-
بيدرسون والعدالة التصالحية أو التعويضية وتوقع أجيال جديدة من الشبيحة والدواعش
لم يخطئ بيدرسون في المصطلح الذي تبناه في احاطته مجلس الأمن عن آخر ما توصلت إليه جهوده المكلف بها عندما ذكر العدالة التصالحية بدل العدالة التعويضية كما برر فيما بعد ( فكلاهما ذو مدول متقارب سياسيا ) ، بل لقد ذكر بيدرسون ما وقّعت عليه المعارضة من وثائق ، التي يبدو أنها وقعت على وثائق لم تقرأها، أو أوحي لها أنه ستبقى سرية ولن تظهر للعلن، لكن إحاطة بيدرسون لمجلس الأمن كشفت الغطاء عن بعض ملامحها، والتي بينتها أكثر ودلت عليها قرارات الائتلاف بتشكيل هيئة انتخابات، بالتزامن مع الاستعداد لإجراء انتخابات في سورية اقترب موعدها في منتصف العام القادم ، بما يوحي بالرغبة في المشاركة فيها قبل التوصل لأي صيغة تتعلق بالتسوية ، فالانتخابات هي الاستحقاق الأهم الذي سيعيد الشرعية كاملة للنظام بموافقة مضمرة في قبول المعارضة المشاركة ، وهي الآلية الوحيدة المتبقية بيد بيدرسون لتحقيق تقدم نحو الحل يمر فقط عبر استسلام المعارضة واذعانها لسلطة الأسد الذي انتصر بالقوة ، وجرها الشعب نحو العودة لسجون النظام وأسره وتحكمه. فلماذا قرر الائتلاف تشكيل لجان انتخابات، في حين ما تزال المعارك والقصف والناس يموتون في الخيم وتحت البراميل، أليس الأولى تشكيل لجان من نوع آخر لمهام ملحة وعاجلة ...
الشيء الذي تم التوافق عليه بين أخوة الجريمة وزملاء الفساد (أقصد المعارضة والسلطة) هو العفو المتبادل عن كل الجرائم والإرتكابات التي فعلوها، والقفز فوق كل مبدأ للعدالة والقصاص، وتقديم الحصانة للمجرمين والفاسدين، وسوق الشعب بالخديعة للمشاركة في انتخابات يشارك فيها المجرمون، للقفز فوق كل تفكير أو استحقاق يتعلق بالمحاسبة والعدالة وكأن شيئا لم يحدث. معروف أن مجرد مشاركة بشار وعصابته، أو عصابة المعارضة، يعني صك براءة عن أي جرائم قد ارتكبت وفتح صفحة جديدة ، وكأن شيئا لم يحصل ، حتى من دون ضمانات كافية بعودة اللاجئين واستعادة ممتلكاتهم، ولا بالكشف عن مصير المفقودين، أو خروج المسجونين، شيء واحد متفقون عليه هو العفو عن بعضهم البعض، والامساك بالشعب السوري بقبضة المخابرات ذاتها واستمرار شراكة الفساد ، وإدارة عملية إعادة الاعمار بأيدي منظومة الفساد والاختلاس نفسها التي ستبرر تركيب ديون هائلة تكبل الشعب السوري لقرن من الزمن، وتجعل من أي حرية أو استقلال مجرد حلم وهلوسة ...
بالأصل كامل مقاربة جنيف للمشكلة في سورية كانت خاطئة ومنحرفة منذ جنيف واحد ، فالصراع في سورية ليس بين طرفين ، بل بين سلطة مكلفة بحفظ مصالح وأمن الشعب خرجت عن مهامها ووظيفتها وباشرت القتل والتهجير وشنت حربا لا هوادة فيها ضد شعب خرج للشارع يحتج على فسادها واجرامها ، واستخدمت كل أنواع الأسلحة وأشدها فتكا بما فيها المحرمة دوليا واستعانت بميليشيات وجيوش أجنبية وارتكبت جرائم حرب وضد الإنسانية على نطاق واسع شمل أكثر من ثلثي السكان ، وبين شعب بغالبيته العظمى يرفع شعارا واحدا هو اسقاطها ، وبدل الضغط على السلطة لوقف حربها ، ولإقالتها وتسليم سلطة انتقالية بدلا عنها تقود مرحلة إعادة الاستقرار والأمن وحكم القانون ، سعى المجتمع الدولي للتسوية عبر مفاوضات بين مجرمي السلطة ومجرمي المعارضة ، للتوصل لتوافق بينهما على حل يتقاسمون فيه المصالح ، على حساب الشعب وحقوقه .
يقولون في علم الهندسة أن أقل انحراف عن الهدف سيجعل (المتحرك نحوه) يدور في حلقة مفرغة ولا يصل، فالميلان المستمر ينتج الدوران في المكان، وهذا ما حصل عندما قبلت المعارضة السورية، بطرح الأمم المتحدة التغاضي عن المبادئ الأساسية لقيام المجتمعات، وللتمثيل السياسي، وهي العدالة وسيادة القانون، والتفويض الشرعي بالإرادة الحرة الصريحة ، وانتهت لتكليف مندوبين وكلاء للدول النافذة لم يفوضهم الشعب للتفاوض باسم الشعب وتوقيع التنازلات المتواصلة منذ بداية جنيف مرورا بسوتشي وأستانة ، وصولا للهيئة التفاوضية واللجنة الدستورية . والذي انتهى أخير بتوقيع صك الاستسلام للنظام، والقبول بآلية تجديده واستعادته للشرعية بتدليس ومساعدة من الأمم المتحدة المسؤولة عن تمكين الشعوب من حقها في تقرير مصيرها،
لا يبدو لي بناء على ذلك أي مستقبل للسلم والاستقرار في سورية، بل أرى فقط دخولاً في مرحلة جديدة من الصراع واستمراراً لسورية كمسلخ بشري وسيرك للجريمة والانتقام والثأر طالما أن العدالة مغيبة والحقوق يتم تجاهلها.
اربطوا الأحزمة فسنرى أجيال جديدة من الشبيحة والدواعش .
د. كمال اللبواني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!