الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
تغيير الدستور.. طود أردوغان الأخير للبقاء في السلطة
تركيا

مرهف دويدري - ليفانت خاص


 



أثار إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تساؤلات حول غايته من تأييده تغيير الدستور التركي الذي تم تعديل بعض مواده في 2017، لتحويل نظام الحكم في تركيا من (برلماني) إلى (رئاسي)، حيث يقول أردوغان بأنه يريد وضع "أول دستور مدني" في تاريخ تركيا، مشيراً إلى أن كل الدساتير التركية منذ الستينيات صاغتها حكومات منبثقة عن انقلابات عسكرية، لكن معارضي أردوغان يشككون في رغبته في تطبيق إصلاحات حقيقية، فيما يبدي المدافعون عن حقوق الإنسان قلقهم من تصاعد القمع وتدهور دولة القانون منذ عدة سنوات، ويأتي هذا التغيير الدستوري، قبل عامين من انتخابات 2023 العامة التي قد تكون معقدة بالنسبة للرئيس التركي، حيث من المتوقع -إن استطاع- أن يحاول أردوغان أيضاً وبموجب دستور جديد، وضع نظام انتخابي يسهل إعادة انتخابه.



وتأتي التصريحات الأخيرة لأردوغان في الوقت الذي يتوقع فيه محللون ومعارضون أن يقوم بتسريع موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، المقررة في 2023، فيما يرى مراقبون أنه من خلال دعوته إلى دستور جديد سيكون المهندس الرئيسي له، ما يمكن للرئيس التركي أن يلتف على مبادرات أخرى للإصلاح تروج لها المعارضة التي تطالب بالعودة الى نظام برلماني، وتنظيم استفتاء دستوري قد يسمح لأردوغان بحشد قاعدته وخصوصاً بعدما تراجعت شعبيته في السنوات الماضية بسبب الصعوبات الاقتصادية المتنامية.



أردوغان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

ما أعلنه إردوغان حول تأييده تغيير الدستور التركي، لا يمكن إخراجه من عدة سياقات كان المشهد السياسي الداخلي للبلاد قد شهدها بصورة متواترة في الأشهر الماضية، أولها الحراك الذي بدأته أحزاب المعارضة لتشكيل تحالفات من أجل الضغط باتجاه تنظيم الانتخابات المبكرة، وما رافقها من حديث لازم تصريحات عدة سياسيين، وأكدوا فيها على ضرورة التحول للنظام البرلماني، كما كان عليه الوضع سابقاً.



ما هي دوافع أردوغان لتغيير الدستور؟



يرى مراقبون أن انخفاض شعبية الحزب الحاكم في تركيا "العدالة والتنمية" على حساب أحزاب جديدة أطلت على الساحة، واتجهت لكسب أصوات جديدة من الشارع التركي، الذي بات يتململ من سياسات أردوغان وحزبه، بسبب الانهيار الاقتصادي، هذه الأحزاب عملياً انشقت من رحم الحزب الحاكم، وأيضاً من أحزاب المعارضة، على رأسها "حزب الشعب الجمهوري"، والذي يشهد سلسلة انشقاقات غير مسبوقة في الوقت الحالي، يقودها القيادي محرم إينجه.


 



أردوغان من اليمن: أحمد داوود أغلو - رجب طيب أردوغان - علي باباجان

ولعل من أهم أسباب سعيه لمثل هذها التغيير هي انهيار سلطته داخل معسكره، فقد قدم قرابة مليون عضو من حزب العدالة والتنمية، استقالته من الحزب، بين عامي 2019 و 2020، كما بدأ رفاق دربه السابقون ـ مثل رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ووزير المالية الأسبق علي باباجان، والرئيس السابق للبلاد عبدالله غول، بتأسيس أحزاب سياسية مستقلة عن هيمنة أردوغان، حيث من المتوقع أن يحصد هؤلاء أصواتاً كثيرة من المعسكر المحافظ التي كانت لحد الآن تذهب لحساب أردوغان وحزبه.


اقرأ المزيد   أحزاب تركية تستنكر نيّة أردوغان وضع دستور جديد للبلاد


بالمقابل، أفادت مصادر إعلامية تركية أن عملية "تغيير الدستور" كان قد ناقشها الرئيس التركي أردوغان مؤخراً مع حليفه زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت باهشتلي، وأشارت إلى أن "دولت لديه معرفة بالموضوع بشكل مسبق، وكانت هناك ثلاث جلسات خاصة في الشهر الماضي. مع ذلك لم يعلن أي من "الزعيمين" أي شيء لوفودهما فيما يتعلق بمحتوى المحادثات.


ومنذ وصول حزب "العدالة والتنمية" لسدة الحكم قبل نحو 15 عام، ظل قادته يؤكدون على ضرورة تغيير الدستور العسكري (دستور 1982)، والعمل على تعديلات جذرية فيه، والتي سبق وأن أجريت في عدة فترات زمنية أبرزها في عامي 2007 و2010، وصولا إلى الاستفتاء الكبير على تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي في عام 2017.



التعديلات الدستورية 2017.. لم تعد تكفي!



صوّت الأتراك في نيسان/أبريل 2017 على استفتاء عدّلت فيها الدولة نظامها الحاكم، من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، ويعني ذلك إلغاء منصب رئيس الوزراء، حيث يصبح بموجبه الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب رئيساً للحكومة وقائد للدولة، حيث سيحصل الرئيس على صلاحيات أكبر تسمح له بتخطيط ميزانية الدولة وتعيين الوزراء والقضاة وإعفاؤهم، كما يحق له في بعض المجالات إصدار مراسيم. ولرئيس الدولة الحق في الانتماء لحزب سياسي، حيث كان قبل التعديلات الدستورية ملزم رسمياً بالتنازل عن انتمائه الحزبي ومزاولة مهمته الرئاسية بـ"بحيادية".


