الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • تقرير: تحذيرات من تأثير التغير المناخي على آثار الشرق الأوسط

  • التغير المناخي يهدد "الأهرامات" و"حدائق بابل المعلقة"
تقرير: تحذيرات من تأثير التغير المناخي على آثار الشرق الأوسط
أهرامات مصر/ أرشيفية

بالرغم من الإسهام المنخفض لمنطقة الشرق الأوسط في معدل الانبعاثات الحرارية العالمية، مقارنة بالدول المتقدمة؛ إلا أنها تعتبر من أكثر المناطق تضرراً من تداعيات التغير المناخي، حيث تسببت موجات الجفاف والتصحر في تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية وتراجع منسوب المياه في الأنهار.

مع ارتفاع التهديدات المناخية نتيجة لارتفاع معدلات ثاني أوكسيد الكربون، تزداد مخاطر مشكلة الاحتباس الحراري في الدول النامية بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص أسرع بمرتين من المعدل العالمي، ما يشكل خطرا على آثار الشرق الأوسط مقارنة بالآثار في بقاع أخرى من العالم، ومثال ذلك التأثيرات المحتملة على إهرامات الجيزة بمصر.

ففي الوقت الذي كانت فيه مدينة بابل من أكبر مدن العالم، موطن الحدائق المُعلّقة التي تعد إحدى عجائب الدنيا السبع بالإضافة إلى برج بابل الأسطوري. بدأت اليوم تتساقط واجهات الجص التي أعيد بناؤها في المدينة، فيما أصبح الدخول إلى بعض المباني خطرا بعد أن كانت مقصدا للسائحين. وتأسست مدينة بابل القديمة الواقعة في جنوب العراق، قبل حوالي 4300 عام لتصبح مزيجا من الحداثة والعراقة.

وتقول إليانور روبسون، أستاذة تاريخ الشرق الأوسط القديم في جامعة (كوليدج لندن)، في مقابلة مع DW، لقد أدى تسرب المياه الجوفية لسنوات وفصول الصيف شديدة الحرارة إلى انهيار المباني.

اقرأ أيضاً: رويترز: تغير المناخ والصراع يؤثران بشدة على محصول الحبوب في سوريا

وأضافت روبسون التي تفقدت المواقع التراثية العراقية: "قضيت يوما خلال مايو/ أيار الماضي في التجول برفقة عمار الطائي وفريقه من صندوق الآثار  العالمي في العراق. لقد كان الأمر محزنا للغاية. إنهم يشاهدون المكان وهو ينهار أمام أعينهم".

وأُدرجت المدينة العراقية القديمة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2019، لكنها ليست الموقع الأثري الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتأثر بتفاقم تداعيات ظاهرة التغير المناخي.

أهرامات الجيزة في مصر جزء من القائمة المهددة بالخطر، إذ بدأ لون الحجارة في الهياكل التاريخية يتغير مع حدوث تشققات جراء ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة.

كما تواجه المواقع التاريخية الأخرى في الشرق الأوسط خطراً جراء تكرار حرائق الغابات والعواصف الرملية، فضلاً عن مستويات تلوث الهواء الخطيرة وارتفاع مستوى الملوحة في التربة وارتفاع مستوى سطح البحر.

اقرأ أيضاً: اكتشاف أحد أطول سلاسل آثار أقدام الديناصورات بسبب الجفاف

ففي الأردن، تزايدت المخاوف من أن أجزاء من مدينة البتراء التي يبلغ عمرها حوالي 2300 عام وتذخر بمبانٍ شيدت في جوانب الجرف الصخري، باتت معرضة للخطر بسبب احتمالات ارتفاع وتيرة الانهيارات الأرضية.

وفي اليمن وتحديدا شرق البلاد، لا تزال الأمطار الغزيرة تلحق الضرر بالمنشآت الشهيرة المبنية من الطوب في وادي حضرموت، كما جرفت السيول العارمة التي باتت أكثر شيوعا في البلاد، المباني المبنية من الطوب.

أما في ليبيا، فقد أصبحت واحة غدامس القديمة مهددة بالزوال بسبب جفاف مصادر المياه الرئيسية  ما أدى إلى زوال الغطاء النباتي ودفع السكان إلى الرحيل. فيما باتت المواقع الأثرية المطلة على الساحل في المنطقة معرضة للخطر جراء ارتفاع منسوب مياه البحر وحدوث فيضانات.

وشهد شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، قيام فريق من الباحثين من معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية في ألمانيا والمعهد القبرصي بنشر ورقة بحثية تنبأ الباحثون فيها بأن الأسوأ قادم. وذكرت الورقة البحثية أن الاحترار في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط "يزداد أسرع بمرتين من المعدل العالمي في المناطق الأخرى المأهولة بالسكان في العالم".

وتدق نتائج البحث ناقوس الخطر، حيث أن القلاع والحصون والإهرامات والمواقع القديمة الأخرى في الشرق الأوسط باتت معرضة لخطر أكبر من أي وقت مضى بسبب التغيرات المناخية.

