الوضع المظلم
الأحد ٠٨ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
ثورة 23 يوليو، ماذا بقي منها؟!
إبراهيم جلال فضلون (1)

ثورة مفصلية في تاريخ المنطقة العربية وأفريقيا والعالم الثالث، بمبادئها ذات الفكر القومي المصري الفرعوني التي تبنته ثورة 1919، وإعلانها أن مصر أمة فرعونية مستقلة، وليست جزءا من الأمة العربية أو الإسلامية، وقد غذى أقطاب السياسة والثقافة هذا المفهوم الفرعوني في أذهان الشعب المصري بعد الحرب العالمية الأولى، فأكد ذلك كل من أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل، وطه حسين عميد الأدب العربي، وعباس محمود العقاد جبار الفكر، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم.. إلخ.


لقد أدت كل تلك الأفكار إلى تكوين تيار قوي في مصر يعتبر نفسه امتدادا للحضارة الفرعونية، فاعتمد عبد الناصر الفكر القومي العربي في بناء الدولة المصرية، واعتبر الشعب المصري جزءا من الأمة العربية، فكانت خطوة في الاتجاه الصحيح من جهة، ولاقت استحساناً مصرياً وعربياً.

ولا تزال ثورة يوليو في ذكراها ٧٢ عظيمة بيد مجموعة من الضباط أطلقوا على أنفسهم "تنظيم الضباط الأحرار" بقيادة اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبدالناصر، هي علامة بارزة في تاريخ المصريين ونقطة تحول أساسية في مسار الوطن كونها ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء، وبما أجرته من تحولات جذرية في جميع جوانب الحياة. بأيد وطنية شابه للحكم الجديد.. نجحت في أن تؤتي ثورتهم ثمارها وآثارها المرجوة وأن تخرج بإنجازات باهرة سجلت في صفحات التاريخ، وحققت الاستقلال الوطني لمصر، عندما انتزعت من الإنجليز جلاء قواتهم لأول مرة منذ عام 1882، وتم توقيع اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا في 19 أكتوبر 1954، حتى غادر آخر فوج من قواتهم أرض مصر يوم 13 يونيو 1956. 


أما مبادئ الفكر الاشتراكي فقد تبناها عبد الناصر في الستينات بعد أن أقام علاقة مع الاتحاد السوفيتي، فنجحت الثورة بأهدافها الستة التي تمثلت في القضاء على الإقطاع، والاستعمار وأعوانه، والاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وبناء حياة ديمقراطية سليمة، وعدالة اجتماعية، وبناء جيش وطني، كان ابرز أسبابها، استمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية واعتماده على أحزاب الأقلية وحدوث اضطرابات داخلية وما كان موجودا علي الساحة من صراع دموي بين الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبدالهادي، مع سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في مصر واستغلال الاستعمار وأعوانه الظروف من أجل السيطرة والاستحواذ على مقاليد الأمور في البلاد. . لكن اكتملت الطامة الكبرى في هزيمة حرب فلسطين 1948، وظهور فضيحة الأسلحة الفاسدة، ونري الثورة من بمبدأيها كالتالي: 
أولأ: أدت سياسة الإصلاح الزراعي إلى زيادة عدد ملاك الأرض الزراعية من 2801 ألف مالك قبل صدور قانون 1961 إلى نحو 3211 ألف مالك في عام. 


ثانيا:  كانت للثورة دور رئيسي ومحوري في إعادة بناء الجيش، وكسر احتكار السلاح عام 1955، بعقد صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا ثم مع الاتحاد السوفيتي، وإنشاء مدارس إعداد الفنيين العسكريين والكلية الفنية العسكرية، والمدرسة الثانوية الجوية. وإنشاء المصانع الحربية وإرسال البعثات إلى الدول الرئيسية التي يتم استيراد السلاح منها، وغيرها مما مهد لتأميم قناة السويس.  
ثالثا: تحقيق التحرر الاقتصادي والخروج من سيطرة رأس المال على الحكم، وتنظيم الاقتصاد القومي منذ بدأت بتأميم شركة قناة السويس عام 1956 شركة مساهمة مصرية. 


وشمل عام ١٩٦٧ ذلك البنوك وشركات التأمين ووكالات الاستيراد، وفي فبراير 1960 أممت الثورة البنك الأهلي وبنك مصر، ثم قامت بحركة تأميم كبرى في يوليو عام 1961، ثم في يوليو عام 1962، وقد أدت هذه السياسة ليس فقط إلى القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال، وإنما أدت أيضاً إلى تحرير العمال ورفع مستواهم وإعطائهم نسبة من أرباح الشركات، وإنشاء مشاريع عملاقة وتطوير الصناعات القائمة .

رابعا: إلغاء دستور عام 1923 لأنه لم يعد يناسب الأوضاع الجديدة بالبلاد مع حل جميع الأحزاب السياسية في 17 يناير 1953، وتم إنشاء "هيئة التحرير" التي أعلن عن قيامها كأول تنظيم سياسي أقامته الثورة يهدف إلى تحقيق المصالح والأهداف القومية للشعب وشعاره "إجلاء المستعمر عن كل شبر من أرض مصر" .

وفي 16 يناير 1956 أعلن جمال عبدالناصر الدستور الجمهوري، وفي 23 يونيو 1956 تم الاستفتاء على الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية معا، وكان اختيار الرئيس جمال عبدالناصر رئيساً لمصر 

  خامسا: مشروع السد العالي أحد أهم المشروعات القومية العملاقة في تاريخ مصر الحديث وبنائه في 9 يناير 1960 وكان تمويله من أهم مشاكل البناء لرفض البنك الدولي التمويل تحت ضغوط أمريكية، فأعلن عبدالناصر تأميم شركة قناة السويس لتصبح شركة مساهمة مصرية  
سادسا: اهتمت الثورة بالتعليم لأهميته في بناء الوطن، وجعله مجانية وحقائق للجميع بمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين وتحقيق التعاون الثقافي مع البلدان العربية الأخرى ومن مظاهر ذلك إنشاء جامعة القاهرة فرعا لها بالخرطوم بدأ العمل به في أكتوبر 1955. 
ونظراً لأهمية البحث العلمي في تحقيق مسيرة النهضة أنشئت لأول مرة في مصر وزارة البحث العلمي لتنسيق الجهود بين مختلف المعاهد والهيئات ومراكز البحوث العلمية، كما تأسس المركز القومي للبحوث. وتولت وزارة الثقافة والإرشاد القومي أيضاً الإشراف على الإعلام وأجهزته المختلفة، وإدخال المرأة البرلمان واعطائها حقوقها المشروعة.. 


إنه الحدث السياسي الأبرز في القرن العشرين، بعد التغيير الجذري الذي أحدثته في أحوال المصريين داخليًّا، واليمين وعربيا وحتى التأثير العالمي، وما ترتب عليها من أحداث ما زال لها أعظم الأثر على مستقبل العديد من الدول حتى اليوم. 

ليفانت نيوز: إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!