-
تركيا تُحاضر على أمريكا بحقوق أصحاب البشرة السمراء، وتقتل الكُرد يمنة ويسرة
هي جريمة بلا أدنى شك ما تعرض له المواطن الأمريكي جورج فلويد، عندما قُتل بدم بارد على يد شرطي أمريكي، لكن على الأقل لا يتعرض أصحاب البشرة السمراء في أمريكا إلى انتهاكات مُمنهجة تستهدف تغيير لونهم، كما تفعل تركيا في داخلها مع مكونات عرقية على رأسها الكُرد، مستهدفة تغيير دمهم ولحمهم إلى الدم التركي.
فبالأمس فقط، قتل 3 شبان أتراك شاباً كُردياً اسمه باريش تاشكان\19 عاماً لأنه كان يستمع إلى أغنية كُردية، ليطرح السؤال نفسه، على من تزاود أنقرة؟، فهي لم تصل بعد حتى إلى ذلك المستوى من التمييز العنصري المزعوم في أمريكا، حيث لا يُقتل أصحاب البشرة السمراء ضمن مجازر ولا تُدمر لهم مدن، ولا يحرمون من لغاتهم وممارسة ثقافتهم وطقوسهم الدينية أو الطائفية وهو ما يزال يعانيه الكُرد سواء داخل تركيا أو خارجها نتيجة أفعال أنقرة، كما أن المظاهرات الأمريكية يشارك بها أعداد غفيرة من البيض، رفضاً للانتهاكات ضد أصحاب البشرة السمراء، عدى عن أن رئيس الولايات المتحدة السابق، كان من ذوي الأصول السمراء، فهل سجلت أو يمكن أن يسجل تاريخ تركيا رئيساً كُردياً لها، وهو موضع شكٍ أكيد مع كل ما تحمله من فكر عنصري مريض، خائف من الآخر، متوجس من وجوده، ويجد في فناء الآخر بقاءه وديمومته!ا
تاريخ طويل من المجازر والترهيب العنصري طال الأرمن
ولا يقتصر الترهيب والخوف من الآخر والسعي إلى إنكاره ونفيه وقتله على الكُرد فقط في تركيا، ففي بداية القرن الماضي، نفذت أنقرة جرائم إبادة عرقية ممنهجة بحق الأرمن، كانت ذروتها في العام 1915، وراح ضحيتها أكثر من مليون ونصف إنسان، وأدّت إلى تطهير مناطق واسعة في تركيا من الأرمن، فيما يستذكر هؤلاء سنوياً تلك المجازر تحت مسمى الإبادة الأرمنية.
ورغم أنّه قد مرّ على تلك المجازر 105 أعوام، لا تزال أنقرة مُصممة على أنّها لم تفعل سوءاً ولا ترتكب مقتلة، وأنّها كانت في إطار حرب مُتبادلة وأن الكثير من مواطنيها قتلوا في تلك الحرب، في سبيل تبرير جرائمها.
جرائم يمكن إسقاطها على الهجمات التركية على المواطنين الكُرد السوريين حالياً، فرغم القوة العسكرية التي لا يمكن مقارنتها، ستلجأ أنقرة لو أفلتت من العقاب هذه المرة أيضاً، للقول بعد مئة عام، بأنّها كانت في حرب مع الكُرد، وأنّ مواطنين من بلادها أيضاً قتلوا فيها، لكن دون أن تتطرّق بطبيعة الحال لعدوانيتها، وتدخلها السافر في الشأن السوري، أو منعها الأطراف السورية من اللقاء، وتمرير أجنداتها عبر المعارضة السورية؛ لحرمان المكونات العرقية والدينية السورية من حقوقها السياسية، والإصرار على طمس الهوية العرقية والثقافية لمختلف المكونات باستخدام الشعارات الطنانة والرنانة كـ”الوطنية”.
“وطنية” لكن على شاكلة مليشيات ما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري”، وما تعنيه من درجة الانقياد للأوامر التركية، والسمع والطاعة لها، حتى لو جعلت من سوري آخر خصماً لها، ودفعته ليقتلهم، فقط لأنه كُردي أو أرمني أو مسيحي أو علوي أو درزي أو غيره، أو السفر خلف البحار للقتال في ليبيا.
إبادة الأقليّات الدينية في تركيا وسوريا
وفي السياق ذاته، أوصت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية “يو إس سيرف”، منتصف مايو الماضي، وزارة الخارجية، بإعادة تركيا إلى قائمة مراقبة خاصة لـ”الانخراط أو التسامح مع الانتهاكات الجسيمة للحرية الدينية”، وفقاً للتقرير السنوي للجنة، حيث أوضح المحللان “أيكان إردمير” و “توجبا إردمير” في مقال لمجلة “بروفيدنس”، أنّ التخصيص المقترح في تقرير اللجنة لعام 2020، يشير إلى تركيا باعتبارها الدولة الوحيدة من بين 30 دولة عضو في الناتو ذات مخاوف تتعلق بالحرية الدينية. أمريكا
وأشار التقرير أنّه في عدّة حالات في عام 2019، واجهت المواقع الدينية والثقافية الأرمنية والآشورية واليونانية، بما في ذلك العديد من المقابر، أضراراً شديدة أو دماراً في بعض الحالات بسبب الإهمال، ولكن أيضاً بسبب التخريب أو مشاريع البناء التي أقرّتها الدولة، في حين أنّ مواقع “علوية مقدسة” في مقاطعة سيواس (الوسطى) واجهت تهديدات مماثلة بعد أن أصدرت الحكومة تصاريح تعدين للمنطقة المحيطة بها.
