الوضع المظلم
الثلاثاء ١٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
تركيا والسويد.. الحرب داخل الناتو
كمال اللبواني

بعد الانقلاب المشجع من قبل الغرب ضد أردوغان، أو هكذا يقول، وبعد سحب الباتريوت من تركيا إثر صدام مع طيران روسيا، ثم بعد الانتقادات الكبيرة والعقوبات التي تبعت تدخل الجيش التركي في شمال سوريا، صارت تركيا تفكر جدياً بالتخلي عن الناتو.

وعندما اندلعت الحرب الأوكرانية لم تتخذ تركيا إجراءات تستفز الروسي، بل طبقت الاتفاقات الدولية فقط، وبقي الروسي يحاول استمالة تركيا لصفه في معركة كسر العظم مع الغرب، وصار الغرب مستعداً لتقديم المزيد من التنازلات لأردوغان خوفاً من تحوله، مما سيعطي للروسي فسحة للاستمرار في سياسته التوسعية جنوباً وغرباً.. في هذا الوقت شعرت السويد وفنلندا بالخوف من نجاح روسيا في قضم شرق أوكرانيا ثم التوجه لقضم قسم من فنلندا وجزيرة استراتيجية للسويد لتضمن ملاحتها في بحر البلطيق، كما ضمنتها جزئياً في البحر الأسود، لأنها تحتاج لموافقة تركيا بشكل حاسم، وهو ما يزيد أهمية تركيا، فانضمام السويد وفنلندا سيبقي بحر البلطيق بعيداً عن هيمنة الروس، وبقاء تركيا في الناتو سيضمن عزل الروس عن الجنوب، لذلك فكلا الخطوتين استراتيجيتان بالنسبة للناتو، كحلف عسكري توسع في زمن الحرب الباردة والتي تحولت لحرب ساخنة في بداية هذا العام.

في هذه النقطة الحرجة، اصطاد أردوغان (لاعب كرة القدم) الفرصة وسدد لمرمى الغرب إصابة مباشرة، مشترطاً تقويض الحلم الكردي بالاستقلال، والذي يهدّد وحدة تركيا كشرط للانضمام، رابطاً بين النضال الكردي والإرهاب، مستغلاً تجاوزات حزب الـ ب ك ك وعنفه ضد المدنيين، ومعتبراً كل نضال كردي هو إرهاب، ومهدداً بالانضمام للروس الذين وعدوه بنصف سوريا الشمالي وقسم من شمال العراق (الموصل وكركوك).

إنه بزار استراتيجي تدفع الشعوب المستضعفة ثمنه.. فتركيا رابحة في كلا الخيارين، وهي بيضة القبان في الصراع الحاصل، وأمريكا البعيدة سريعة التخلي عن أصدقائها الذين يتحولون لمجرد أوراق في لعبة المصالح الرأسمالية الإمبريالية. 

تركيا تريد حرية العمل لتقويض حزب الـ ب ك ك وتوابعه وتريد فرض شروطها في شمال سوريا وشمال العراق، مستخدمة المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بحق الدفاع البعيد للدولة التي تصبح حدودها مهددة من عصابات إرهابية تفشل الدولة الجارة في فرض سلطتها عليها، وهي بعمق 30 كم، وهذا ما تخطط للقيام به في كل الشمال السوري وفي اتجاه جبال قنديل فيما بعد. وسيشمل معظم مناطق سكن الكرد في سوريا.

روسيا ليست بوارد توسيع الحرب بعد تعثرها في أوكرانيا، والكرد تربطهم بالغرب روابط أقوى من تلك التي كانت تربطهم بها، لذلك روسيا لن تقاتل دفاعاً عنهم، ولا يضيرها لو سيطرت تركيا عليهم، لذلك إذا حصلت تركيا على ضوء أخضر غربي، وهذا متوقع بسبب معاناة دول أوروبا من الحرب، والرغبة في القضاء النهائي على الخطر الروسي كعدو رقم واحد، ومن خلفه الصين كعدو رقم 2، عندها تصبح القضية الكردية، وقضية حقوق الإنسان، من التفاصيل التي يمكن إغماض العين عنها غربياً، خاصة بعد أن تحول الإسلام ذاته من عدو مشترك للغرب والشرق ومنبع الإرهاب، إلى مشروع حليف في صراع الغرب والشرق، كل طرف يتسابق مع الطرف الآخر في التودد والتقرب إليه.

باختصار.. تركيا تستغل الظرف بشكل ناجح والقضية الكردية ستخسر كثيراً إذا لم تتحصن بتحالفها مع بقية القوميات وبمظلة الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية اللاقومية كمرحلة ضرورية في زمن العواصف. وربما كحل نهائي لصراعات المنطقة وأرضية لتحضرها.

 

ليفانت - كمال اللبواني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!