 



استفتاء 2017 استفتاء 2017

بموجب هذا التعديل حصل الرئيس التركي على سلطات واسعة جداً، ويمكن القول أنه بات الحاكم المطلق بلا أي منازع أو معترض على سياساته الحكومية، وكان أردوغان يعمل منذ 2005 على إعادة تعريف منصب الرئيس لتوسيع صلاحيات حكمه. ومع فشل المحاولة الانقلابية صيف عام 2016 حصل أردوغان على دعم قوي في هذا التوجه. منذ ذلك الحين يؤكد أردوغان على ضرورة القيام بتغييرات متشددة، في إطار النظام الحالي نجحت الحكومة بزعامة أردوغان في تفريغ دولة القانون الديمقراطية. فسياسيون معارضون وصحفيون يخضعون حالياً للمضايقة والاعتقال، حيث أعفى أردوغان 2.700 قاض من مهامهم، ضمن حملته لبسط سيطرته بعد الانقلاب الفاشل، ومن الصعب تصور أن تكتسب تركيا ديمقراطية أكبر في حال حصول الرئيس الحالي على سلطة أكبر.



تعديلات الدستور التركي منذ تأسيس الدولة



شهدت تركيا منذ تأسيس الدولة الحديثة على يد (مصطفى كمال أتاتورك) بعد إنهاء السلطنة العثمانية، تحولات عدة عبر انقلابات عسكرية وحكم مدني ما استدعى تغيير دستور البلاد لمرات عدة كان آخرها عام 1982 بعد الإنقلاب العسكري الأخير الذي حكم تركيا برئاسة (كنعان إيفرين)، حيث بدأت تركيا بدستور عام 1921، وهو دستور قصير وسريع جرى إعداده على عجل إبان حرب الاستقلال مكون من 23 مادة وهو يعتبر الأساس الذي تأسست بموجبه الجمهورية التركية الحديثة عام 1923 وكان ينص على أن الشعب هو مصدر السلطات دون قيد أو شرط.


ثم جاء دستور 1924، عقب انتهاء حرب الاستقلال وتأسيس الجمهورية ظهرت حاجة ماسة لدستور أوسع وأكثر تفصيلاً يلبي احتياجات البلاد وكان التعديل سهلاً لعدم وجود مواد تقيد التعديلات في الدستور المبدئي عام 1921 وشمل الدستور الجديد تفصيلات تتعلق بالفصل بين السلطات والقضاء وغيرها، حيث تعرّض للتعديل 7 مرات، وفي عام 1960 تولى الجيش التركي إدارة البلاد بعد سنوات من الفوضى الأمنية والاشتباكات والمظاهرات، وتم إدارة البلاد من قبل ما عرفت باسم لجنة الوحدة الوطنية، وبدأ العمل على كتابة دستور جديد تم عرضه للاستفتاء الشعبي والموافقة عليه عام 1961، واعتبر بمثابة دستور أشرف عليه العسكر الانقلابيون.



كنعان إيفرين الرئيس التركي الأسبق كنعان إيفرين

ومع سيطر الجيش التركي مجدداً على الحياة السياسية في البلاد عام 1980، قبل أن يعلن الأحكام العرفية ويوقف عمل البرلمان والحكومة، وعمل مجلس الأمن القومي العسكري على تشكيل جمعية تأسيسية من أعضائه لكتابة دستور جديد للبلاد، وبعد إعداد مسودة للدستور وافق عليها مجلس الأمن القومي برئاسة "كنعان إيفرين" وأعلنت دستوراً للبلاد 1982 عقب استفتاء شعبي مثير للجدل ومشاركة محدودة جداً، وهو ما اعتبر دستوراً وضع بإرادة الانقلابيين بشكل كامل.



أدوات أردوغان لتمرير دستوره الجديد



تتطلب عملية وضع دستور جديد في تركيا الحصول على أغلبية الثلثين في البرلمان التركي لسنه، أو أن يذهب الأمر لعرضه على الاستفتاء الشعبي.


لكن "تحالف الجمهور" لا يتمتع بأغلبية الثلثين اللازمة لسن الدستور الجديد، الأمر الذي يضعه أمام خيارين، الأول الاتفاق مع أحزاب المعارضة، أما الثاني فهو التوجه للتصويت الشعبي على ذلك.


البرلمان التركي


ويتألف البرلمان التركي من 600 نائب، وبالنسبة للتعديل الدستوري فهناك حاجة إلى 400 صوت برلماني في الظروف العادية، حيث يشترط أن تكون "أغلبية ثلثي الأعضاء مطلوبة".


اقرأ المزيد    باباجان يرفض مُحاولات أردوغان لإعادة تعديل الدستور


ولحزب "العدالة والتنمية" 289 مقعدا في البرلمان، بينما يبلغ عدد مقاعد حزب "الحركة القومية" 48 مقعدا، ليكون المجموع بذلك 337 صوتا، وهي نسبة غير كافية لإجراء أي تعديل دستوري.


ووفقاً للمادة 184 من الدستور الحالي للبلاد، يتمتع الرئيس بصلاحية طرح مقترحات التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي، ويمكن له أيضاً تقديم اقتراح التعديل الدستوري، الذي تم قبوله بأغلبية 400 صوت أو أكثر في البرلمان التركي للتصويت الشعبي، إذا رغب في ذلك.

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!