الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
جماليّة المعنى الأيروسي في ديوان
رائد الحوارني
كلما قرأت لفراس حج محمد أتأكد أنني أمام شخصية مبدعة، فكل عمل يقدمه يؤكد تألقه وتميزه، فبعد ديوان "وأنت وحدك أغنية"، وديوان "ما يشبه الرثاء" قلت لن يكتب فراس أفضل منهما، الديوان الأول لما فيه من تنوع وتعدد الأشكال والموضوعات والأسلوب، والثاني للتكثيف والصور واللغة التي استخدمها. في هذا الديوان، ورغم أنه متعلق بامرأة واحدة، إلا أن لغته والطرق التي تناول فيها المرأة تجعله ديوان يُدرّس، فقدرات الشاعر فراس حج محمد على تقديم الفكرة/ الموضوع بأكثر من صورة وحالة، يعد ميزة لا نجدها إلا عند قله من الشعراء، واللافت في ديوان "وشيء من سرد قليل" أن الشاعر يتماهى مع القصيدة، وهي التي تكتبه. من هنا نجد مجموعة ألفاظ تشير إلى حالة التماهي بين القصيدة والشاعر، وهذا ما جعل الديوان مقنعا للمتلقي، فهو ليس مصنوعاً صناعة، بل مخلوق خلقاً، فالمتعة وجمالية اللغة والصورة الشعرية كلها شواهد على هذا الخلق في الديوان.
سنأخذ بعض القصائد من الديوان لتبيان ما جاء في المقدمة، يقول في قصيدة "شهية فعل الأمر":
"ظلي هنا عندي وعندي ثرثري
سيلي على شفتي كالكأس مسكر
واطوي الحنين هناك سفر غواية
وتبتلي
وتعرفي
وتغربي
وفي ضلوعي غرغري" ص10
عندما يوجه فعل الأمر إلى الحبيب/ القريب فهذا يشير إلى رغبة واندفاع الشاعر نحو المخاطب، من هنا نجد زخماً في استخدام الفعل: "ظلي، ثرثري، سيلي، اطوي، تبتلي، تعرفي، تغربي، غرغري" واللافت في هذه الألفاظ وجود تكرار للحروف فيها: "اللام في "ظلي"، الثاء والراء في "ثرثري"، التاء في "تبتلي"، الغين والراء في "غرغري"، وهذا يشير إلى رغبة الشاعر الجامحة نحو المرأة، فمن خلال تكرار وتتابع هذه الحروف يشير إلى رغبته وحاجته إلى اللقاء/ التوحد مع الحبيبة، فالأفعال السابقة بشكلها المجرد تخدم فكرة الرغبة في المرأة والتلاقي معها، وهذا ما يجعلنا نقول إن القصيدة هي التي تكتب الشاعر، وأن الشاعر يتماهى مع القصيدة.
رغبة الشاعر المستعجلة لا تقتصر على تكرار الحروف في الألفاظ/ الأفعال فحسب، بل نجدها في الحركة السريعة أيضاً:
"فاكهة الليل أناي
فجني
أنضجيني
مدي إلى يديك
تذوقيني
عرفيني مرة أخرى على طعمي
وكونيني
واختصري الطريق إلى جنوني" ص13
نلاحظ أن هناك سرعة في أفعال: "فجني، أنضجيني، مدي، تذوقيني، عرفيني، كونيني، اختصري" نلاحظ أن الأفعال متعلقة بالشاعر مباشرة، وليست كالأفعال السابقة المتعلقة بالمرأة، وهذا يشير إلى أن اللقاء تم بينهما، فأراد أن يأخذ حاجته المادية/ الجسدية من خلال: "مدي يديك، واختصري الطريق"، وحاجته الجمالية: "أنضجيني".
وقبل المغادرة أنوّه إلى أن هناك (حشمة عند الشاعر، بحيث لم يتوغل في وصف اللقاء الذي تم بينهما، وهذا يعود إلى أنه اللقاء الأول، لكن سنجد لاحقاً، كيف أنه (يتكيف) معها وينسجم، فيصف لنا مشاهد متعددة ومتنوعة عن هذه اللقاءات.
هناك أشكال أخرى تشير إلى الرغبة والحاجة للحبيبة، تتمثل في استخدام صيغة المثنى:
"تعالي كي أعد أصابعك
عشرين مرة
ستاً وعشرين سنة
وأزرع بين نهديك الصغيرين
بين كل خليتين
عبارتين
ووردة وقصيدة وحروف باء" ص16
نلاحظ صيغة المثنى في: "نهديك، الصغيرين، خليتين، عبارتين"، وهذا يعكس رغبة الجمع بينهما، كما أن اللغة البيضاء: "أزرع، خليتين، وردة، قصيدة، حروف الباء" التي جاء بها المقطع يشير إلى حالة التماهي بين الشاعر والمرأة، فاستخدامه لعناصر الفرح الطبيعة: "وأزرع، ووردة" والكتابة: "عبارتين، حروف، الباء" يؤكد أنه يتماهى مع الحبيبة. كما أن استخدامه للصورة الشعرية والإيحاءات الجنسية تؤكد تلك الرغبة الجامحة عند الشاعر:
"...للصدى الممتد عند الدغدغة
واستقيمي في متون الآه عند إشباع الفراغ لتلك المحبرة
مبيضّة وحليب ماء" ص16
فالجميل في هذا المقطع أن الشاعر يستخدم لفظ "الدغدغة" الذي يعطي معنى الإثارة، وأيضا الشكل الذي قدمه فيه، وتلاقي وتتابع حرفي الدال والغين، يخدم المعنى الذي يريده الشاعر، وبهذا يمكن للمتلقي أن يصل إلى الفكرة بأكثر من طريقة، المضمون، وشكل اللفظ، وطريقة لفظه "الدغدغة". وإذا ما عدنا إلى المقطع سنجد أن هناك إيحاء باللقاء الجسدي بينهما: "الآه، المحبرة، مبيضة، حليب، ماء" وهذا أحد الأشكال المتعددة التي سيتناول بها الشاعر اللقاءات التي تمت بينهما.
في قصيدة "مواجد في وحدتي البعيدة" يقدم الشاعر رغبته بطريقة جديدة:
"إن عدت لي عدت إليك
تلم الزهر عن كتفي
خمرتي معصورة في شفتيك
وينقر طيرك الذهبي سنبلتين من جسدي
تمسدني بدفء يديك
إن عدت أنبت من جديد غابة لتفيء فيّ
تجعلني كونا يفيء إليكِ
إن عدت لي عدت إليّ امرأة كونية
يروي كأسها ول…

ليفانت - رائد الحوارني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!