الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
تفكيك منظومة الإرهاب
ثروت الخرباوي 

نحن الآن في قلب الدنيا الحقيقية ولدينا القدرة على القيام بأشياء كثيرة تفكك منظومة الإرهاب الفكرية، وأهم هذه الأشياء هو تبني مشروع قومي لإعادة بناء الإنسان العربي، وأمتنا في أمس الحاجة إلى خطاب حضاري يليق بها وبتاريخها، يستلهم من ماضيها ليقدم لمستقبلها، وينظر لباقي الحضارات نظرة تكامل لا تصادم، فمما لاشك فيه أن هناك الكثير والكثير من القواسم الحضارية المشتركة بيننا وبين الآخرين بحيث لا يستطيع أحدٌ منا احتكار الفضل لنفسه وحده، فالحرية بمستلزماتها وكرامة الإنسان والعدالة وتعمير الأرض والعلم بأبوابه كلها وإتقان العمل،والارتقاء بالإنسان وبقيمه، كل ذلك نستمده من حضارتنا الضاربة في جذور التاريخ وحضارات الأمم الأخرى قديمها وحديثها، مع الوضع في الاعتبار أن كل حضارة من الحضارات لها طريقة تناول مختلفة لهذه الأصول تتفق مع ثقافتها وقيمها.


 


أما أهم فروع الثقافة التي ستساعد على مواجهة الإرهاب بقوانينه فهي الفنون والآداب، السينما والمسرح والموسيقى والغناء، ويوم أن كنا نعيش في نهضة فنية كان الإرهاب شيئا عابرا في حياتنا لا نكاد نراه، أما الخطاب الديني فهو مفرد من مفردات الخطاب الحضاري، وحيثما ارتفع خطابنا الحضاري واتجه إلى إعمال العقل والإبداع، ارتفع معه شأن الخطاب الديني واتجه إلى العقل وانتحى بعيدا عن النقل، ومع ذلك فإن الخطاب الديني يحتاج إلى عناية خاصة نظرا للتشوية الذي حدث للإسلام عبر سنوات طويلة، لذلك أصبحت مدرسة النقل هي المسيطرة على الخطاب الديني وابتعدت مدرسة العقل عن التأثير، وترتب على ذلك أننا لا نعيش مع فهمنا نحن للدين، ولكن مع فهم القدماء للدين، لذلك كانت المفارقة التي جعلتنا نعيش في القرن الواحد والعشرين، بعقلية من يعيش في القرون السابع والثامن والتاسع! وكأن الإسلام دين محلي مرتبط بحقبة زمنية محددة ومجتمع بعينه، وهذه أكبر إساءة لعالمية الإسلام وعدم محدوديته، لذلك ومن منطلق أن الله أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ليكون للعالمين نذيرا) وكذا ليكون (رحمة للعالمين) لذلك فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تتفاعل عقول الناس "النسبية" على مر العصور وعلى اختلاف الأمكنة والأزمنة مع نصوص الدين المطلقة، وسيترتب على ذلك بلا ريب اختلاف الأفهام من جيل إلى جيل ومن بيئة إلى بيئة، فإذا ربطنا أنفسنا بفهم جيل بعينه نكون قد نزعنا من الإسلام خاصيته العالمية والشمولية، وقد انتج لنا تجميد الدين عند زمن القدماء جماعات عاشت بعقول أزمنة قديمة فكان أن تعسفت في فهم النصوص واعتبرت أن ما هي عليه هو الحق المطلق! فرفعت سيوفها في وجوه مجتمعاتها وأطلقت دعاوى التكفير ضد الجميع، وأنشبت مخالبها في وجوه من يخالفها في الفهم، فكان القتل وسفك الدماء وتخريب البلاد والسعي للحكم باسم الدين على جثث العباد! ولأن شعارات الدين تخلب العقول وتسلب المشاعر لذلك وقع تحت أسر تلك الجماعات عدد لا يستهان به من شبابنا، وتعاطفت معهم شرائح من الناس، يظنون أن ما عليه تلك الجماعات هو الدين المطلق وأن ما سواه هو الباطل المطلق، وأن صراعهم هو صراع الحق ضد الباطل، وجهادهم هو الجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى!! وكان هذا كله داعيا لنا أن نسعى إلى تصحيح المفاهيم ومواجهة هذا الشذوذ الذي أساء للإسلام أيما إساءة .


 


ولذلك فإننا ونحن في طريقنا لتصحيح المفاهيم الشاذة يجب أن ندرك أن هناك فارقا بين الإسلام وبين تراث المسلمين، الإسلام مقدس بقرآنه وسنته الصحيحة لا شك في ذلك، ولكن التراث هو ذلك الذي وصلت إليه عقول بعض المسلمين الأوائل في فهمها للقرآن والسنة النبوية سواء كانت عملية أو قولية، فإذا فهم القدماء تلك النصوص قطعية الثبوت وفق ثقافاتهم وخبراتهم وزمنهم وواقعهم الذي يعيشون فيه، فليس معنى هذا أن باقي المسلمين على مدار العصور مجبرين على أن ينتظموا في نفس هذا الفهم، وإلا لكان معنى هذا أن الله لم  يخلق إلا عقلا واحدا ثم استنسخ منه نسخا بقدر عدد البشر إلى أن تقوم الساعة! ولذلك فإن التراث قد يلقى تقديرا من المسلمين ومن غير المسلمين بحسب أنه جهد بشري إبداعي، ولكنه لا ينبغي أبدا أن يلقى تقديسا أو تنزيها.


أما أعظم وسيلة تضمن لنا دحر الإرهاب فهي التعليم، فأي أمة مهما كان تاريخها عريقا لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بالتعليم الصحيح، لذلك يجب أن نسارع إلى صنع نهضة تعليمية في المناهج والطرق والأساليب، بحيث يكون التعليم للجميع بالفعل كالماء والهواء، ليس أي تعليم، وليست أي مدرسة أو جامعة، ولكن التعليم وفقا لأحدث الأنظمة العالمية، وقد سبقتنا دول كثيرة في هذا المجال ولا يعيبنا إن أخذنا منها، وسيكون طريقنا محفوفا بالصعوبات لاشك في ذلك، فإن لأنصار التقليد سطوة، ولكن وسائلنا ستيسر لنا الطريق، وإن كانت لنا إرادة سننجح، المهم هو أن نبدأ، فهيا بنا نبدأ.


ثروت الخرباوي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!