الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٣ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • تونس ما بعد الاستفتاء: إرادة الرئيس وتحديات إدارة الصراع بين قوى الجمهوريتين

تونس ما بعد الاستفتاء: إرادة الرئيس وتحديات إدارة الصراع بين قوى الجمهوريتين
 رامي شفيق

ثمّة واقع تم فرضه في تونس بعد الانتهاء من الاستفتاء على الدستور، نهاية شهر تموز/ يوليو الفائت، من ناحية الرئيس التونسي، قيس سعيد، على أكثر من مستوى لا ينبغي إنكاره. الأول، جاء من خلال إقرار دستور للبلاد يتوافق مع رؤى وتوجهات الرئيس التي تماهت مع مسار قرارات 25 تموز العام الماضي، وبالنسب التي تعبر عن وقوف الشعب خلف سعيد بعيداً عن موقف القوى المعارضة.

والثاني يعكس مشهد الفضاء السياسي في تونس، حيث يلحق الاستحقاق الانتخابي التشريعي ومفرداته القانونية بالدستور، الأمر الذي يسمح للرئيس أن يصيغ القوانين الانتخابية بالشكل الذي يتمم منهجه ومفرداته في إدارة شؤون البلاد.

وثالث هذه المستويات أن الرئيس وعبر ذلك كله استطاع أن يقبض بقضبته على رقبة النهضة، ولا يترك لها فرصة التملص ومحاولات الاندماج في الانتخابات التشريعية عبر خسارة كوادر الحركة الإسلاموية المتتالية كل أرصدتها الانتخابية بين المواطنين، وكذا الحرج السياسي في الاندماج داخل مسار لا يعترفون بوقوعه ويصفونه كل لحظة باعتباره "محض انقلاب"، فضلاً عن أن القوانين سيتم صياغتها بعيداً عن فرصة مشاركة النهضة.

في مقابل هذا الواقع، هناك حقائق تمركزت نحو فشل المعارضة التونسية في بلورة موقف سياسي على الأرض، خاصة حركة النهضة التي طالما تدّعي أنّها القوى الوحيدة القادرة على تحشيد الجماهير في الشارع ومقارعة السلطة وممثلها في قرطاج كل حين.

تدبر تصريحات زعيم الحركة راشد الغنوشي التي أدلى بها مطلع شهر آب/ أغسطس الجاري، في حواره المتلفز مع فرانس 24 يشي بكثير من عمق الأزمة السياسية التي يعاني منها الرجل وحركته في البلاد، خاصة حينما أشار بقوله إنه سيحسم موقفه من المشاركة في الانتخابات القادمة، نهاية العام الجاري، بحسب ما سيسفر عنه شكل القانون الانتخابي في الوقت الذي يدرك فيه أن ثمة ترجيح بتحرك الرئيس نحو حل الحركة تماماً في أجل قريب، أو يتجاوزه القانون الانتخابي بالكلية بجانب القوى التي تم استبعادها من مسار 25 تموز/ يوليو الماضي.

تلك السيناريوهات مجتمعة تعززها الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي على مسارين؛ أولهما ما تم تنفيذه على مستوى القضاء وتحريره من كافة القيود التي كبلت حركته صوب فرز المتورطين في قضايا الاغتيالات، والتي تحوم نحو الجهاز المسلح لحركة النهضة. وفي حال حسم القضاء كلمته في تلك القضايا ستضحى حركة النهضة تواجه مصير الفناء المحتوم، فضلاً عن تمترس كافة عناصر القوة في الدستور الجديد التي حازها الرئيس مع إقراره.

بيد أن ذلك كله لا يعني البتة أن الرئيس يبصر الواقع اليسير، سواء سياسياً أو اقتصادياً؛ فتونس عليها أن تتجاوز تبعات العقد الفائت بكل ما جرى فيه من انسداد بين القوى السياسية وصراع من أجل هيمنة النهضة على كافة مفاصل الدولة، الأمر الذي وضع الدولة بمفهومها الدال في العلوم السياسية من ناحية الاستقرار وحيازة القوة على المحك، فضلاً عن تدهور الوضع الاقتصادي والمالي للدرجة التي اضطرتها اللجوء إلى صندوق النقد الدولي طلباً للدعم والاقتراض، بغية العمل على تجاوز الأزمة الاقتصادية في البلاد، خاصة مع اضطرابات الأوضاع الدولية كنتيجة مباشرة للحرب في أوكرانيا وتداعيات ذلك على كافة المستويات.

ربما من خلال الدستور الجديد والإجراءات المكملة للاستحقاق الانتخابي وتسمية حكومة جديدة، مطلع العام المقبل، يضحى الرئيس أمام مكون جديد للنظام السياسي، يترأسه بشكل شامل ومباشر ويكون مسؤولاً عن كافة مفاصل الدولة أمام الشعب تحت عنوان الجمهورية الجديدة.

إلى ذلك يحتاج الرئيس التونسي قيس سعيد إدراك حقائق الأمور على محيط الفضاء الإقليمي ومحدداته الأمنية التي تسعى نحو التموضع وفقاً لتراتبية النظام الدولي ومتغيرات منسوب القوة والهيمنة الذي يجري بين الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة، وروسيا والصين، من جهة أخرى، وأثر ذلك على المناطق الساخنة في الشرق الأوسط، ثم تفاعل القوى الدولية من أجل بسط نفوذها مباشرة أو عبر القوى الوسيطة، لا سيما في ليبيا وسوريا.

كما أن اضطراب الأوضاع الليبية وانهيار فشل ترتيب الاستحقاق الانتخابي وسيطرة حكومتين برئاسة عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، الأمر الذي يبرز سيناريو الصراع العسكري بين "الميلشيات العسكرية" نحو العلن في العاصمة الليببة طرابلس، يدفع درجة التوتر على الحدود التونسية ويرفع منسوب الأزمة في الدول المتاخمة جميعاً نتيجة الاستقطاب الإقليمي بين تونس والمغرب والجزائر، لا سيما مع كون الأخيرتين في حالة صراع محموم، بينما تسعى كل منهما لفرض وساطتها في الأزمة الليبية وتقريب تونس من رؤيتها المباشرة في ليبيا.

لذلك من الصعوبة بمكان تصور الاستقرار الكامل في دول الربيع العربي مع تلك التوترات المتدافعة إقليمياً ودولياً من ناحية، وأخرى يبدو نحو ضغط الأزمات الاقتصادية في الداخل. غير أن أفق الأمل المنظور لا ينبغي ترقبه سوى مع تحالف السلطة والشعب نحو خطة محددة لتجاوز أزمة "الجمهورية القديمة" والحوار الحقيقي والجاد لصياغة مفهوم الجمهورية الجديدة والاتفاق الموضوعي على مفردات العلاقة بين السلطة والشعب الحقوق والواجبات في هذا الواقع المتغير.
 

ليفانت – رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!