ودعت اللجنة، الحكومة الأميركية إلى “ممارسة ضغط كبير على تركيا لتوفير جدول زمني لانسحابها من سوريا”، مع ضمان ألا يقوم الجيش أو حلفاؤه من السوريين “بتوسيع نطاق سيطرتهم في شمال شرق سوريا”، كما طلبت اللجنة من إدارة ترامب منع أنقرة من القيام “بالتطهير الديني والعرقي في تلك المنطقة”، أو “انتهاك حقوق الأقليات الدينية والعرقية الضعيفة هناك”، وقال التقرير: “الأقليات الدينية في مناطق أخرى استولت عليها تركيا في وقت سابق، مثل عفرين، استمرت في التعرّض للاضطهاد والتهميش، وخاصة النازحين الأيزيديين والمسيحيين”. أمريكا
لكن المزاعم والافتراءات التركية بحقّ الكُرد السوريين لا نهاية لها، إذ يتواصل التهجّم التركي الهادف إلى إنهاء وجودهم القومي من مناطق شمال سوريا، وتحويلهم إلى شراذم متقطعة الأوصال، أو تغيير ديموغرافية مناطقهم الأصيلة كـ”عفرين”، التي انحدرت فيها نسبة التواجد الكردي من أكثر من 98%، إلى أقل من 25% في أفضل التقديرات، فيما ليست مناطق شرق الفرات بأفضل حال، في ظلّ الإصرار التركي على تخريب المنطقة وانتهاك حرمة حدودها.
أصحاب البشرة السمراء لم يقبلوا تعاطف أردوغان الفاشي
إذاً، زعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأييده الاحتجاجات الأميركية المناوئة للعنصرية، حيث وصف أردوغان الولايات المتحدة بأنّها “عنصرية وفاشية”، وقال ضمن سلسلة تغريدات نشرها حسابه في نسخته الإنكليزية على تويتر: “إنّ سلوك مدينة مينيابوليس كان نتيجة مظهر مؤلم للنظام الظالم الذي نقف ضده في جميع أنحاء العالم”، وأضاف: “إنّ تركيا تقف ضد جميع الهجمات التي تستهدف الإنسانية”، ومزيداً في شعر المزاودة بيتاً، بالقول: “إنّ بلاده تأمل في أن يتلقّى مرتكبو هذا العمل اللاإنساني العقوبة التي يستحقونها”.
تغريدات دفعت النشطاء في مختلف أصقاع العالم لتذكيره ببعض إنجازاته في مجال حقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق المكونات العرقية والدينية، فتمت الإشارة إلى فرقة موسيقية اسمها “يوروم” اختار أعضاؤها الإضراب عن الطعام لمئات الأيام، إلى أن فارق أعضاؤها حياتهم الواحد تلو الآخر، دون أن تظهر حينها إنسانية أردوغان وحنانه الجياش. أمريكا
كما ذكّره الناشطون بإعدام السياسية الكُردية السورية “هفرين خلف” رئيسة حزب سوريا المستقبل، بدم بارد على يد المليشيات السورية التابعة لها، إبان الهجوم التركي على مناطق شرق الفرات، عندما حلّت على تلك المناطق أسراب من الغربان لتحلق في سمائها، وتقصفهم وتقتلهم وتشتت شملهم بغية حرمانهم من بناء سوريا الجديدة، التي يريدها أردوغان ملكاً لأتباعه من أنصار تنظيم الإخوان المسلمين، وإلى اليوم، وعقب سبعة شهور من تلك الجريمة المروعة، لا يزال قتلة “هفرين” بلا حساب، هذا إن كانت تنوي أنقرة أساساً محاسبتهم، وإن لم تكن قد كافأتهم سراً.
كل ذلك السجل الحافل بالانتهاكات ورعاية التطرّف والإرهاب والقتل، ونشر الفوضى والخراب في سوريا العراق وليبيا، ولو أمكن لأنقرة لجعلت بلدان أخرى على القائمة، أشعلت موجة انتقادات ساخرة على تغريدة أردوغان الناقدة لمقتل فلويد على يد شرطي أميركي، ولعل الرد الأهم والذي ينبغي لأردوغان التصفّن فيه، هو ردّ صفحة “الاشتراكيون السود في أميركا” الرسمية، والتي علقت على تغريدته وقالت له: “اصمت يا فاشي”، فهل سيصمت الفاشي، أم سيواصل نعيقه كالغراب؟
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!