تهدد الأمطار الغزيرة والسيول مدينة شبام اليمنية التي تعد أقدم مدينة ناطحة سحاب في العالم

وفي هذا الإطار، قال المجلس الدولي للآثار والمواقع (ICOMOS) إن تغير المناخ أصبح "أحد أخطر وأسرع التهديدات التي تواجه الناس وتراثهم الثقافي في جميع أنحاء العالم".

إلى ذلك، عبّر نيكولاس باكيرتزيس، الأستاذ المتخصص في علم الآثار والتراث الثقافي في معهد قبرص، عن مخاوفه من أن "التراث الثقافي في الشرق الأوسط بات معرض للخطر أكثر من التراث الثقافي في أماكن أخرى من العالم مثل أوروبا". 

وعزا باكيرتزيس ذلك إلى أمرين: الأول يتربط بتفاقم  ظاهرة التغير المناخي  وارتفاع الاحترار بمعدل أسرع مقارنة بباقي مناطق العالم. ويعود السبب الثاني إلى أن العديد من بلدان الشرق الأوسط يساورها القلق حيال قضايا أخرى غير الحفاظ على التراث والمواقع التاريخية، لا سيما أن الكثير منها مازال يئن تحت وطأة أزمات اقتصادية أو سياسية فضلا عن صراعات وأعمال عنف وقتال. وأضاف أن "الجميع يدرك أن (الحفاظ على التراث) يمثل تحديا، لكن لا يستطيع كل شخص تحمل فكرة أن يتصدر هذا الأمر الأولوية".

الجدير بالذكر أن ظاهرة تغير المناخ تؤثر على مواقع التراث في القارة الأوروبية أيضا، لكن الفارق هو أن أوروبا باتت في وضع أفضل في إدارة هذه الأزمة مقارنة بمنطقة الشرق الأوسط.

وفي الشرق الأوسط، ثمة بلدان تحرز تقدما في إدارة المواقع الأثرية لمواجهة خطر التغير المناخي مثل مصر والأردن ودول الخليج، لكن في المقابل توجد دول أخرى لا يمكنها القيام بالأمر ذاته. وفي ذلك، قالت إليانور روبسون، أستاذة تاريخ الشرق الأوسط القديم في جامعة "كوليدج لندن"، إنه جرى إنشاء منظمات حكومية لإدارة المواقع التراثية مثل مجلس الدولة العراقي للآثار والتراث.

لكنها شددت على أن هذه المنظمات تعاني "من نقص حاد في الموارد والتجهيز والتدريب، بسبب العقوبات وما وقع خلال العشرين عاما الماضية في العراق. وباتت الآن الحاجة إلى الموادر المادية أكثر إلحاحا، مما يجعل صيانتها أكثر تكلفة".

وفي السياق ذاته، يسلط إبراهيم بدر، الأستاذ بكلية الآثار بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، الضوء على قضية في غاية الأهمية تتمثل في الوعي حيال تأثير ظاهرة التغير المناخي على الآثار. ويقول إن "الوعي بالحاجة إلى حماية المواقع التراثية من تغير المناخ ما زال في مهده". ويضيف "أجريت بعض الدراسات لكن لم يرق الأمر إلى اتخاذ إجراءات على أرض الواقع. لسوء الحظ، فإن معظم دول الشرق الأوسط ليست على أهبة الاستعداد لمواجهة تداعيات هذه القضية، وهذا ما يؤثر بالسلب على المواقع الأثرية".

كما حذّر الخبراء من أن التغير المناخي لن يؤثر بالسلب على المواقع الأثرية فحسب وإنما على المجتمعات التي تعيش بالقرب منها. وعن ذلك يقول باكيرتسيس إن الأمر لا يتعلق فقط "بموقع أثري أو معبد قديم، بل يتعلق الأمر أيضا بالمجتمعات التي تحافظ على المواقع الأثرية".

ويشدد على أن ظاهرة التغير المناخي ستدفع مجتمعات للهجرة مع تفاقم ظروفها المعيشية. ما قد يعني في نهاية المطاف تلاشي المجتمعات التي تعتني بالأماكن الأثرية بل وتلاشي الإرث الثقافي الذي تذخر به. ويستشهد في ذلك بما طرأ على بعض المواقع المسيحية القديمة في العراق، إذ هاجرت أعداد كبيرة من قضية في غاية الأهمية . وأضاف بأنه "في الوقت الحالي، لا يهتم بهذه الأماكن سوى القليل وقد تتحول إلى أنقاض".

وتختم روبسون بالقول "تربطنا بالتراث علاقة شخصية لأنه بالمعنى الحرفي يعني الميراث الذي يبوح بهويتنا ومن نحن، وما هو دورنا في العالم وفي مجتمعنا. إن الأمر يعد أساسيا بإحساسنا بهويتنا".

ليفانت نيوز_ "DW"

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!