-
حدث في أفغانستان: قطر تضحى منصّة لانبعاثات جديدة للإسلام السياسي
قبل سنوات من العام الذي سبق اندلاع ثورات "الربيع العربي"، انطلقت التنظيمات الإسلاموية من العاصمة القطرية في اجتماعات ومشاورات لصياغة تموضعاتها الجديدة والمحتملة مع إحداثيات الهندسة السياسية في الشرق الأوسط، واعتبرت نفسها الشريك الرئيس للقوى الدولية في التغيير المرتقب. بيد أن تحركات مغايرة، سياسية وشعبية، هي من واجهت تلك المخططات التي حاولت فتح ثقوب في البلدان التي قفز فيها الولائيون الجدد، بنسختهم السنية، لتحقيق مصالح جيواستراتيجية لحساب الدوحة وأنقرة، وسقطت تجربة الإسلام السياسي في القاهرة والخرطوم وتونس والجزائر والرباط، وبقيت الدوحة في رباطها الوثيق ووفرت حواضن وملاذات للمجموعات التي تم نبذها في محاولة محمومة لاستكمال الأدوار ومهام رجل الظل في السياسة الإقليمية والدولية، لا سيما بعد انقضاء صلاحية تجربتها في الشرق الأوسط، من خلال متوالية فشل مشروعها في الحكم.
غير أنّ تصورات السياسة الخارجية الأمريكية وقرارها السياسي بالانسحاب العسكري من ميادين النار في الشرق الأوسط، وأفغانستان، تحديداً، قد منح الدوحة مساحات من الحركة في رعاية مفاوضات المصالحة بين الأطراف المتصارعة في أفغانستان "حكومة كابول وحركة طالبان"، وعبر ذلك أيضاً كانت الشاهد على قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب مع حلول شهر مايو/ أيار السابق، بينما جاء الرئيس جو بايدن ليمد المهلة حتى سبتمبر/ أيلول.
ربما ذلك ما يمنحنا الضوء في فهم قرار الدوحة بدعوة حركة طالبان في العام 2013 لفتح مكتب سياسي بدعم وتوصية من واشنطن، وعبر ذلك أيضاً تولت الإدارة الأمريكية إدارة هذا الملف وكافة التوجهات الخاصة به، بينما احتفظت قطر بكافة مواصفات الوسيط، خاصة خلال هذه المرحلة الحرجة لواشنطن وهي تتحرك من أجل ضبط إيقاع هذه الجغرافيا الثائرة بعدد من عوامل التوتر.
إلى ذلك، سمحت واشنطن للدوحة أن تظفر ببعض المكاسب الدبلوماسية من وراء علاقاتها مع حركة طالبان، وأن يكون لوزارة الخارجية القطرية صوت عبر هذا الملف. ومن خلال ذلك نجد وزارة الخارجية القطرية تشير في بيان نشر منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي، إلى أن وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حثّ حركة طالبان على "خفض التصعيد ووقف إطلاق النار". كما نقل وزير الخارجية القطري موقفه خلال استقباله رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان الملا عبد الغني برادار والوفد المرافق له في الدوحة.
واللافت أنّ الدوحة تدرك أنّها تتحرك وسط فضاء إقليمي لحساب أنقرة، من خلال مظلّة أمريكية تمضي نحو أهدافها الاستراتيجية؛ إذ تعرف تركيا جيداً أنّ لكل من حليفتيها، قطر وباكستان، علاقات جيدة مع الحركة الإسلامية المسلحة والمتشددة؛ فالأولى كانت عرابة المفاوضات بين الإدارة الأمريكية وطالبان في الدوحة طوال الفترة الماضية، كما أنّ باكستان كانت بمنزلة الحديقة الخلفية لطالبان ودعمتها، عسكرياً ولوجستياً وتنظيمياً، منذ هزيمتها على يد القوات الأمريكية قبل عقدين. وعند هذه النقطة تحديداً، يمكن القول إن أنقرة بحكم علاقتها الجيدة بكل من الدوحة وإسلام أباد تراهن على هذه العلاقة لجهة فتح جيوب مع حركة طالبان في المرحلة المقبلة، وإيجاد ما يمكن تسميته بحيّز إسلامي يكون بمثابة جدارية لصعود القوى المهزومة والمنبوذة من هذه التيارات في المنطقة.
يمكن القول أيضاً إنّ أغلبية التنظيمات الإسلاموية التي عملت في المنطقة، سياسياً وميدانياً، خلال العقدين الماضيين، ارتبطت بالدوحة ومن ثم أنقرة، بشكل أو بآخر. فالدوحة دعمت تنظيم القاعدة وتواصلت مع طالبان. وبعد عام 2001، ظلت على صلاتها بالتنظيمين.
وعملياً أفرزت التطورات السياسية الإقليمية، خلال العقد الأخير، حقيقة وحدود تلك الصلات، وقد كانت الصلات التي نسجتها الدوحة مع قوى مسلحة مؤدلجة بالعراق إبان الغزو الأمريكي، قد ظهرت في سوريا، مثلما حدث مع تنظيم "جبهة النصرة" والذي انشقّ عن داعش ثم التحق بالقاعدة. ورغم كل المسارات السياسية التي تبدو أمام الجميع، غير أنّ فائضاً من التوقعات يستقر عند فرضية أن ثمة تحول قد تعرفه أفغانستان فى ظل حكم طالبان وأن تضحى دولة راعية للإرهاب توفر ملاذاً لبعض الجماعات المصنّفة إرهابية عالمياً من قبيل القاعدة أو جماعة حقاني والتي تعد جناحاً عسكرياً تابعاً لطالبان، فضلاً عن كون الأخيرة قد تجد نفسها فى نزاع وصراع مع فرع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، المعروف بولاية خراسان، وذلك على خلفية رؤيته أن اتفاق طالبان مع الولايات المتحدة في الدوحة يمثّل نكوصاً عن قضية الجهاد ونشر الإسلام، وفقاً لقناعات التنظيم عالمياً.
وفي إطار ذلك، تذهب السيناريوهات نحو تحرك عدد من الميلشيات والمرتزقة الذين يستقرون حالياً في عدد من بؤر التوتر داخل الشرق الأوسط، سواء في ليبيا أو العراق وسوريا، ويمثلون صداعاً مزمناً لبعض الرعاة الإقليميين نحو الأراضي الأفغانية، وعبر ذلك تذهب المخاوف من سيناريو انخراط طالبان في تعاون معلن ومباشر مع التنظيمات الإرهابية الدولية، ويرجع هذا السيناريو إلى أنّ ما تظهر به حركة طالبان من مرونة وبراغماتية، الآن، ما هو إلا تقية، وأنها ستعود إلى أيديولوجيتها المتشددة المتطرفة، وبخاصة بعد امتلاكها عناصر القوة المتمثلة في الثروات الطبيعية وسلاح الجيش النظامي والضغط الذي ستمارسه من أجل الاعتراف الدولي بها.
تأسيساً على ذلك، تبدو المخاوف عميقة حول الأمن والاستقرار الميداني في أفغانستان، حيث إن هذا الحشد المكثّف من التنظيمات والمقاتلين يضغط على الآراء والاتجاهات التي تميل إلى أن ثمة حشود ستواصل حضورها من سوريا وليبيا نحو أفغانستان، مثلما حدث في الماضي.
ليفانت - رامي شفيق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!