بالمبادرة العربية للسلام والطلب من الإدارة الامريكية الجديدة العمل على تفعيل ذلك.


إنّ روسيا الاتحاديّة وتصريحات الرئيس بوتين تتضمن رسالة واضحة للمجتمع الدولي ودول الإقليم، تتجلّى بمكافحة الإرهاب والتعاون الفعّال لإحلال السلام العالمي، وما تبع ذلك من تسوية ملف ناكورني – كاراباخ ومعظم مناطق الصراع في المنطقة والعالم.


إنّ السلام العادل المتوازن يتم عبر تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي 238 – 242، وإعادة الأراضي المحتلّة والحقوق لأصحابها، ويعتبر السبيل الوحيد لتعزيز الاستقرار والسلام والأمن الإقليمي والعالمي.


إذا نحن لم نصنع التغيير وفق مصالحنا فسوف يفرضه الآخرون وفق مصالحهم، أعتقد أنّه ينبغي علينا جميعاً، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، تغيير الخطاب تجاه الآخر، بإضافة قيم أخلاقية إنسانيّة سلميّة علميّة، تساهم في تعزيز الاستقرار والأمن والسلام المستدام.. فهل نبدأ بالتغيير من أنفسنا أم ننتظر مصيراً تتلاعب به مختلف المشاريع الجيوسياسية في ظل غياب مشروعنا الوطني الجامع وتقاطع المصالح والإرادات والخيارات لتحقق توازناتها على حساب أراضينا ومجتمعاتنا؟.


هل سيشهد العام القادم 2021 مصالحات عربية – عربية، وتفاهمات إقليميّة وضمانات دوليّة تُبشّر بالاستقرار والأمن والسلام لمنطقتنا الأوسطية يُشبع البطون الجائعة ويُعيد تنشيط العقول الضائعة، بما يخدم المصلحة العامة المحلية والإقليمية والدولية لتعزيز أنسنة الإنسان؟.


في النهاية، يبقى الأمل أقوى من الخوف، والحقيقة أقوى من الكذب.. ‫لهذا العالم الجميل الذي يُغيّرنا كل صباح ولا يُعيّرنا بإخفاقات الأمس.. نقول الإنسانيّة هي مسارنا ومنتهانا.. كل عام وأنتم بخير ونتمنّى للبشرية عاماً جديداً ملؤه المحبة والسلام.



ليفانت – باسل كويفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!